الأربعاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٩

ابو هريرة الامام الغامض ج 2


أبو هريرة ليس السنة النبوية !

1- قدماء السابقين الذين أسلموا بمكة 

2- أصحاب دار الندوة 

3- مهاجرو الحبشة 

4- أصحاب العقبة الاولى 

5- أصحاب العقبة الثانية 

6- أول المهاجرين الذين وصلوا إلى النبي بقباء قبل أن يدخل المدينة 

7- أهل بدر 

8- المهاجرون بين بدر والحديبية 

9- أهل بيعة الرضوان 

10- من هاجر بين الحديبية وفتح مكة
11- مسلمو الفتح 

12- صبيان وأطفال رأوا رسول الله يوم الفتح وفي حجة الوداع ! 

في أي درجة من هؤلاء يقع اسم ابي هريرة ؟



الذين تطرفوا في الهجوم على أبي هريرة بإعتباره الراوية الأشهر للحديث النبوي وضعوه في درجة الأطفال والصبية من حيث الفضل!! 

وهو أمر واضح القسوة خصوصاً أن أبا هريرة كما كتبنا في مقال الاسبوع الماضي أسلم وهو في عمر الثلاثين كما أنه التصق بالمسجد النبوي وبالرسول من أجل قوت يومه وطعام بطنه مع المعدمين والفقراء والعاطلين لمدة عامين " التقديرات متفاوتة بين أقل وأكثر" ومن ثم أنه ليس بالطفل ولا الصبي الذي اكتفى من النبي بالنظر! 

مع ذلك لم يكن أبو هريرة في يوم من الأيام أو في كتاب من الكتب من أصفياء النبي وأحبابه أو من أقرب الناس إليه ولا وضعه أحد في أي طبقة من طبقات الصحابة .. 

ويبرر ذلك هذا اللغط التاريخي الضخم على كثرة رواية ونقل أبي هريرة للأحاديث الشريفة عن النبي صلى الله عليه وسلم دونا عن بقية الصحابة الذين رووا كما يرجح البعض سبعاً وعشرين في المائة بالنسبة لما رواه أبو هريرة عن النبي وهي نسبة لا تعبر على الاطلاق عن مكانة أو قرب أو علم أبي هريرة قياساً بهؤلاء الصحابة وإذا أضفت إلى هذا الهجوم الثابت الذي واجهه أبو هريرة في حياة الصحابة على كثرة وغزارة روايته للاحاديث ثم انطلاقه بلا حد ولا حدود في الرواية في عصر معاوية والدولة الأموية تدرك فوراً ماذا كان موضع الشك والتشكيك وكذلك موطن الدفاع عنه ومحاولة درء الشبهات عن روايته بل والعمل على تقديمه على غير الصورة الاولى لحياته وسيرته 

نحن إذن أمام شخص له دور هام وهائل في الحديث النبوي يرفعه البعض بكل حماس إلى قمة العلم ورفعة المكانة ويهبط به البعض بكل قسوة إلى مواقع الشك والريبة ! 

وأول الأبواب التي تنفتح في الفتنة حول أبي هريرة هي غزارة رواياته التي إذا اعتمدنا أنه مكث قرب النبي في مسجده ومنزله لمدة عامين تقريباً روى عنها 5374 حديثاً أي بمعدل سبعة أحاديث أو أكثر قليلاً في اليوم وقد انفرد بالأحاديث بمفرده وهو أمر يجعلنا نسأل أين كان باقي الصحابة وهو السؤال الذي أجاب عليه المنتصرون لأبي هريرة بدفاع حار ووجيه .. 

أول بنود الدفاع عن أبي هريرة أن الرجل كان قائماً قاعداً مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن مثل بقية الصحابة يعمل ويجري على رزق وبيت ومن ثم فقد كان طبيعياً أن يسمع ويرى النبي أكثر 

ثم أن أبا هريرة فيما تلى ذلك من زمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من رجال الدولة والحكم والحرب والفتح ولهذا انشغل في الذي يعرفه ويفهمه ويحفظه في الوقت الذي كان عمر الفاروق فيه مشغولاً بالأمة وشئونها وكان خالد بن الوليد يفتح البلدان والأمصار كان أبو هريرة مشغولاً برواية الحديث النبوي الشريف . 

والحاصل أن الرأي الآخر الذي يعتقد أن أبا هريرة أكثر في الرواية لأسباب لا علاقة لها بتفرغه ولا معاصرته ومصاحبته للنبي يرون أن الصحابة كانوا يسعون إلى الرزق ويعملون بينما لا يعمل أبو هريرة وهذا صحيح لكن النبي لم يكن يخص أحداً بعلمه وأحكامه وأحاديثه أبداً 

ومن اللازم أن أياً من تعليمات وتعاليم النبي وأوامره وزواجره لم تكن بعيدة عن الصحابة ولم ينفرد بها أحد .. كما أن الصحابة مكثوا السنين والأيام مع النبي مما يفوق ما عاش معه أبو هريرة وصاحبوه في أدق الأيام وأهم اللحظات التي تحتاج إلى الأوامر والنواهي والسنة الشريفة . 

فضلاً عن أن أحداً منهم لم يترك صلاة وراء النبي ومعه في حلقات المسجد وجلسات الشورى بينما أبو هريرة يصاحبه في عشاء أو طريق ثم بفرض تفرغ أبي هريرة وغياب الصحابة فهذا لا ينطبق على السيدة عائشة أم المؤمنين وزوجة الرسول المحببة والمقربة والتي كانت الأقرب والأعلم به وبأحاديثه حين يغيب الصحابة " لو غابوا " 

ومع ذلك لم تحك أو تنقل أو ترو عن النبي ما قاله ورواه أبو هريرة " بينهما خلاف عميق سنصل إليه" 

ثم أن الأمر ليس مقصوراً على حفظ الأحاديث التي لم يسمعها غيره ولم يروها سواه بل كذلك في كثرة وغزارة روايته بينما ينهاه عنها الصحابة بعد وفاة النبي خصوصاً أنه لم يكن من الحفاظ أو القراء واضطر كما نعرف عمر الفاروق إلى ضربه والتهديد بطرده . 

فضلاً عن توقفه فعلاً لسنوات عن الرواية فاذا به يعود وكأنه كتب الأحاديث وحفظها وهو الأمي الذي لا يكتب . 

ثم هذه التكذيبات الشديدة التي تعرض لها من صحابة رسول الله حتى أن السيدة عائشة قالت له إنك لتتحدث حديثاً ما سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم . 

المعهود أن أي نقد أو إنتقاد يتم توجيهه إلى أي من الصحابة أو التابعين يتم التعامل معه بقدر هائل من الحساسية والرفض بل ورمي النقاد والمنتقدين بتهم الطعن في الإسلام والتهجم على الصحابة والأولياء وهو الأمر الذي انتقل من تحريم نقد بعض أفعال ومواقف بعض التابعين وتقديس سيرتهم وتنزيه تاريخهم إلى رفض أي نقد أو مناقشة أو انتقاد للأولياء وشيوخ الدين المعتمدين والرسميين والشعبيين . 

ثم انتقل إلى تقديسهم وتنزيههم وتحول بالضرورة إلى تنزيه وتأليه وتقديس ولاة الامور وولاة البلاد وحكام الأمصار المتحكمين في المصائر . 

من هنا اختفى ما كنا نراه ونقرأه ونفهمه في كتب التاريخ عن خلافات ومشاحنات وصرعات الأوائل من الصحابة والتابعين وتحولت الفتنة الكبرى الي راح ضحيتها الآف المسلمين في حرب علي ومعاوية الى سوء تفاهم وأن كليهما على حق " في حرب وقتل .. كيف يكون كلاهما على حق؟ " 

وتحول مقتل عثمان رضى الله عنه إلى مجرد حدث تاريخي لا دروس سياسية فيه ولا عبر منه وغير ذلك حتى ينتهي البعض إلى تقديم الخلاف على أبي هريرة وكأنه خلاف على السنة الشريفة أو حرب ضدها وكأن أبا هريرة هو السنة أو هو الحديث النبوي ولا ينظرون إلى هذا الخلاف حوله تقوية للسنة والرغبة في تبرأتها من أمراض السياسة حين تدخل واغراض النفوس حين تتداخل! 

من هنا فالرأي في أبي هريرة كما نستعرضه في الكتب ومن المراجع يبدو صراعاً في الفكر والسياسة وليس خلافاً في الدين والعقائد ولهذا نرى حقا أن أبا هريرة شابت علاقته بالصحابة غموض وغضب وعتب كما أنه من الثابت أنه لم يكن ملء السمع والبصر إلا بعد صعود الدولة الأموية والحاجة الماسة الى سند ديني ومساندة شرعية للخلاص من أزمة وسمعة قتل آل البيت والدم المسفوك والعرش المغتصب والحرب الضروس 

هنا تحول أبو هريرة الى سلاح في يد الدولة وفقهائها ورجالها وسلاح ضدها في يد أعدائها وخصومها وتحولت روايته للحديث إلى سلاح في يده يضيف للعلم والسنة المطهرة أو سلاح يشق فيها ويجرحه سواء عن طريقه أو طريق من ينقل عنه ومن يروح له ! 

كان طبيعياً إذن ألا يكون أبو هريرة المنزه المقدس خصوصاً أن سيرته لا تسمح له ولا لغيره بإدعاء ذلك كما لا يمكن أن يكون أبو هريرة كذوباً شريراً مطلقاً ونهائياً فقط اذا كان أبو هريرة قد روى أكثر من خمسة الآف حديث ولم يصح عند البخاري إلا حوالي ال400 فما الذي يمكن أن نقوله عن الأربعة آلاف الأخرى خصوصاً ومعظم ما صح عند البخاري من أحاديث أبو هريرة متشابه ومتداخل مع روايات آخرين من الصحابة والتابعين ولذا وجب علينا دفاعاً عن أبي هريرة أن نهاجمه ليس بحثاً عن براءته من الكذب عن النبي بل بحثاً عن براءته ممن دس عليه ونسب إلى أبي هريرة أو نسبه أبو هريرة مما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أن هناك علاقة مؤكدة بين أبي هريرة وكعب الأحبار اليهودي الغامض في الإسلام الذي زرع الإسرائليات في التفسير والسنة ومضى.... ولكن هذا يحتاج الى حديث اخر

كانت اللحظة مهيبة رهيبة ، النبي صلى الله عليه وسلم على فراش المرض والقلوب حوله ثكلى والأدمع تحتشد في المآقي فوجئ الصحابة والأهل والأنصار الجالسون والعاكفون والملتفون حول فراش مرضه بالنبي من جوف الألم والتوجع يقول " أئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده " ولما انتبه الجمع وجف الدمع من الدهشة واللهفة واستعدوا لتنفيذ الأمر صعد صوت كاللهب بحرف كالشهب إذا به عمر بن الخطاب ومن يجرؤ ومن يملك أن يكون صوته لهباً في حضرة المصطفى إلا هذا الرجل عمر بن الخطاب الفاروق الذي قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ..

والغريب أن أحداً لم يتحرك فيحضر كتاباً لينفذ الأمر النبوي فالنبي نفسه لما سمع ما قاله عمر لم يصر ولم يصمم ولم يغضب ولم يعتب على عمر بن الخطاب بل في الحقيقة بدا العكس تماماً لقد أقر رأى عمر ووقع بصمته على صواب كلمات الفاروق " لاحظ أن القرآن الكريم في آياته عن أسرى النبي قد أقر رأى عمر" 

نفهم من هذه الحادثة التي يعرفها بالقطع طلبة ابتدائي في الأزهر الشريف إن نصوص السنة النبوية لم تكتب في عهد النبي أو لم تجمع أو لم تحفظ وقتها بل كان ذلك بعدها بسنوات طويلة مديدة بل إن أول محاولة لجمع وتدوين منظم للحديث النبوي كانت بعد 156 عاماً من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عمر طويل يجعلنا نتساءل ماذا حدث للتدوين والجمع مع تعدد الروايات والرواة ومع غياب الجمع أو التدوين وهذا التساؤل لم يشغلنا نحن الآن " فمن نحن؟ " لكنه شغل الفقهاء والمفسرين والأئمة من قرون وراء قرون ، خصوصاً إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال في حديثه " من كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"

إذن البحث الذي جرى ويجري هو حول التحقق والتأكد من كلام النبي لننفذه ونخضع له وليس نفياً للحديث ولا ضرباً في السنة النبوية بل هو بحث عن مقاعد النار ومن يجلس عليها وسوف افتح معكم صفحات كتاب العلامة والمفكر العظيم أحمد أمين " فجر الإسلام " 

إن مرد ذلك عدة أسباب وعدد من الدوافع منها : الخصومة السياسية : 

الخصومة السياسية : فالخصومة بين علي وأبي بكر وبين علي ومعاوية وبين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان ثم بين الأمويين والعباسيين كل هذه كانت سبباً لوضع كثير من الحديث 

قال بن الحديد في شرح نهج البلاغة :" واعلم إن أصل الكذب في حديث الفضائل كان من جهة الشيعة فإنهم وضعوا في أول الأمر أحاديث مختلفة في صاحبهم " يقصد علي بن ابي طالب" حملهم على وضعها عداوة خصومة فلما رأت البكرية " يقصد أهل السنة " ما صنعت الشيعة وضعت لصاحبها في أحاديث نحو " لو كنت متخذاً خليلا " فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الأخاء ونحو سد الأبواب فإنه كان لعلي فقلبته البكرية إلى أبي بكر فلما رأت الشيعة ما قد وضعت البكرية أو سعول في وضع الأحاديث ولقد كان الفريقان في غنية عما اكتسباه واجترحاه ولقد كان في فضائل علي الثابتة الصحيحة وفضائل أبي بكر المحققة المعلومة ما يغني عن تكلف العصبية لهما " . 

وتلمح أحاديث كثيرة لا تكاد تشك وأنت تقرؤها أنها وضعت لتأييد الأمويين والعباسيين أو العلويين أو الحط منهم كالحبر الذي روى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في معاوية : اللهم قه العذاب والحساب وعلمه الكتاب 

وكالذي روي إن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء ، إنما ولي الله وصالحوا المؤمنين وقد قال بن عرفة : أن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم .

ويتصل بهذا النحو أحاديث وضعها الواضعون في تفضيل القبائل العربية ذلك إن هذه القبائل كانت تتنازع الرياسة والفخر والشرف فوجدوا في الأحاديث باباً يدخلون منه إلى المفاخرة كالذي وجدوه في الشعر فكم من الأحاديث وضعت في فضل قريش والأنصار وجهينة ومزيتة وأسلم وغفار والأشعرين والحميريين .

وكم من حديث وضع تفضيل العرب على العجم والروم فقابلها هؤلاء بوضع أحاديث في فضل العجم والروم والحبشة والترك .

ومثل ذلك العصبية للبلد فلا تكاد تجد بلداً كبيراً إلا وفيه حديث بل أحاديث في فضله فمكة والمدينة وجبل أحد والحجاز واليمن والشام وبيت المقدس ومصر وفارس وغيرها كل وردت فيه الأحاديث المتعددة في فضله وعلى الأجمال فالعصبية الحزبية والقبلية والعصبية للمكان كانت سبباً من أهم أسباب الوضع .

ثم تأتي الخلافات الكلامية والفقهية كأحد الدوافع للكذب على النبي ودس الأحاديث : فمثلاً اختلف علماء الكلام في القدر أو الجبر والاختيار فأجاز قوم لأنفسهم إن يؤيدوا مذهبهم بأحاديث يضعونها ينصون فيها على اسم الفرقة المناهضة لهم بل واسم رئيسها ولعنه ولعنهم وكذلك في الفقه فلا تكاد تجد فرعاً فقهياً مختلفاً فيه إلا وحديث يؤيد هذا وحديث يؤيد ذاك حتى مذهب أبي حنيفة الذي يذكر العلماء أنه لم يصح عنده إلا احاديث قليلة قال ابن خلدون : " إنها سبعة عشر" 

ملئت كتبه بالأحاديث التي لا تعد وأحياناً بنصوص هي أشبه ما يكون بمتون الفقه ، ثم يـأتي الدافع الأفدح والمشكلة الأخطر التي ألزمت كل عهد وعصر وهي : متابعة بعض من يتسمون بسمة العلم لهوى الأمراء والخلفاء يضعون لهم ما يعجبهم رغبة بما في أيديهم كالذي حكى عن غياث بن ابراهيم أنه دخل على المهدي ابن المنصور وكان يعجبه اللعب بالحمام فروى حديثاً : لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح فأمر له بعشرة آلاف درهم فلما قام ليخرج قال المهدي:" أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " جناح" ولكنه أراد أن يتقرب إلينا .

ثم تظهر كذلك النيات الحسنة والمقاصد التي تبدو طيبة لكنها تغوص في قلب الأزمة وهي : تساهل بعضهم في باب الفضائل والترغيب والترهيب ونحو ذلك مما لا يترتب عليه تحليل حرام أو تحريم حلال واستباحتهم الوضع فيها فملأوا كتب الحديث بفضائل الأشخاص حتى من لا يرهم النبي صلى الله عليه وسلم وبفضائل آيات القرآن وسوره ، كالذي روى عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن سورة سورة بعنوان إن من قرأ سورة كذا فله كذا وروى ذلك عن عكرمة عن ابن عباس وتارة يروي عن ابن كعب وهي الأحاديث التي نقلت في تفسير البيضاوي عند ختم كل سورة فلما سئل : من أين هذه الأحاديث ، قال لما رأيت اشتغال الناس بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن اسحاق وأعرضوا عن حفظ القرآن وضعت هذه الأحاديث حسبة لله تعالى . 

ومثل هذا ما ترى في كتب الإخلاص والتصوف من أحاديث في التغيب والترهيب لا يحصى لها عد ومن هذا الباب ادخل القصاص في الحديث كثيراً.

ومن أهم الدوافع الحميدة لإرتكاب الخطأ الزلل ما يرى أحمد امين المفكر والعلامة والأستاذ في فجر الاسلام : يخيل إلي أنه من أهم أسباب الوضع مغالاة الناس إذ ذاك " وحتى الآن بالقطع" في أنهم لا يقبلون من العلم إلا على ما اتصل بالكتاب والسنة إتصالاً وثيقاً وما عدا ذلك فليس له قيمة كبرى فأحكام الحرام والحلال إذا كانت مؤسسة على مجرد " الاجتهاد" لم يكن لها قيمة ما لم يكن قد أسس على الحديث بل كثير من العلماء في ذلك العصر كان يرفضها ولا يمنحها أية قيمة بل بعضهم كان يشنع على من ينحو هذا النحو والحكمة والموعظة الحسنة إذا كانت من هندي أو يوناني أو فارسي أو من شروح من التوراة أو الإنجيل لم يؤبه لها فحمل ذلك كثراً من الناس إن يصبغوا هذه الأشياء كلها صبغة دينية حتى يقبلوا عليها فوجدوا الحديث هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه فدخلوا منه على الناس ولم يتقوا الله فيما صنعوا فكان من ذلك أن ترى في الحديث الحكم الفقهي المصنوع والحكمة الهندية والفلسفة الزردشتية والموعظة الإسرائيلية أو النصرانية .

كان طبيعياً إزاء كل هذا أن يتحرك العلماء والفقهاء فقد روعت هذه الفوضى في الحديث عن رسول الله جماعة من العلماء الصادقين فنهضوا لتنقية الحديث مما ألم به وتمييز جيده من رديئه وسلكوا في ذلك جملة مسالك .

منها أنهم طالبوا بإسناد الحديث أعني أنهم يعنون رواة الحديث فيقول المحدث : حدثني فلان عن فلان عن رسول الله أنه قال كذا ليتمكنوا بذلك من معرفة قيمة المحدث صدقاً وكذباً ونظروا هل المحدث ينتسب الى بدعة ، وضع الحديث وترويجاً لها وجاء في مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر الى أهل السنة فيأخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يأخذ حديثهم .

ومن هنا يبدو طبيعياً تماماً أن يكون الخلاف مع وحول أبي هريرة بل وغيره ولا يمكن التسليم هكذا لما نسمعه ولا يشغلنا كثيراً إجماع من أجمع فكما عرفت السنة ذلك التعبير الجميل " متفق عليه " عرفنا جميعاً التعبير الهائل " مختلف عليه " وكل بما يحتج وكل على ما يستند أم ما استندت عليه في مقالات أبي هريرة طيلة رمضان الكريم فإلى جانب أمهات الكتب من البداية والنهاية لابن كثير وتاريخ الرسل والممالك للطبري هناك أيضا فجر الإسلام لأحمد أمين والسنة النبوية لأبي رية وأبو هريرة أعلام العرب للخطيب وتدوين السنة لإبراهيم محمود ومتفرقات كثيرة والله من وراء القصد . 

---------------------

نشر في جريدة الميدان 11/12/2001

0 التعليقات:

إرسال تعليق