الثلاثاء، ١ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية .. فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ بقلم جمال البنا

أى رحمة من الله.. بأى قدرة وقوة.. وهب الله رسوله تلك الصفة التى يندر أن توجد فى الرؤساء.. والكبار.. والحكام وهى «اللين»، فاللين صفة تحمل طابعًا حميمًا، يعيش فى الإطار الطبيعى للأسرة ويتبدى ما بين أعضائها، والعهد فى الرؤساء والكبار أن يحيطوا أنفسهم بستار من الكبرياء والتعالى والأنفة، وطبيعة القيادة تتطلب تميزًا، ومفردات هذا التميز من وجود الحرس ومن علو المقعد، ومن الفخامة فى المبنى.. إلخ.
وما كان شىء من هذا يمكن أن يوجد، أو يقترب من مكان الرسول ومن مقعده، فكان يجلس على الأرض كبقية العرب وحوله أصحابه، كما يجلس الأب وسط أبنائه، يأتيه الأعراب الجفاة، بعضهم ينادى بصوت عال، فيبتسم ابتسامة تذوب أمامها غلظتهم، ويأتى أحدهم فيتبول فى المسجد فيقول «لا ترزموه»، وتأتيه الجارية فتأخذ بيده وتسير به فى طرق المدينة، فإذا زارته سيدة بسط لها رداءه ويقول إنها كانت تزورنا أيام خديجة.
وتوضح الآية أنه لو كان «فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»، وانظر إلى الإعجاز فى صياغة «فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ» فإنها تعطى أقوى صورة للمعنى.
علاقات مفعمة بالمحبة، للمؤمنين والمؤمنات قائمة على اللين لعامة الناس، فسبحان الله الذى مكّن لرسوله هذا المنهج، والذى أدبه هذا الأدب الذى يعجز عنه أشهر فلاسفة التربية.
وتتوالى الحبات الثمينة للآية «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ».
هنا فى هذه الكلمات المعدودة يرسم القرآن أساسًا لسياسة تعامل القائد مع جمهوره بالطريقة الدينية.. الإنسانية.. وليس بالطريقة الإدارية أو القيادية الجافة، بدءًا من اللين والعفو، ثم الاستغفار، ثم استشارتهم «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ».
إن تفصيل هذه التوجيهات يحتاج إلى كتاب لا يقتصر على أنه يعالج موقف القائد من الجمهور.. الحاكم من المحكومين، وكيف تـُـتجاذب ما بين العفو عنهم، والاستغفار لهم، ومشورتهم.. ثم تأتى «القفلة» المحكمة «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ».
ما هى طبيعة لين الرسول وعفوه واستغفاره؟ ما هى حدود ومدى مشورتهم فى الأمر؟ ماذا تعنى بالضبط «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ»، إن استيعاب هذا يتطلب كتابًا، ومع هذا فإن ما نخرج به من الآية من انطباع يظل أفضل من أى شرح آخر، لأنها تضم فيما تضم كحبات المسبحة «اللين»، والعفو والاستغفار جنبًا إلى جنب العزيمة التى هى الخاتمة، والتى تعتمد فى الوقت نفسه على «التوكل على الله».
كل هذا فى سطور معدودة، وهذا هو القرآن.

0 التعليقات:

إرسال تعليق