الجمعة، ١١ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. وَنَفْسٍ وَمَا سَـوَّاهَا كتب جمال البنا

من النقط الهامة فهم الدين للطبيعة البشرية .. هل هى حسنة؟ هل هى سيئة؟ وهل يفترض أن تكون حسنة لا يقربها خطأ، أو أنها خاطئة لا يصلحها شىء.
اختلفت فى هذه النظريات، والأديان بحيث يغلب بعضها جانبًا على الآخر، فيرى البعض أنها حسنة، كما تصور روسو، ويرى البعض أنها شريرة، كما تصور هوبز، وقد تنتهى بعضها إلى البراءة الأصلية، وتنتهى الأخرى إلى أن الخطيئة قد غرست فى النفس.
إن الإسلام يتقبل الطبيعة البشرية كما جبلها الله تعالى وعبر عنها فى أوجز، وأفضل تعبير «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا».
فالطبيعة البشرية ليست ملائكية، بل إن الفجور يسكنها كما تسكنها التقوى، وقد قدمت الآية الفجور على التقوى، لأن مشاركة الناس فى الفجور أعظم من مشاركتهم فى التقوى.
والحق أن هذا هو أحد أسباب بعثة الرسل ونزول الكتب التى عبرت عنها الآية «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا».
وهذا التصوير لوجود الفجور جنبًا إلى جنب التقوى فى الطبيعة البشرية لابد وأن ينعكس على المجتمع الإسلامى الذى هو مجموعة من أفراد يخضعون جميعًا للطبيعة البشرية، ولابد بالضرورة من أن تتبدى انعكاسات هذا الضغط على المجتمع فيظهر فيه صور عديدة من مظاهر الفجور الإنسانى؛ لأن المجتمع الإسلامى ليس مجتمع ملائكة، ولكنه مجتمع بشر يخضعون للطبيعة البشرية.
وهناك أناس كثيرون أكثر تديناً وإسلامًا من الدين والإسلام، فهؤلاء يرفضون أى إثارة من فجور فى مجتمع إسلامى، ويؤثرون أن يكونوا كالنعامة، ولكن يتقبل.. ولابد أن يتقبل مظاهر الفجور المنطبع فى النفس البشرية جنبًا إلى جنب التقوى، بحيث يكون مجتمعًا بشريًا وليس مجتمعًا ملائكيًا.
وليس معنى هذا بالطبع الاستسلام لانعكاسات الفجور، ولكن التعامل معها بما توصل إليه الإسلام من طرق للتعامل مع الفجور البشرى، وهل يعود هذا الفجور إلى ضعف، أو أنه يعود إلى شر؟
أما إذا كان يعود إلى ضعف فإن الإسلام يتعامل معه بطرق المقاصة على أساس الآية «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ»، وأما إن كان عن شر فإن الإسلام يقابله بالحدود والعقوبات الرادعة، وأهم من هذه كلها أن الإسلام يفرض وجود دعاة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحيون فى النفس اتجاهات الخير، والإرادة، والسيطرة على الأهواء والشهوات بما يقنع النفس بأفضلية الهدى على الضلال،
وهذه هى منظومة المجتمع البشرى: الفجور بنوعيه من ضعف وشر يفرضان نفسهما عليه وفى مقابلهما توجد المقاصة، مع الضعف والقانون الرادع مع الشر، يوجد الدعاة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويعمقون الإيمان فى النفوس، بحيث تقبل طائعة على الخير وتتجنب من تلقاء نفسها دوافع ونوازع الآثام «وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ»، وتكون الحياة فى هذا المجتمع مبارزة ما بين الخير والشر، يوكل الحكم الأخير فيها إلى الله يوم القيامة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق