الأربعاء، ٩ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ كتب جمال البنا

هل هناك ما هو أعذب من هذا النداء، أو أجمل وقعًا أو أكثر شمولاً؟ إنه يقول للذين «أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ» أن «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
لقد ادعى بعض الذين يريدون تشويه الإسلام أن الله فى الإسلام جبار عتى؛ لأنه عرض لصفحة من جبروته لأكابر المجرمين، الذين لا يفهمون إلا لغة القوة والجبروت حتى يعلموا أن فوق جبروتهم جبروتاً أعظم سيحاسبهم ويوقع عليهم الجزاء، أما بالنسبة للناس جميعًا، فالله هو الرحمن الرحيم الذى يغفر الذنوب جميعًا.
هذا «كارت بلانش»، وهو تعهد مطلق لا استثناء فيه ولا شرط عليه، إن الله تعالى يغفر الذنوب جميعًا.
حقاً إن المفسرين يفيضون القول فى هذه الآية، وهذا من حقهم، ولكن يظل النص أعظم منهم جميعًا، ويظل شاملاً قاطعًا إنه ما من ذنب يمكن أن يجاوز رحمة الله.
القضية أن الله تعالى يريد أن يعرفنا على بعض صفاته، ولكن قد لا نفهم ذلك أو نقدره حق قدره، وكيف يمكن أن نقدر، الله تعالى يقول «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» .
فالله تعالى يعرض لنا رحمته التى وسعت كل شىء، ولكن هذا أمر خاص به ويعود إليه، أما عندما يراد تفعيل هذه الرحمة على المجتمع الإنسانى فيفترض أن يتم ذلك فى إطار المبادئ والأسس والسنن، التى وضعها الله تعالى نفسه لإدارة المجتمع، ومن أهمها إثابة المحسن ومعاقبة المسىء، لأن الطبيعة البشرية لا يمكن أن تعالج إلا بهذا المعيار، ولأنه دون ذلك فقد يتخذ بعض الناس من رحمة الله التى تغفر الذنوب جميعًا تكأة للإسراف فى الذنوب مادام الله تعالى يغفرها.
إن الآية تعرض قسمة من قسمات الله تعالى الرحمن المطلقة، التى لا يمكن لذنب أن يجاورها، وفى الوقت نفسه فإنها توضح أن تفعيل هذه الرحمة فى المجتمع البشرى إنما يتم فى إطار العدالة التى تقضى بمكافأة المحسن وبمعاقبة المسىء.
قد يقال وما الفائدة إذن من النص؟
نقول حتى لا يتألى أحد على الله، وحتى لا يدعى أحد أن الله لا يغفر هذا، وأن هذا مصيره إلى النار وبئس الجحيم، فليقم الناس العدالة، ولكن ليدعو الحكم فيها إلى الله تعالى يوم القيامة

0 التعليقات:

إرسال تعليق