الثلاثاء، ١٥ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية .. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً بقلم جمال البنا


كانت الهيمنة على العالم أجمع أمل أكبر الفاتحين فى التاريخ، وتمناها الإسكندر، وحاولها جنكيزخان وتيمورلنك، وتصورت الإمبراطورية الرومانية أنها أصبحت تحكم العالم، بل إن الإمبراطورية الإسلامية فى عهد المأمون وهارون الرشيد كادت تحكم العالم.
ولم تتحقق أمنية فتح العالم لأى واحد من هؤلاء جميعًا، فقد ظهر أن العالم أكبر وأعسر من أن يجمعه جنرال عسكرى أو إمبراطورية مهما كان قدرها.
على أن حكم العالم لا يعنى أن يكون العالم أمة واحدة، فقد يسهل على حاكم قوى الذكاء فى وقت موات أن يحكم العديد من بلاد العالم، ولكنه لا يستطيع أن يجعل منها كلها أمة واحدة.
بل إن العصر الحديث بكل قواه وإنجازاته لا يستطيع أن يحقق «العولمة» حتى وإن حطم الأبواب التى كانت تحمى الدول من عدوان الآخر، لقد تحطمت هذه الأبواب وأصبح يمكن للبيتزا.. والسيارة.. والتليفون أن توجد أكثر من أى عهد مضى رمزاً من التلاقى، أما الوحدة.. فلا.
تأتى ذلك لصعوبات اللسان والألوان، والحضارات والتاريخ.. إلخ.
ويوضح لنا التاريخ أن فكرة الهيمنة على العالم أو محاولة جعله أمة واحدة كانت هى أكبر أسباب تسلل الضعف إلى الدول التى حاولت ذلك، والتى نجحت جزئيًا، ولكنها عجزت عن القيام بمسؤوليات رعايا الدول التى احتضنتها والتى أصبحت عبئاً عليها، وإن تصورت أنها ستكسب منها، لأن الهدف غير طبيعى.
وتجربة الولايات المتحدة الدولة الأعظم التى ضمت أعتى قوة عسكرية، وأعظم اقتصاد عالمى.
هذه الدولة العظيمة هزمت فى فيتنام هزيمة مدوية، وعجزت حتى الآن فى الأفغان، مع أنها استعانت بكل دول أوروبا، ومع أنها نسفت الجبال نسفاً، فلم يفدها شيئاً، ولا تزال «طالبان» وحسبك اسمها تقف كالشوكة فى الزور،
ومع أنها رزقت نصرًا سهلاً فى العراق التى كان يحكمها أسوأ حكام العالم وكان يمكن أن تدخل دخول المحرر فيقابلها الشعب بالورود، فإن فكرة الهيمنة والسيطرة والضم جعل الشعب العراقى يواجهها وأصبح العراق مستنقعًا يريد الأمريكيون أن يخلصوا منه.
وهكذا كانت نهاية أكبر محاولة فى الحقبة المعاصرة لتفرض دولة سيطرتها على العالم.
وقد حسم الله تعالى ذلك عندما قال : «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا».
وقد أوضحت الآية أن الله تعالى إنما خلق العالم على ما هو عليه من أمم وشعوب «لِيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ»، أى إن كل من هذه الدول والشعوب ستقوم بدورها فى الحياة، وإن هذا لن يدع الذين يريدون الضم والهيمنة والسيطرة حرية العمل أو إطلاق اليد،
وجاءت الآية محرضة الجميع لأن يستبقوا الخيرات، فيكون هناك سباق وهناك تعددية، ولكن لن يكون هناك هيمنة وسلطة مطلقة، فهذا إذا حدث فإنه يستحيل أن يظل أبد الآبدين «وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ».

0 التعليقات:

إرسال تعليق