الأحد، ٦ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا كتب جمال البنا

التفكير فى هذه الآية بالصيغة التى أنزلت بها يضعنا فى صميم قضية فكرية عقيدية عويصة.
فظاهر النص يوحى بوضع قيد على المشيئة الإلهية هو الأجل، وأنه إذا جاء هذا الأجل، فلن يؤخر الله نفسًا.
والمسلمون جميعًا يوقنون أن الله تعالى يفعل ما يشاء، وإنه لا راد لإرادته، وإرادته مطلقة وماضية إلى يوم القيامة ولا يمكن وضع قيد عليها.
وهذا صحيح، ولكن الآية لا تتنافى معه، والحل الذى يبدد الشبهة هو أن الله تعالى هو الذى وضع الأجل، فالأجل جزء من إرادته وهو عندما يلتزم به فإنما يلتزم بما وضعه.
وهناك آيات عديدة تقرر هذا المعنى مثل «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ».
وما يتردد فى نفوسنا من شبهة تعود إلى أننا نتصور أن الله تعالى يتصرف فى هذا الكون كما يتصرف ملك مطلق فى دولته، يحكمها بإرادته الخاصة، ويطلق القرارات حسب ظروفه.. إلخ، وهذه الصورة بعيدة عن الله تعالى، فالله يخلق كل شىء بقدر، وبحكمة، ويضع له طريقة سيره، وهو يضع سنناً لكى يسير عليها المجتمع، فمن أخذ بها حقق العلاج، ومن تنكر لها حقت عليه الضلالة، وهو يترك للأفراد حرية الاختيار ليحاسبهم يوم القيامة.
الكون إذن محكوم بالسنن والمبادئ، والأصول التى وضعها الله تعالى له، تستوى فى ذلك المجرات والمخلوقات من حيوانات أو إنسان وما يميزها أن بعضها مُسير والبعض الآخر مُخير.
ومما يدخل فى هذا أن القرآن يستخدم تعبير «كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ» كالذى جاء فى «كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»، «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» (الأنعام: ٤٢ــ٥٤).
وهو تعبير يريد الله تعالى به أن يقرب لنفوسنا طريقة عمله، وكذلك أن يصف نفسه بأنه «لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً»:
«فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (التوبة: ٧٠).
«وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (النحل: ٣٣).
«وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (العنكبوت: ٤٠).
«فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (الروم: ٩).
وكيف يمكن أن نتصور أن يظلم الله وهو الحق والعدل، إن الله تعالى لا يلعب بالنرد كما يقول أينشتين ولكنه يدبر الأمر، ويضع السنن والأصول والقواعد التى انبثقت عنه والتى أخذت طابع الكمال الذى يجعلها صالحة لكل زمان ومكان وتدخل فى هذه السنن القيم كالحرية، والعدل، والمساواة، والمعرفة، والخير.. إلخ.
إننا فى كثير من الحالات لا يمكن أن نصل إلى مستوى فهم وإدارة الله تعالى لهذا الكون العظيم، وأسوأ ما فى الأمر أننا نشبهه بحكم البشر، فإن أعقل البشر وأحكمهم لا يمكن أن يسمو إلى أدنى حكم الله، وإن علينا أن نتعلم منه بقدر ما تتسع له أفهامنا، وعلينا أن نقول «وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» (البقرة: ٢٨٥).

0 التعليقات:

إرسال تعليق