الاثنين، ٢٨ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية .. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ بقلم جمال البنا

تتصدى الآيات (٢ـ٣) من سورة الصف «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ» لظاهرة شائعة شديدة الانتشار بقدر ما هى سيئة الآثار، وهى تعرض للقول تجاه العمل، فما أكثر الذين يقولون .. وما أقل الذين يعملون،
وهذا لأن الكلام سهل، ولكن العمل صعب، وتأخذ هذه العملية أسوأ صورها عندما يتعارض العمل مع الكلام، فالمتحدث يقدم وعودًا ولعله يؤكدها بالإيمان المغلظة ثم لا يؤدى منها شيئاً، فهذا التناقض ما بين الكلام والعمل أمر يخل بالنظام ويقضى على الثقــة التى عليها تقوم المعاملات والعلاقات، ويتم هذا بسهولة، وكأن صاحبها لم يقترف أمرًا إدًا.
لهذا جاءت الآية قارعة «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ»، ويوحى التعبير القرآنى بأن القول يتضمن وعدًا بفعل، وأن هذا الفعل لا يؤدى، فهل هناك ما هو أكثر من هذا التعبير الصارم «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ» ولو أن المسلمين يقرأون القرآن ولو أنهم عند قراءتهم يفكرون فيما يقراءون، ولا يكرون الايات كرًا، لتبينوا الجريمة التى يقترفونها كل يوم، وهم لا يعلمون أو هم يحسبونها هينة وهى عند الله عظيمة.
إن مجتمعًا يدأب أفراده على أن يقولوا ما لا يفعلون، لابد وأن يكون مجتمعًا مفككاً مضطربًا، لا يستقيم، ولا يستقر، وكيف يستقيم أو يستقر والوعود فى واد والأعمال فى واد آخر، أو أن الكلمات تقدم وعودًا ولكن لا وفاء بها وتطبيق لها.
عندما تحدث الرسول عن أمارات المنافق قال «إذا وعد أخلف»، وهذا هو ما تندد به الآية، وما تراه كبيرة الكبائر.
المجتمع السليم يقوم على الصدق، وعلى الثقة، وعلى الأمانة، فإذا اختل هذا فلا يمكن أن يقوم مجتمع لأن هذه الظاهرة تهز المجتمع من أساسه، ولأنها ليست مقصورة على كلام من واحد لآخر، ولكنها تشمل كل «تصريحات» المسؤولين فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هى ما بين البائع والشارى، هى ما بين الصانع والعميل، فإذا كان كل هذا كلام لا يتبعه عمل، ووعود لا تتحقق، فكيف يستقر المجتمع.
إن عدم الوفاء بالعهود هو أسوأ صورة للكذب لأنه يتعلق بالتزام لا يؤدى فهو كذب مضاعف يؤدى إلى خلل فى المجتمع.
يقول المثل الشعبى «أسمع كلامك أصدقك .. أشوف أمورك أستعجب»، فهل قضى على المجتمع أن يقضى حياته ما بين الصدق الساذج، وما بين الخُـلف الشنيع.
وإلى متى؟!

0 التعليقات:

إرسال تعليق