الجمعة، ١١ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ كتب جمال البنا

إنها سورة مختصرة، ولكنها تشير إلى البلاء الأعظم الذى تجذر فى المجتمع الإسلامى، لقد ظهر فى أيام الرسول، وتحدثت عنه السورة، وكيف أنهم اتخذوا أيمانهم جُنَّة يتسترون وراءها ويدفعون بها وهم يقترفون أعظم الآثام، والمصيبة الكبرى أنهم ادعوا الإيمان، فلم يكونوا من الكافرين الذين يعلم المسلمون بكفرهم ليتجنبوهم، ولكنهم اتخذوا إيمانهم وسيلة للدخول فى صفوف المسلمين وبث فتنتهم وكيدهم، وقد وصل خطرهم أن أعلم اللهُ رسولَه «سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ».
وعرض القرآن لبعض وشاياتهم وكيدهم وتحريضهم بقوله «هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ».
لنتصور قومًا يستغفر لهم الرسول، ولا يقبل الله هذا الاستغفار، لأنه يعلم ما لا يعلمه الرسول من خبثهم وخستهم، فهم يحرضون الأنصار على ألا ينفقوا على المهاجرين حتى ينفضوا وهم الذين يظنون أنهم إذا عادوا إلى المدينة من إحدى الغزوات «لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ» يريدون بذلك أنهم سوف يخرجون المهاجرين من المدينة، غير دارين أن ابن زعيمهم هو من خيرة المؤمنين، ولما سمع الابن ذلك أمسك بسيفه وعندما عاد أبوه وأراد أن يدخل منعه ابنه، وقال: حتى يأذن لك رسول الله ليعلم مَنْ هو الأعز.
على كل حال فإن شر المنافقين لم يستعر إلا فى فترات التدهور الإسلامى، الذى كانوا هم أنفسهم من أكبر أسبابه، لأنهم كانوا كالسوس ينخر فى قوائم المجتمع ليتزلزل أو ينهار.
والنفاق اليوم هو أكبر عامل مؤثر فى المجتمع المصرى، وهو أكبر أسباب تخبطه وتدهوره، وقد بدأ فى البيت، فالأم التى تدلل ابنها وتحول بينه وبين أن يتحرك أو يلعب أو يعمل خوفاً عليه، والتى تحقق كل مطالبه بمجرد أن يبدأ الصراخ، هذا الطفل ينمو فاقدًا مَلَكَة الاعتماد على النفس أو مجابهة الواقع أو التصرف وتحمل المسؤولية، ويتصور أن كلمته يجب أن تطاع، ودخل المدرسة فلم تزده المدرسة إلا خبالاً ونقلته من التدليل إلى التلقين والحفظ وحشو ذهنه بمعلومات لا فائدة منها، ولم تقدم إليه ما يتطلبه المجتمع من مهارات، وعندما جُوبه بعد تخرجه بحثاً عن عمل بالحياة الصلبة الصعبة، وأن لا أحد يأبه له، ولما كان عاجزًا عن القيام بالعمل وتحمل المسؤولية وأن يخوض معركة الحياة، فقد اهتدى إلى أن النفاق يمكن أن يفتح أمامه الطريق المغلق، فأخذ ينافق رؤساءه حتى رفعوه، وفهم الجميع أن الوسيلة الوحيدة لفتح الأبواب أمام الخائبين هى النفاق، فأخذ كل واحد فيه حتى أصبح النفاق هو وسيلة الوصول.
فإذا كان هذا هو النفاق الفردى، فإن النفاق يأخذ شكلاً اجتماعيًا يمثله التدين الكاذب كإطلاق اللحية وترديد «صلى الله عليه وسلم»، و«رضى الله عنه» وسيدنا فلان (من الصحابة)، وتلاوة الأوراد، كل هذا ليهرب من الحديث فى صميم الموضوع، وانتقل هذا إلى المجتمع فالمشاكل تقوم ويلمسها كل واحد، ولكن الجميع يتجاهلها ويتجنبها ولا أحد يريد إصلاحها، وكلهم يعرف أن ما يقوله أو يفعله هو نفاق فى نفاق وهو هروب من حل المشاكل واللواذ بقضايا أخرى.
إن النفاق الاجتماعى أصبح أكبر قوة تحكم المجتمع المصرى.

0 التعليقات:

إرسال تعليق