الثلاثاء، ١٥ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا كتب جمال البنا

أكبر ما يتمناه قائد، أو حاكم، أن تألفه القلوب، وأن يكون أتباعه من الذين جمعت بينهم الألفة، وهذا ما لا يمكن أن يصل إليه حاكم حتى لو أنفق مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا، فالقلوب لا تشترى، كما أنها لا تحكم، وليس فى يد أعظم الحكام إلا هذان: المال لتآلف الناس، والقوة والبطش ليخضعهم، وكما قلنا فهذان لا ينفعان مع القلوب.
وإنما تكسب القلوب بالفكرة الرائعة التى تكتسب من أصالتها ومن ص ومن إبداعها ما يجذب القلوب فتنجذب، لأن الفكر هو لغة القلب، وقد تصل عزة القلوب درجة يكون الله تعالى وحده هو الذى يمكن أن يحقق تآلفها كما فى الآية «فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، والله تعالى قام بهذه المهمة الصعبة عبر وسيلتين هما القرآن والرسول، القرآن الذى لو ألقى على جبل لجعله خاشعًا متصدعًا، فما بالك عندما ينزل على القلب وهو لحمة التأثر.. ثم جاء الرسول رحمة مهداة، ومثلاً أعلى يمشى على الأرض.
وقد ظهر أثر الهيمنة الكاملة للإسلام على نفوس وقلوب المؤمنين عندما التجأ المهاجرون من أهل مكة الهاربون من بطش مشركيها، تاركين ثرواتهم وأملاكهم إلى المدينة التى «فتحت بالقرآن» كما قالت عائشة، فقابلهم الأنصار (أهل المدينة) مقابلة الأخوة الأعزة، وأشركوهم فى مالهم ومنازلهم ووصل عمق المحبة أن عرض أنصارى لمهاجر أن يشركه فى ماله وأن ينزل له عن إحدى زوجتيه، فقال المهاجر بارك الله لك فى مالك وأهلك دلنى على السوق.
هل يمكن لأى حاكم أن يصل تأثيره مثل هذا التأثير.. مستحيل، لذلك قال الله «لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ»، وهذا الأمل الطموح مع هذا يمكن تحقيقه لو جعل الحاكم القرآن دستوره، ولو تأسى بالرسول فى سياسته وتقشفه وسموه عن متاع الدنيا، يمكن للحاكم أن يملك القلوب كما ملكها أبوبكر، وكما ملكها عمر، لو احتذى بهما، وعندئذ يظفر بأعظم ما يصبو إليه حاكم: حب الناس وألفة الشعب.
أفليس هذا هو الطريق المستقيم لكسب الجماهيرية؟ أليس هو أجدى من كل وسائل الدعاية، ومن اصطناع الأتباع، وإعطاء النواب منحًا ومزايا، وحصانة يمكن فى ظلها ممارسة كل صور الفساد، أليس هو أفضل من تكوين جيش جرار باسم الأمن المركزى يضم الألوف المؤلفة من الجنود والضباط والمئات من العربات الحديدية المغلقة ــ سجون على عجل ــ والهراوات التى يصعق بعضها.. يا سيدى الحاكم لست فى حاجة لهؤلاء الذين كان يمكن أن يزرعوا ويصنعوا ويتاجروا.. كلمة حب يصدقها عمل.. أما كلمة حب يناقضها عمل، فالشعب يعلم أنها رشوة رخيصة.. واستغفال وتخدير.

0 التعليقات:

إرسال تعليق