الجمعة، ٤ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. «مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا» كتب جمال البنا

هذه الآية تجعل شعر الإنسان يقف عندما يفكر فيها، وهى تقول: «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ» (البقرة : ٢٦).
عندما أفكر أن الله تعالى الذى خلق هذا الكون العجيب الذى لا مثيل له، وعندما أوجد المجرات الهائلة التى لا حد لها والتى تكون الأرض بالنسبة لها كحبة رمل من صحراء أو قطرة من بحر، والذى خلق الحياة والموت، ولا حد لحكمته أو قدرته.. لا يستنكف أن يضرب المثل ببعوضة.. هل يريد الله تعالى أن يعلمنا درسًا، ألا نتعالى على أصغر الحشرات، بل أن نأخذ منها العبرة ونضرب بها المثل؟
هل يريد الله أن يعلمنا أن الإعجاز، والقدرة، والعظمة، يمكن أن تتجلى فى حشرة، كما تتجلى فى المجرات والأكوان العظيمة؟ إن شركة بوينج يمكن أن تصنع طائرة تنقل ألف واحد، ولكن لا يمكن أن تصنع طائرة فى حجم بعوضة، فأين تضع محركاتها، وكيف تختزن وقودها، فضلاً عن أن الحشرة تتجه وتهتدى لما يحفظ كيانها فى حين أن الأكوان مُسَخرة؟!
يُفترض أن يعلم المؤمنون به، فيقولوا «أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ»، أما الجاهلون فيلجأون إلى المماحكة «مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً» .. الخ .
لقد أردت أن أعلم كيف يفهم مفسرونا هذه الآية، فرجعت إلى الطبرى وابن كثير، فرأيت روايات ساقطة وأقاويل تافهة، وكلاماً لا معنى له، فنحيّت المجلدين فى سخط .
الذى يسمع الآية بسمعه، وقلبه، وعقله، سيكتشف بعض إعجازها ثم يأتى التدبير فتتضح الصورة، فلا يكون فى حاجة إلى من يفسرها له لأن تفسيره لن يتضمن إلا أقاويل وروايات، فى حين أن تدبرها يجعله يحس إعجازها ويتلمس معانيها، وتكون النتيجة أن يعظم الله تعالى ويسبح بقدرته، ولا يحتقر صغيرًا ولا يستبعده، لأن الله تعالى يمكن، كما يقول المثل الشعبى، أن يضع «سره فى أضعف خلقه»، وتأمل كلمة «سره» فإنها لمست المحك.

0 التعليقات:

إرسال تعليق