الخميس، ٣ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ» كتب جمال البنا

الآيات التى تبين مهمة الرسول وصلاحياته ومدى سلطته عديدة فى القرآن، وتكاد تكون مكررة، وهذه الكثـرة وهذا التكرار مغـزاه أن الموضوع لـه أهمية خاصة، وأن هناك احتمالات للتجاوز، أو إساءة الفهم، فاقتضى الأمر من القرآن أن يبين، ويوضح، ويحدد، وألا يكتفى بذكر ذلك مرة أو مرتين، ولكن مرارًا وتكرارًا حتى لا يبقى ظلاً لشك أو وجودًا لشبهة، فالرسول رسول ومهمة الرسول هى التبليغ، وما قد يتطلبه هذا التبليغ من إيضاح حتى لا يخطئ أحد فى الفهم أو يسبق إلى فكرة معنى لا يريده القرآن، وهكذا فالقرآن يذكر لنا:
«مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ» (المائدة : ٩٩) .
«فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ» (الغاشية : ٢١ـ٢٢) .
وآيات أخرى عديدة لا يتسع لها المقام .
ما سر هذا الإلحاح من القرآن على هذا المعنى وتكراره وتأكيده؟
السر أن الداعية، بحكم كونه داعية، يود لو أن الناس جميعًا آمنوا بدعوته، وبقدر إيمانهم بقدر ما يتملكه الرضا، فإذا انصرفوا عنه تملكه الحزن، وقد يدفعه حرصه على هداية الناس إلى وسائل وأساليب تمثل إغراءً أو ضغطاً، أو قد يقبل تنازلاً أو ترخصًا حتى يكسب أكبر عدد، وواضح بالطبع أنه لا يريد إلا الخير، وأى خير أفضل من هداية أكبر عدد ممكن من الناس!
القرآن الكريم يخترق أعماق النفوس، ويستبعد بكل قوة مثل هذه الأحاسيس، لأنها تخرج عن دوره، فدوره أنه رسول يبلغ، ويبشر، وينذر، ولكن لا يتعدى هذا أبدًا ولا يؤثر عليه سلوك الناس تجاهه، وإقبالهم عليه، أو انصرافهم عنه.
ولا جدال أن الداعية يكاد يكون مفطورًا على الرغبة فى تحقيق الهداية، ولكن القرآن يعلم أن تحقيق الهداية له شروط ومقتضيات، وتكتنفه عوامل وأوضاع .. إلخ، فضلاً عن أن الإنسان لا يخضع لمقتضيات العقل، قدر ما يستسلم لنوازع العواطف.. وعلاج هذا كله يخرج عن إطار تبليغ الرسالة ويقذف به فى غمرات الدنيا .
إذن كيف يكون الموقف إذا رفضوا دعوته؟
إن القرآن يؤكد للرسول «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَـــلاغُ»، «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ»، «وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى»، « فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ»، «وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِىءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ» .
ليس للرسول سلطة على الناس، ليس جبارًا، ولا مسيطرًا، ولا حتى وكيلاً، إن هو إلا رسول .
ليس الرسول حاكمًا، ولا جابيًا، ولكنه هادٍ.
وفى هذا يكمن فخره وتتبلور رسالته ويظل دائمًا حاملاً رسالته .. داعيًا إليها .. لا يشرك بذلك شيئاً آخر يشغله ويورطه، والأمر بعدْ ليس أمره، إنه لا يملك الهداية حتى لأحب الناس إليه «إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ» .
الرسول يدعو .. والله يهدى .. وهو أعلم بمن يهتدى ومن تتحكم فيه ظروفه فيأبى .
«وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا».

0 التعليقات:

إرسال تعليق