الاثنين، ٢٨ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية .. وإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ بقلم جمال البنا

علمنا القرآن آداب التحية، وقد يسأل سائل: وهل كان على القرآن أن يعلمنا هذا أيضًا؟
يبدو أنه كان ضروريًا، ولهذا نزلت الآية «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا» (النساء: ٨٦).
ومع هذا فيبدو أننا لم نتعلم ما عُلّمنا، فنحن حتى الآن لا نأخذ بما أوجبه القرآن.
بيَّن القرآن أنه إذا بدأنا أحد بتحية، فعلى الآخر أن يرد بمثلها أو بأحسن منها. وليست التحية هى السلام وحده، وإنما هى كل شىء فيه تحية.
فالهدية مثلاً هى نوع من التحية، ويفترض فيمن يتقبل هدية أن يرد بمثلها، فإذا لم يكن لديه فلا أقل من أن يشكر عليها.
وإذا أرسل أحد خطابًا يحييك فيه أو يهنئك بمناسبة أو حتى يسأل عن مسألة، فإن من الواجبرد التحية أو ترد عليه، حتى وإن كان صغيرًا وأنت كبيرًا، فمادام قد حيا فقد وجب الرد، ومن أسوأ العادات أن يكتب أحد إلى أخيه مهنئاً أو مسلِّمًا، فلا يلقى ردًا، فهذا نوع من احتقار المرسل، وعدم إعطائه حقه.
فى مقابل هذا، نجد سرفاً فى التحية أصبح مقبوحًا فما إن يلتقى أحد صاحبه حتى يعانقه ويقبله. لا أدرى من أين تسللت إلينا هذه العادة المقبوحة، وقد كانت مجهولة فى الأربعينيات، ولا أدرى سببًا لشيوعها، إلا أنها صورة من صور التسيب الشائع.
وقد بينت السُـنة، التى تُفصّل ما أجمله القرآن، أن التحية عند اللقاء هى المصافحة فحسب دون المعانقة أو التقبيل، وأن هذا الأخير إنما يحدث عند العودة من السفر فحسب، أما فى حالات التلاقى العادية فهى مكروهة. روى أن رجلاً قال للرسول يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحنى له؟، قال: لا، قال أفلا يلتزمه ويقبله، قال: لا، قال فيأخذ بيده ويصافحه، قال: نعم.
ولم يحدث أبدًا أن كان الصحابة يتعانقون كلما يتلاقون.
إن انتشار هذه العادة الغريبة، وصل من القوة لأن فرض نفسه على الأجانب عندما يقابلون عربيًا فيبادلونهم العناق والتقبيل مع أن هذا التقبيل فى العرف والمزاج الأوروبى أمر مقزز، فلا تقبيل إلا للنساء.
وآن لنا أن نتخلص من هذه العادة التى لا تمثل إلا نوعًا من النفاق والسرف.
إن الآية تلزمنا الأدب دون أن يتردى إلى ما يخالفه، حتى الوقوف ــ وهو مما يدخل فى الأدب ــ ولكن يمكن أن يتطرق إليه مظنة الخضوع، وقد أمر الرسول أصحابه ألا يقوموا له وكره من أحب أن يتمثل له الرجال وقوفاً.
الذوق والأدب والإسلام هو المصافحة، أما المعانقة فلا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق