الاثنين، ٢٨ سبتمبر ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ كتب جمال البنا

هذه هى الجملة التى حفظها المسلمون جميعًا فى أربعة أركان الأرض عن ظهر قلب، وفهموا أنها رخصة لكى يتزوجوا حتى أربع زوجات، وفسرت فحولة البعض أن المقصود بمَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ تسع زوجات.
ولم يفكر أحد فيم جاء هذا النص الخطير، ولا ما سبقه من كلمات، وما أعقبه من حديث، والمفروض ألا تنتزع جملة قرآنية عما قبلها وما بعدها، لأن القرآن يتلاعب فى التقديم والتأخير بما يحقق ما يقتضيه النظم الموسيقى وشدة تأثيره فى النفس البشرية بحيث يحقق لها الهداية دون أى اعتبارات أخرى.
هذه الكلمات مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ، جاءت فى الآية الثالثة من سورة النساء، وسورة النساء إنما أنزلها الله تعالى ليدافع بها عن المرأة، وليستبعد كل صور انتهاكات حرياتها وانتقاص حقوقها، وهى كلها رحمة وعدل وإنسانية.
الآية الأولى فى السورة «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا».
والآية الثانية «وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيرًا».
ثم تأتى الآية الثالثة «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا».
من هذا نرى أن جملة «مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ» جاءت مبنية على شرط معين هو «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى» فإذا لم يتوفر الشرط فلا إذن فى النكاح مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ثم لم تقف الآية عند هذا، إنها أعقبت ذلك بشرط «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً» وليس على إذا لم تعدلوا بالفعل.
إن الأمة الإسلامية فسرت الآية فى ظل ظروف كانت تبيح التعدد إلى عشر زوجات دون أى قيد أو شرط، فرأت أن الهبوط بالعدد إلى أربع هو تقليل لتعدد الزوجات والنزول به إلى أدنى حد، أما قضية «عدم القسِطُ فِى الْيَتَامَى» فلم يعلقوا عليها أهمية أو أنهم تجاهلوها كأن لم تكن، وأما «حوف عدم العدل» فقد فسروه بأنه العدل فى الطعام والشراب والثياب، وكأن المرأة حيوان لا يؤثر عليها إلا العدل فى الطعام والشراب والثياب، أما العاطفة فلا تعنيها.
الآية بنصها الكامل لا يمكن أن تكون رخصة حرة فى الزواج مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ لأنها مسبوقة بظرف معين ومحكومة بشرط معين، ولكن ذلك لم يكن لتحتمله الأمة العربية عند نزول القرآن، فأولت الآية بما يمكن لهذا المجتمع أن يتحمله.
وقد آن الأوان لأن نعيد للآية كرامتها وأن نحترم نصوصها لأننا فى ظل ظروف تسمح بذلك بحيث يكون الأصل هو الزواج بواحدة، ولا يكون الزواج بأخرى إلا فى حالات معينة وبعد تسوية الأمر مع الزوجة الأولى بما يرضيها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق