الخميس، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٩

الإسلام والحجاب تعارف الزوجين - حكاية الولي - تعدّد الزوجات - الطلاق

الزواج هو الطريقة التى توصلت إليها البشرية لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة بحيث تتحقق افضل النتائج. فمن ناحية فهو يقضى على حياة الوحدة التى تنمى الأنانية والأثرة وتحل محلها التعاون المشترك الذى يتطلبه وجود "الآخر" ومشاركته بحيث تكون الأمور شورى، كما تحقق مبدأ التخصص من ناحية إيكال اختصاصات معينة لكل فرد فى هذه الشركة الثنائية ارتؤى وقتئذ أنه الأفضل للقيام بها..

وأخيراً فإن هذه الشركة ستحقق الإشباع العاطفى والجنسى للزوجين، وستثمر أبناء وستتكون الأسرة وستوجد بذلك النواة التى يقوم عليها المجتمع، وتضمن بقاءه واستمراريته.

ولما كان الزواج يحقق كل هذه الأهداف فإنه اعتبر الحل الموفق، وتمسكت به البشرية منذ أن اهتدت إليه وتحدث عنه القرآن الكريم باعتباره "سكينة ورحمة" ووصف التطابق اللصيق ما بين الزوجين ]هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ[ {البقرة 187}.

ولكن هذا كله لا يتم إلا عندما يطبق هذا النظام تطبيقاً سليماً، الأمر الذى قلما يحدث بالصورة المطلوبة تماماً، فقد صاحب الزواج البشرية منذ فترة جهالتها الأولى قبل أن تتهذب الطباع. وبدأ بداية لم تكن مبشرة فأخذ شكل استيلاء الذكور على الإناث فى غارة جماعية.. أو شراء الذكور للإناث من آبائهن وتحدثت السيدة عائشة عن أربعة نظم للزواج فى الجاهلية. ثلاثة منها تخالطها شائبة من بغاء، وحتى بعد أن تطورت الأوضاع فلا تزال بقايا العهد القديم عهد الغصب، أو الشراء. تكمن فى بعض طقوس وتقاليد الزواج المعروفة من الماضى البعيد، ولا تزال الشكوى عامة من عدم توفر الأهداف المنشودة وتحقيق السعادة الزوجية لأن الزواج هو فى حقيقته المدرسة الأولى لترويض الفرد للتخلى عن أنانيته وقبوله المعاشرة المشتركة بما يعنى ذلك عن تنازل عن بعض سلطاته للآخر. وقبوله المشاركة الخ.. وعندما يظهر الأبناء يتطلب الأمر التضحية ببعض مصلحة الأب أو الأم لقاء مصلحة الأبناء، وهذه كلها دروس ليس من السهل استيعابها وقبولها والعمل بها.

ولكن هذا كله لا يتم إلا عندما يطبق هذا النظام تطبيقاً سليماً، الأمر الذى قلما يحدث بالصورة المطلوبة تماماً، فقد صاحب الزواج البشرية منذ فترة جهالتها الأولى قبل أن تتهذب الطباع. وبدأ بداية لم تكن مبشرة فأخذ شكل استيلاء الذكور على الإناث فى غارة جماعية.. أو شراء الذكور للإناث من آبائهن وتحدثت السيدة عائشة عن أربعة نظم للزواج فى الجاهلية. ثلاثة منها تخالطها شائبة من بغاء، وحتى بعد أن تطورت الأوضاع فلا تزال بقايا العهد القديم عهد الغصب، أو الشراء. تكمن فى بعض طقوس وتقاليد الزواج المعروفة من الماضى البعيد، ولا تزال الشكوى عامة من عدم توفر الأهداف المنشودة وتحقيق السعادة الزوجية لأن الزواج هو فى حقيقته المدرسة الأولى لترويض الفرد للتخلى عن أنانيته وقبوله المعاشرة المشتركة بما يعنى ذلك عن تنازل عن بعض سلطاته للآخر. وقبوله المشاركة الخ.. وعندما يظهر الأبناء يتطلب الأمر التضحية ببعض مصلحة الأب أو الأم لقاء مصلحة الأبناء، وهذه كلها دروس ليس من السهل استيعابها وقبولها والعمل بها.


تعارف الزوجين

_____________

الشرط الأول لسلامة الزواج هو أن يكون ثمرة إيجاب وقبول ويتوفر له رغبة المرشحَّين له أى الرجل والمرأة ويبدو هذا بديهيا، ولكن الحقيقة أنه قلما يتحقق عمليا وشرعيا! فالفصل بين الرجال والنساء وعدم إباحة الاختلاط تحرم المرأة من التعرف على الرجل، كما يحرم الرجل من التعرف على المرأة. ولا يملأ هذا الفراغ الكبير ما أباحه الإسلام من حق النظر إلى المرأة لأن النظر لم يعد كافياً، ولأن التقاليد أيضا تحرمه، رغم إباحة الإسلام، ولا يحل المشكلة رأى الأقارب أم الزوج أو أخته كذلك أقارب الزوجة أبوها وأخوها. أو أصدقاء الطرفين. أو الخاطبة فى تذليل عملية الزواج ..

ومن أغرب ما قرأنا فى هذا الصدد ما ذكره الدكتور عبد الحميد إسماعيل الأنصارى فى كتابه "قضايا المرأة" بين تعاليم الأسرة وتقاليد المجتمع. عندما نصح بأن يرى المرشح للزواج المرشحة له إذ سئل.

  • وهل تضمن إذا رآها أن تعجبه فيقدم على الزواج منها ؟

  • فقال: لا أضمن.

  • إذا رآها ولم تعجبه أو لم يقتنع بها أو لأى سبب آخر رفض أن يتزوجها إلا يحصل حرج للأسرة وألم نفسى وانكسار فى قلب الفتاة أو يضطر الشاب تحت ضغط الظروف النفسية والاجتماعية إلى الموافقة علما بأنه غير مقتنع بها وفى ذلك ما فيه من مشاكل بعد ذلك ؟

  • قلت: نعم.

  • فقال: ما الحل إذن ؟

  • قلت: لا توجد عندى حلول جاهزة، ولكنى أذكر ما روى عن الإمام الشافعى رضى الله عنه، أن استحسن أن تكون الرؤية (قبل الخطبة) وذلك برؤيتها خفية من غير أن تعلم، أو يعلم أهلها، حتى إذا رأى وأنتجت الرؤية إقداماً، أقدم، وإذا أنتجت الرؤية إحجاماً، أحجم، وعلل ذلك بأنه لم يكن فى ذلك إيذاء لها، ولا حرج لأسرتها.
    وأيضاً هذا ما يرشد إليه جابر – رضى الله عنه – إذا كان يختبئ لها لينظر من غير أن تعلم.

  • قال: ولكن كيف يتحقق ذلك ؟

  • قلت: إنى لا أملك حلاً جاهزاً.. ولكنى أدعو المهتمين بهذا الأمر والمسئولين وأهل الحل والعقد إلى التفكير فى إيجاد الصيغة والإطار الشرعى المناسب لتوفير فرص الاختيار والرؤية، فى إطار من القواعد الشرعية وبما تسمح به العادات والتقاليد، ومن غير أن يحدث ذلك حرجاً لأى طرف من الأطراف."[60]

وهذه القطعة من الواقع الحى تمثل الأزمة التى تمر بها عملية التعارف نتيجة لسيطرة أفكار سابقة هى التى أدت إليها محورها شكليات لا قيمة لها.

فلو كان هناك تعارف حر، لما أخذت العملية هذا الشكل الطقوسى العائلى.. ولما كان هناك خيبة أمل للفتاة، لأن هذا العريس المرشح ليس هو العريس الوحيد، ولأن عملية التجاوب عملية نفسية بحتة والعزوف فيها لا يمثل نقصاً فى المرأة. فضلاً عن أن المرأة، التى لم ترد أى إشارة إلى حقها فى القبول والرفض – قد لا تتجاوب معه..

ويمكن أن ترفض فيسبب ذلك حرجاً للطالب "ويكسر قلبه" ..

وما اقترحه المؤلف الفاضل هو ما يتفق مع أوضاع المنطقة وتقاليدها.. ولكنه يبعد عن عالم العصر الذى نعيش فيه، وكأننا لا نعيش فيه.

والحل الأمثل لضمان حسن الاختيار دون حرج أو تمثيل أو تكلف هو زمالة العمل. فالمفروض أن تعمل المرأة قبل الزواج لأن هذا العمل هو الذى سيطلعها على الحياة والمجتمع والناس والطبائع الخ.. ولأنه لا يكون لديها بيولوجيا ما يعوقها عن العمل. وفى خلال العمل أو عن طريقه ستتعرف على نماذج عديدة يمكنها أن تختار، والشىء نفسه يحدث للشاب. وعندما تتلاقى الإرادتان فإن هذا يمثل البداية السليمة.

أما إذا كانت الفتاة مخبأة "درة مكنونة" فلابد أن تتعقد العملية، ولابد أن يكون كل حل له محاذير عديدة كنا فى غنى عنها لولا تمسكنا بتقاليد ما أنزل الله من سلطان ..

وعمل المرأة هو الوسيلة السليمة، والمستقيمة للاختيار، والتى تبرأ مما يعرض للوسائل الأخرى من نقص أو تكلف أو تمثيل. لأن معرفة العمل تكشف حقيقة صاحبها وهذه الواقعة هى من أكبر المبررات التى تحتم على المرأة العمل قبل زواجها. وليس أن تكون فى حاجة إلى العمل، كما يشترط الفقهاء فالعمل هو الذى يصقل شخصية الفتاة ويزودها بالمعرفة السليمة للدوافع التى تحرك الرجال، والعوامل التى تؤثر عليهم، كما يفيدها بخبرات ومهارات عديدة وأخيراً فإنه هو الذى سيعرفها على زوج المستقبل.

ولما كانت التقاليد الملعونة تحرم أن تعمل الفتاة – بل أن تخرج – فإن هذه الوسيلة لن تكون متاحة، وسيصبح على الفتاة أن تتزوج بإحدى طرق الحظ والنصيب، أو إرادة الأهل أو علاقة النسب.. وكلها لا تحقق ضرورة التجاوب الذى يعد شرطا أوليا لنجاح الزواج.

ولنا أن نقول أن معظم أسباب فشل الزيجات يعود إلى عدم التوافق الذى يعود بدورة إلى عدم تعرف الزوجين بعضهما ببعض قبل الزواج وهو الجزاء الوفاق لتجاهل بديهية لا يتجاهلها إلا أسرى التقاليد البالية.

حكاية الولي

__________

تقنيناً لتغييب المرأة عن المجتمع، ابتدع الفقهاء فكرة الولى حتى لا تشهد الفتاة العقد الذى سيحدد مصيرها. وأجمع الفقهاء على أن هذا الولى هو الذى يتولى إجراءات العقد باسم المرأة وقال ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك". باستثناء الحنفية الذين وضعوا تحفظات عليه أما الجمهور وهم المالكية والشافعية والحنابلة فذهبوا إلى أنه لا يصح النكاح بعبارة المرأة سواء كانت أصلية أو وكيله وإنما يصح بعبارة الولى أو بتوكيله. "واستدلوا على ذلك بالكتاب والسُنة والمعقول. أما دليلهم من الكتاب فقوله تعالى ]وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ[ وقوله تعالى ]وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا[. ووجه الاستدلال أن الله تعالى أمر أولياء الأيامى بإنكاحهن فى الآية الأولى ونهاهم عن أن ينكحوا المسلمات للمشركين فى الآية الثانية، ولو كان للنساء ولاية على أنفسهن فى النكاح لخاطبهن الله بما ذكر كما هو الشأن فى سائر تصرفاتهن ولكان أولياؤهن كالأجانب فى الزواج كما يكون الحال فى البيع وسائر التصرفات الأخرى التى تقوم بها النساء وحدهن من غير حاجة إلى ولاية أحد عليهن فيها.

وأما دليلهم من السُنة فقد استدلوا بالأحاديث الآتية :

1. ما روى أن الرسول r قال "لا نكاح إلا بولى وأيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن لم يكن لها ولى فالسلطان ولى من لا ولى له".

2. ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال: قال رسول الله r "لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هى التى تزوج نفسها."[61]

وأما دليلهم من المعقول، فقد قالوا إن الزواج يراد لمقاصد لا تتحقق مع كل زوج من السكن والاستقرار وإنجاب الأولاد وتربيتهم والمحافظة عليهم وعقد هذا شأنه يتطلب دراسة واسعة وخبرة بأحوال الرجال ومعرفة من لا يصلح للحياة الزوجية ومن يصلح لها وهذا لا يتيسر للنساء الوقوف عليه وذلك لقلة خبرتهن وسرعة تأثرهن ولخداعهن فيخضعن لحكم العاطفة ولا يمتد نظرهن إلى المستقبل البعيد أما الرجال فهم الذين يستطيعون الوقوف على كل هذه الدقائق لسعة تجاربهم وممارستهم شئون الحياة فكان من المصلحة جعل هذا العقد بيد الولى دون المرأة.[62]

ولسنا فى حاجة للرد الفقهى، فقد قدمه الحنفية الذين فندوا هذه الأدلة كالآتى :

1. أمـا دليلهـم مـن الكتـاب فقولـه تعالى ]فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[. وقوله تعالى ]فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوف[. ووجه الاستدلال من هذه الآيات هو أن الشارع قد صرح بإسناد النكاح إلى المرأة والأصل فى الفعل أن يكون للفاعل الحقيقى دون توقف على أذن الولى ولا مباشرته العقد.

2. وأما دليلهم من السُنة: ففيما روى أن النبى r قال: "الأيمّ أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر فى نفسها وأذنها صماتها" وفى رواية أخرى "الثيب أحق بنفسها من وليها" ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن الأيم إن كان المراد منها المرأة التى لا زوج لها بكراً كانت أو ثيبا فالحديث يفيد بهذه الجملة إعطاء المرأة الحق فى تولى العقد والرضا به حيث جعلها أحق بذلك من الولى، وإن كان المراد من الاسم الثيب خاصة. كما جاء فى الرواية الثانية فإن الحديث يفيد بجملته الأولى صحة تولى الثيب عقد الزواج. ويفيد بجملته الثانية صحة تولى البكر أيضاً لأنها تستأمر باستئذانها وأخذ رأيها فى الزواج فإذا تولى الولى العقد قبل استئذانها كان العقد موقوفا على رضاها ولا يعقل أن يتوقف العقد على رضا شخص ثم إذا تولاه بنفسه لا يكون صحيحاً.

3. وأما دليلهم من المعقول فقد قالوا: إن المرأة البالغة العاقلة لها أن تتصرف فى مالها بكافة التصرفات المالية من بيع وإيجار ورهن وغيرها فيكون لها كذلك أن تتصرف فى نفسها بالزواج لأن الكل حق خالص لها وإذا كان إعطاء المرأة هذا الحق يترتب عليه الخوف من لحوق الضرر بالولى فقد تداركنا ذلك باشتراط الكفاءة فيمن تختاره المرأة زوجاً لها محافظة على كيان الأسرة وسمعتها."[63]

وهذا رد فقهى سائغ، على أننا لا نلتجأ إليه وإنما نلجأ إلى الأصول وطبائع الأشياء وهذه تقول إن مما لا يستقيم أن يبطل عقد إذا تولاه صاحب الشأن، ويصح إذا تولاه وكبله. وليس هناك ظلم مثل أن تغيب المرأة عن العقد الذى سيلزمها طوال الحياة ..

وإمعاناً فى الذكورية فقد ارتأى الفقهاء إن الولى هو القريب الذكر الذى لا تكون قرابته للمولى عليها بواسطة الأنثى وحدها. ويطلقون عليه "الصاحب النسبى" وترتيبه كالآتى :

أولاً: تقدم جهة البنوة على غيرها من الجهات الأخرى وهى تشمل الابن، وأبن الابن وأن نزل.

ثانيا: تقدم بعدها جهة الأبوة وهى تشمل الأب والجد من قبل الأب وأن علاً.

ثالثاً: تقدم بعدها جهة الأخوة وهى تشمل الأخوة الأشقاء والأخوة لأب وأبناءها وأن نزلوا.

رابعاً: تقدم جهة العمومة إذا لم يوجد أحد من الجهة الثالثة وهى تشمل العم الشقيق ثم العم لأب ثم ابن العم الشقيق الخ...

وأبدع الفقهاء تعبير "الولاية المتعدية" وهى قدرة الإنسان على إنشاء عقد الزواج لغيره وتسمى ولاية الإجبار ومعنى هذا أن يستبد الولى بتزويج من تكون تحت ولايته كالأب إذا قام بتزويج ابنته الصغيرة أو ابنته البكر البالغة العاقلة على رأى غير الحنفية وإن كانت غير راضية عن الزواج، وتنقسم هذه الولاية عند غير الحنفية إلى قسمين :

1. ولاية الإجبـار.

2. ولاية الاختيار.

فولاية الإجبار: هى التى يكون للولى الحق فى أن يزوج غيره بمن يختاره الولى رضى الغير بذلك أو أبى وهذه الولاية هى التى تعتبر ولاية كاملة ويقال لصاحبها (ولى مجبر).[64]

وولاية الاختيار: هى التى لا يكون للولى الحق فى أن يزوج الغير بدون رضاه ورضا الولى واشتراكهما فى الاختيار وبعد تحقق الرضا منهما يتولى الولى عقد الزواج وسميت ولاية اختيار لأن الولى لا يملك إجراء العقد إلا بعد اختيار المولى عليه ورضاه ويقال لصاحب هذه الولاية (ولى مخير).[65]

وخلاصة القول فى هذا الموضوع أنه لا خلاف بين العلماء فى إجبار البكر الصغيرة ولا خلاف بينهم فى عدم إجبار الثيب الكبيرة. أما البكر البالغة فقد قال الجمهور بجواز إجبار الأب لها على الزواج مع الكراهية وقال أبو حنيفة ومن وافقه لا يجوز إجبارها لأنها ليست صغيرة والصغر هو الموجب للإجبار وكذلك الثيب الصغيرة قال الشافعى لا تجبر وقال غيره تجبر. وسبب الخلاف بينهم هو اختلافهم فى موجب الإجبار هل هو البكارة أو الصغر فمن قال الصغر قال لا تجبر البكر البالغ ولا تجبر الثيب الصغيرة ومن قال البكارة قال تجبر البكر البالغ ولا تجبر الثيب الصغيرة ومن قال كل واحد منهما يوجب الإجبار ذا أنفرد قال تجبر البكر البالغ والثيب الغير بالغ.[66]

ولما كانت معظم الزيجات طوال الألف سنة الماضية كانت الزوجة فيها بكراً صغيرة، فإن معنى هذا أن سيف الإجبار سرى على معظم الزيجات.

وتعبير "ولى" ينم عن أن المرأة حتى وأن كانت بالغة، مثقفة تخرجت من الجامعة وتشغل مناصب مسئولة. فهى بمعنى ما قاصر أو منعدمة – أو محدودة – الأهلية، وهى فكرة القانون الرومانى عن المرأة سواء كان وجود هذا التعبير فى الفقه الإسلامى من توارد الفكر ما بين الفقيه الإسلامى والمشرع الرومانى عن المرأة، أو أنه تسلل بطريقة ما من القانون الرومانى إلى الفقه الإسلامى.

وقد أعتبر السيد رشيد رضا فى كتابه "الخلافة" من منكرات مصطفى كمال أنه تزوج بفتاة حضرت مجلس العقد بنفسها وسألها القاضى "هل ترضين بهذا الرجل زوجاً" فردت بالإيجاب.

ولا نزال نلمس حتى الآن حالات عديدة جداً لتحكم الأباء فى أبنائهم والأمهات فى بناتهم عند الزواج وإصرارهم على إرادتهم وأن هذا يحدث عند عامة الشعب وخاصته، وفى حالات عديدة تحدث أزمات مستحكمة عندما يصر الشاب أو الفتاة على اختيارها أو اختياره دون رضا الأبوين أو إحداهما.. وكل الصحف التى تعالج قضية الأسرة تروى العديد من الحالات التى يصل الأمر فيها إلى المأساة. وليس هذا فى الحقيقة إلا امتداد للماضى القديم الذى كان الأب يتحكم فى أبنائه إلى حد الموت والحياة ..

فى نظرنا أن فكرة الولى، وتغييب المرأة عن حضور عقد زواجها والاكتفاء فى الإعراب عن رضاها بصمتها، لم تعد تتفق مع أصول الإسلام للأسباب الآتية :

أولاً: أن الإسلام يسوى ما بين المرأة والرجل فى الحقوق بصفة عامة، وأنه يفترض الرضا فى العقود وأن الإجبار أو الإغفال يفسد العقود.

ثانيا: أن الرسول أمضى زواجاً دون ولى، ودون شهود ودون مهر فقد "روى أن رجلاً وامرأة جاءاً إلى رسول الله ليتزوجا فقال للرجل أترضى أن أزوجك فلانة قال نعم، وقال للزوجة أترضين أن أزوجك فلانا قالت نعم فتزوجا " رواه البخارى.

ثالثا: أن الحديثين اللذين يوردانهما عن الولى فيهما ما ينم عن الوضع من ناحية التشديد المبالغ فيه، وإحالة الأمر إلى السلطان فى الأول وتلقيب من تتولى الزواج بنفسها بالزانية وبعيد أن يصدر ذلك من الرسول.

وذهب الفقهاء إلى أن عقد الزواج لا ينعقد إلا بلفظ موضوع لتمليك العين. ونجد فى تحفة الفقهاء – وهو أحد مراجع الحنفية أن الزواج لا ينعقد "عند أصحابنا إلا بلفظ موضوع للتمليك[67] ثم اختلف المشايخ فقال عامتهم لا ينعقد إلا بلفظ موضوع لتمليك الأعيان كالبيع والهبة ولا ينعقد بلفظ موضوع لتمليك المنافع كالإجارة والإعارة."

ويورد الفقهاء ألفاظاً لإمضاء العقد كأنما انبعثت من القانون الرومانى القديم للزواج بالشراء مثل "بعت نفسى منك بكذا" و"بعت ابنتى منك بكذا"[68] أو "اشتريتك بكذا" فلا ينقص هنا إلا الوزان والميزان ليـكون العقد رومانيا!!

ورأى الفقهاء أن مبرر النفقة هو الاحتباس فإذا حال ما يمنع هذا الاحتباس سقطت النفقة، حتى لو كان ذلك بسبب مرض الزوجة خاصة إذا كانت فى بيت أبيها لأن ذلك يحول دون الاحتباس حقيقة وحكماً فإذا كانت فى بيت زوجها فعلى الزوج أن يعطيها نفقتها "ولها أن تصرفها فى العلاج ولا يجب على الزوج أن يدفع لها أجرة الطبيب وثمن الدواء لأن هذا أمر يتعلق بالبدن نفسه، وقد قال الفقهاء إن علاج الزوجة ليس من النفقة وهو خارج عنها فلا يلزم الزوج به.[69]

تعدّد الزوجات

____________

قضية تعدد الزوجات من أكثر القضايا إثارة للجدل فى الفكر الإسلامى عن المرأة فإذا أردنا القول الفصل فعليا أن نرجع إلى القرآن الكريم..

فماذا قال القرآن الكريم ...

فلنقرأ الآيات الأولى من سورة النساء التى تضمنت هذا التعدد :

  • ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحـــــــَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًــــــا[(1)

  • ]وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا[(2)

وكما هو واضح فالآية الأولى تذكر وحدة الجنس البشرى من رجال ونساء وتوصى بتقوى الله والأرحام وتنهى الآية الثانية عن أكل أموال اليتامى.

ثم تأتى الآية الثالثة :

  • ]وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ[(3)

يلفت النظر ولا شك الطريقة التى ساق بها القرآن إباحة التعدد، فلم يأت أمر بالتعدد بطريقة مباشرة، أو كأصل، أو حق مطلق للرجال وإنما أحال إلى حالة معينة هى خوف عدم القسط فى اليتامى، وبناء على هذا العامل صدرت إباحة التعدد، وأن تضمنت الآية تحفظا على هذا الحق هو أنه ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ[. ولو أنه أراد التعدد بادى ذى بدء، وكحق غير مقيد للرجل لجاء بصياغة أخرى. وقد لفت النظر إلى أن التعدد ليس خيراً لأنه أدنى إلى عدم العدل، والجملة الأخيرة "ذلك أدنى ألا تعولوا" جعلت ترك التعدد للخوف من عدم العدل هو الواجب وبهذا المعنى يمكن أن نفهم الآية أنها نقد للتعدد، وليس أمراً، أو إباحة له.

مما لا يكاد يصدق أن لا يفهم المسلمون من الآية إلا كلمات "مثنى وثلاث ورباع."

أين اليتامى اللائى يخاف الحيف عليهن عند الزواج بهن والذى كان مبرر الزواج مثنى وثلاث ورباع ؟؟

أين الخوف من عدم العدل الذى يوجب الاقتصار على واحدة، هذا العدل الذى قال عنه القرآن فى آية أخرى )وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ[ {النساء 129} ..

إن مقارنة نصوص الآيات الثلاث الأولى من سورة النساء، بالممارسة الشائعة دون أى اعتبار لمبررها الأصلى ومع عدم الاعتداد بشرط العدل لعدم وجود أى ضمانه له يوضح أن المجتمع العربى فرض رأيه الخاص على النصوص وجعله تعلة للتعدد.

عجز المفسرون جميعاً عن التوصل إلى أعماق الآيات الثلاثة من سورة النساء، لأن معظمهم أعتمد على جملتين أو ثلاثة للسيدة عائشة لا توضح تماماً المضمون وتعتقد أن خير من فهم هذه الآيات وفسرها هو الشيخ محمد المدنى وهو من علماء الأزهر المعاصرين الذين عرف عنهم التمحيص والإبداع. وقد قدم لتفسيره هذه الآيات يعرض صور استضعاف العرب لليتامى والنساء والصور العديدة لهضم حقوقهم من الاستحواز على أموالهم أو عضل النساء أى يحول بينها وبين الزواج ثم قال: "وقد جاء الإسلام بإبطال ذلك كله، وجعل لليتامى حقوقاً، وارتفع بهم عن أن يكونوا فى المجتمع محلاً للاستضعاف فى صورة من الصور، فلما أصبح هناك روح عام متغلغل فى المجتمع الإسلامى. ذلك هو الخوف من مخالطة اليتامى لئلاً يصيبهم الوعيد بالعذاب، فجاء الإسلام بالرخصة فى ذلك فأباح لهم أن يخلطوا أموالهم بأموال اليتامى ما داموا لا يبتغون إلا الإصلاح، وعرفهم بأن اليتامى ما هم إلا إخوانهم والأخ مساو لأخيه، ويجب أن يكون بينهما كل مظاهر التعاون بين الأخوة. فانتهت بذلك مشكلة الخلط حيث استجازوه بعد أن كانوا يتحرجون منه، وبرزت مشكلة أخرى هى: كيف يمكن أن يقوموا لليتامى بالقسط فى كل شىء.

ولذا كان الرجل ربما تحرج من ولاية شئون اليتامى، وقد يكون مضطراً فى سبيل رعايتهم إلى أن يداخلهم، وفيهم فتيات، أو يرى أمهاتهم الأيامى وهو يدخل عليهم ويخرج. وذلك فيه من الحرج ما فيه، حيث لا تؤمن الدواعى النفسية من رجل يدخل على أى من النساء وعلى بناتهن. وله الحق بحكم وصايته أن يراهن ويتحدث إليهن ويجلس معهن، فإذا أراد أن يبتعد عن ذلك، وأن يصد عن نفسه عوامل الفتنة بالابتعاد، أو بتقليل الزيارة والتعرف، فإنه سيكون مقصراً غير قائم لليتامى بالقسط على الوجه الذى أمر الله به، وعلى الوجه الذى يقضى إصلاح أموالهم ومعرفة مشاكلهم، وإصلاح أنفسهم بالمعروف.

فالأوصياء أذن كانوا بين نارين من هذين الواجبين: واجب القيام بالقسط لليتامى على وجهه الصحيح – وهو يقتضى ملابستهم ومداخلتهم والجلوس إليهم وفيهم من هى صالحه للزواج وبينهم – فى كثير من الأحيان – أمهم نفسها، تلك الأم التى مات عنها زوجها ولعل فيها بقية من شباب وصلاحية للزواج – ومن واجب آخر هو واجب الاعتصام والابتعاد عن الفتنة، والمؤمن لا ينبغى أن يضع نفسه وضعا يكون فيه فاتنا أو مفتونا، فما السبيل إلى الخلوص من هذا المأزق أنه هو ألا تقوموا فيهم – وأقول فيهم لأنى أفهم أن الضمير لليتامى عامة ذكوراً وإناثاً – فإن خفتم ألا تقوموا فى شأنهم بالقسط تحرجاً من مداخلتهم ومجالستهم فى بيوتهم التى لا تخلو من يتيمات أو أيامى، فالمخلص من ذلك هو (تعدد الزوجات) أنه هو الذى يوجد فيه الحل لهذا الأشكال، فقد أباح الله للرجل فى مثل هذا الظرف أن يكون له أكثر من واحدة، إذا أمن الجور، فليدخل الأوصياء من هذا الباب، ومن كان منهم متزوجاً بواحدة، فلا بأس عليه أن يضم إليها ما طاب له من النساء، فليتزوج إحدى يتيماته، أو يتزوج الأم نفسها، وبذلك يصبح دخول هذا البيت دخولاً مأمون العاقبة، فيجمع بذلك بين رعاية مصلحة اليتامى على الوجه المطلوب وبين وقاية نفسه، ووقاية غيره. من عوامل السوء والفتنة.

ثم يخلص من هذا ..

1. أن تعدد الزوجات إنما شرع لمثل هذه الغاية الشريفة التى هى الرغبة فى القيام لليتامى بالقسط، وتحقيقاً لأمر الله، ورعاية لمصلحة اليتامى أنفسهم وأنه ليس مشروعاً لمجرد إرضاء النفس، وتحقيق الرغبة فى النساء.

2. وأنه بهذا التفسير ليس غريباً عن موضوع اليتامى ولا دخيلاً فى أحكامهم فإنه ذكر حلاً لمشكلة من مشكلاتهم فى المجتمع، حين تقضى المصلحة بأن يقوم عليهم وصى بالقسط، وتقضى الآداب الإسلامية بأن يتحرج الرجل من الالتقاء بمن هن أجنبيات عنه.

3. وأنه يمكن القياس على هذا الغرض، بأنه يباح التعدد إذا دعاً داع إليه، وأن يقيد التعدد إذا لم يكن له داع يشبه ما ذكره القرآن الكريم من (إقامة القسط فى شأن اليتامى).

4. وأن هذا كله مشروط – مع توخى الغاية الشريفة – بأن يأمن الزوج عدم الجور، فإذا خاف الجور، وجب عليه ألا يعدد."[70]

فمن الواضح أن سياق القرآن للتعدد إنما كان بصدد حالة خاصة وبشروط خاصة. ولكن المسلمين رأوا فيه إقراراً لما كانوا عليه من تعدد ..

وقد قرأنا كل ما يعرضه الفقهاء من مبررات تحمل الزوج على أن يتزوج امرأة أخرى وربما ثالثة ورابعة ولفت نظرنا ..

أولا: أن هذه المبررات رغم وجاهة بعضها إلا أنها عمليا ليست هى المبرر الأول للتعدد. إن المبرر الأول هو إرادة الزوج ورغبته فى الاستمتاع والتغيير ولما كان يؤمن أن التعدد من حقه، فليس هناك حرج على أن يمارس هذا الحق. وكل من ينكر عليه هذا يكون ظالماً له. خاصة وأنه رجل "مقتدر" يستطيع أن ينفق على ثلاث زوجات، وأنه سيلحظ العدل فى الأنفاق. فيحقق بذلك تحفظ الآية وإشتراطها، حتى وإن كان هو نفسه الذى سيحكم بذلك. بمعنى أن يكون شاهداً، وقاضيا فى الوقت نفسه. وقد تكون زوجته أجمل من التى يتزوجها وأكثر إخلاصاً وثقافة.. وهذه لا قيمة لها عنده، لأن ماله قيمه هو إرادته ومزاجه وميله وحب التغيير والتذوق وأن كل امرأة لها طعمها الخاص الخ ...

وقد يؤكد هذا نجاح مسلسل "الحاج متولى" الذى عرض فى التليفزيون المصرى خلال رمضان 1422هـ وما قابله من تحبيذ من الجمهور والحاج متولى له أربع زوجات خصص لكل زوجة شقة فى إحدى عماراته. وجاء هذا التعدد دون سبب من مرض أو غيره من الأسباب التى يعرضونها، ولكن للاستمتاع والرآسة والوجاهة الاجتماعية والمكاسب التى يجنيها من وراء كل زوجة.

هذا هو السبب الأكبر الذى يدفع الرجال للتعدد وهو بعيد كل البعد عن الأسباب التى يذكرها الفقهاء لتبرير التعدد.

ثانيا: لاحظنا أيضاً أن الفقهاء فى سردهم لأسباب التعدد ينطلقون من منطلق الزوج دونما ملاحظة للطرف الآخر، أو كأنما ليس هناك طرف آخر وهذا لاستغراق فكرهم فى منطلق ذكورى خالص. وكان يجب عليهم أن يعرفوا إن إضافة زوجة أخرى يؤثر أثراً بالغاً على الزوجة الأولى ويكاد يهدم حياتها. ولا يعزيها أو يفقدها الحسرة والمرارة أن يعدل فى أكل وشرب ولبس.. فإنما تقدر المرأة عاطفة زوجها نحوها قبل أى شئ آخر. ومن الخطأ البالغ الظن أن التعدد لا يؤدى إلى جفوة بين الزوجات. بل إلى حرب، ويكفى فحسب تعبير "ضرة" وإذا حدث غير ذلك فهو الاستثناء الذى لا يعتد به. والزوج عندما يتزوج بأخرى فإنه بخل بأصول التعاقد الذى جمعه بزوجته الأولى. ولا يؤثر فى هذا ما يعرضونه من أسباب كعدم إنجاب الزوجة، فمن الواضح أن هذا ليس ذنبها وإنما هى إرادة الله وقد قال الله تعالى ]لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا[ {الشورى 4849}. فالأمر فيه إلى الله، وقد يكون السبب أن الزوجة لا تنجب إلا بنات وهو يريد ولداً، ويقال هنا ما قلناه عن العقم، فهى مسئولية مشتركة بين الزوجين، فضلاً عما فيها من الشنشنة الذكورية التى تعلى الذكر على الأنثى وليس هناك تفاضل بجنس، ولكن بالعمل والتقوى. وما أكثر ما اتهم الرجال النساء ورموهن بالعقم في حين أنهم كانوا المسئولين ولا تزال تهمه العقم تلصق بالمرأة قبل الرجل بينما يثبت العلم الحديث عكس ذلك وحتى إذا كانت المرأة هي المسئولة فمن الواضح أن هذا أمر ليس فى يدها، ولا تملك له شيئاً ويجب علي الرجل أن ينصاع لما قدر له ولا يسمح لنفسه بأن يستحوذ عليه فكر ذاتى أنانى مثل.. من سيرث ماله.. من سيحمل اسمه أفلم يعلم هذا المخلوق أنه لو تبرع بماله لوجوه الخير كان خيراً من أن يخص به ابنه وانه لو عمل مشروعاً خيرياً يحمل اسمه لكان أفضل من أن يحمله فرد فهذا هو أقوى ما يعرضون من أسباب وهو كما رأينا ليس إلا إعلاءً للعاطفة الذاتية الأنانية علي العاطفة الخيرية الغيرية.

وقد يقول قائل.. لماذا أذن سمح القرآن بالتعدد ...

والرد أنه لما نزل القرآن الكريم كان تعدد الزوجات فاشيا على العرب، فكان هناك من عنده عشر زوجات أو ثمان أو سبع الخ... ولم تكن هناك ضمانات أو قيود. فنزلت هذه الآية محددة العدد بأربعة، مرتكزة على سبب استثنائى ومما لا يوجد دائماً وأبداً ومشترطة العدل وإلا واحدة. فسماح القرآن بالتعدد كان فى حقيقته وبالنسبة للبيئة التى نزل فيها نوعاً من التقييد فى العدد وفى الطبيعة.

ويعلم القرآن الكريم مع هذا أن العرب سيجدون فى هذه الآيات وسيلتهم للتعدد وسيخلصون من السبب الاستثنائى الذى برره التعدد والذى جعل تعبير "فأنكحوا" بمعنى "فلكم أن تنكحوا.. وأنهم أخيراً سيخلصون من اشتراط العدل بأنه العدل فى النفقة دون الحب مستندين فى هذا إلى حديث نبوى.[71]

يعلم القرآن هذا لأن ظروف المجتمع العربى وقتئذ كانت تفرض ذلك.

ولكن القرآن الكريم يعلم أن ستتغير هذه الظروف وستتغير أوضاع المرأة وعندئذ سيظهر من المسلمين دعاة يذكرون الناس بأن اشتراط اليتامى اللاتى يكن فى جحورهم انتفى، ومن ثم فلا مبرر للتعدد، وأن وعودهم فى العدل لا يمكن أن تنهض اليوم لتغيير الأحوال. ولأن الأزواج وهم طرف فى القضية هم الذين يقضون فيها، وهو أمر لابد أن يثير الشك وأخيراً فإن عدم وجود العدل العاطفى يحول دون أن يكون الزواج ما أراده القرآن مودة وسكنا ورحمه. أى إنه يقضى على الصفة التى وصف بها القرآن الزواج الإسلامى.

وأنى لأرى بكل إخلاص، ومن منطلق إسلامى يعطى الأولوية لمقاصد الشريعة العليا، وقيمها السامية، أنه لم يعد مبرر لإبقاء باب التعدد مفتوحاً على إطلاقه لأنه يسئ إساءة بالغة إلى ما ينبغى أن يقوم عليه الزواج من مودة ورحمة وسكينة..، أو على الأقل يصبح هذا التعدد استثناء لا يتم إلا فى ظروف خاصة وبشروط عديدة جداً منها رضاء الزوجة الأولى، وأن لا يتم إلا بحكم محكمة الخ ...

وقد يلحظ هنا حالات أو ظواهر تفرض نفسها على المبدأ العام كزيادة العنوسة ويرى بعض النساء أن الزواج مع التعدد أفضل أو أن تظهر من المشاكل ما يوجب "زواج المسيار" لأن القضية لها بعدها الاجتماعى المتصل بظروف المجتمع. وفى هذه الحالات فإن العنصر الذى يجب الإصرار عليه هو رغبة المرأة. فإذا رغبت فيه فلا إشكال.

ولدينا شاهداً يمكن الارتكاز عليه فى تحريم التعدد. ذلك هو رفض الرسول أن يتزوج علي بن أبي طالب زوجة أخرى بجانب فاطمة وقال الرسول بصدد ذلك إنه لا يحل حراما، ولا يحرم حلالاً. فدل بهذا على أن التعدد ليس حلالا مطلقاً بحيث يطبق علي كل النساء وفى كل الأجيال ..

وقد رأى بعض الناس أن التعدد هو الأصل بدليل أن كل الصحابة تقريباً كان لهم أكثر من زوجة. ولكن هذا كان حكم المجتمع العربى وقتئذ وليس تطبيقا لأوامر الإسلام. فقد كان التعدد – كما ذكرنا – فاشيا بين العرب عندما جاء الإسلام وكان الصحابة كبقية العرب يعددون زوجاتهم.. فضلاً عن أن التعدد فى المجتمع القبلي له مزايا معينة من تحقيق "العصبية" و"العزوة" وأن يكون الرجل "أباً لعشرة وخالا لعشرة، وعما لعشرة" وهى مزايا تنتفى فى غير المجتمع القبلى. بل تصبح عبئاً ثقيلاً.

ولما كانت مبررات التعدد انبعثت من منطلق رجالى خالص فقد استبدت الدهشة بالكتاب الإسلاميين من المرأة الغربية التى تقبل تعدد الخليلات ولا تقبل تعدد الزوجات، ولو أنهم تخلو عن منطقهم الرجالى لرأوا أن تعدد الزوجات لا يجعل للمرأة الأوربية سوى نصف، أو ربع رجل فى حين أن تعدد الخليلات يجعل للمرأة مثل ما يجعل للرجل، فإذا كان للرجل ثلاث عشيقات، فإن هذا معناه أن للمرأة ثلاثـة عشاق لأن عشيقات الـزوج هـن زوجات الآخـرين كما أن عشاق زوجتـه هـم من أزواج الآخـريات.

ارتضت المرأة الغربية ذلك لأنه – على الأقل – يحقق عدالة، وإن كانت عدالة شاذة ومسكوت عنها.[72]

وعندما اعترفت الأميرة ديانا زوجة ولي عهد بريطانيا البرنس شارلس على الملا.. وإن كان في خجل، أنها خانت زوجها فإن هذا الاعتراف كان من أكبر أسباب تعاطف المجتمع البريطاني معها وحبه لها، لأنها بهذا الاعتراف طمأنت الأخريات. اللآتى قد تكون ظروفهن أقسى من ظروف الأميرة الجميلة. أنها فعلت ما فعلن كما كان ذلك داعيا لأن يتقبل الرجال الوضع وعدم إثارة البلبلة و "دع القلوب تقر" ..

وهذه التجاوزات هى الثمن الذى لابد من دفعه لحرية دون دين على أنه يجب أن يلحظ أنه فى هذا المجتمع الغربى الذى يسمح بتعدد العشيقات فإن الأزواج – والزوجات مع تقدم السن واستقرار الحياة، وضعف الأغراء الجنسى، فإنهم يملن لاستقرار الحياة الجنسية، ولاعتبار العلاقات السابقة مجرد مغامرات ونزوات من طيش الشباب بالنسبة للزوج والزوجة تطوى مع الزمن فيستقر نظام الزواج بواحدة وتنتفى محظوراته فى حين أن تعدد الزوجات يبقى مع الزمن، والزهد فى إحدى الزوجات لمضى الزمن وتقدم العمر يعنى الطلاق لامرأة قد تكون فى الخمسين ومثل هذا الطلاق يدمر حياتها.

هذه الأبعاد للمقارنة ما بين تعدد الزوجات وتعدد العشيقات يجب أن تكون نصب أعين الذين يدرسون القضية – لتكون الصورة كاملة.

على كل حال، نحن نسلم بأن الزواج بواحدة، وإذا أضيف إليه تحريم الطلاق فإن ذلك لا يجعل من منفذ أمام الطبيعة البشرية الضعيفة أو بعض الضرورات – إلا الحب خارج فراش الزوجية، ويحدث أن تمر هذه العلاقات، وتكون مجرد نزوات للزوج والزوجة كما يمكن أن تحطم حياة الزوجة فتلقى مصير مدام بوفارى وآنّـا كارنينا.[73]

وهو بلاء كبير بلا شك، ولكن يجب أيضاً أن لا ننسى ما يجره تعدد الزوجات من شقاء، وأكاد أقول هدم لفكرة الزواج – كما يجب أن يكون.. ومن المماحكة القول بغير ذلك، والذين عاشوا العشرينات والثلاثينات من القرن الماضى عندما كان تعدد الزوجات موجوداً بنسبة كبيرة.. لمسوا وعاشوا ويلاته وعذاباته وإفساده للحياة الأسرية وتأليب الأبناء بعضهم على بعض.

من أجل هذا فنحن نرى أن يكون الزواج بواحدة ويستبعد التعدد إلا فى حالات معينة ومحصورة، وبعد الحصول على الرضا الاختيارى والحقيقى للزوجة (وللمحكمة أن تتثبت منه) ونرى أن هذا الحكم لا يتعارض مطلقاً مع نص الشارع الذى أجاز التعدد أول مرة لتحقيق القسط فى اليتامى وبشرط العدل وأن القرآن نفسه أدخر لمثل هذا الزمان تفاعل آية )فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ(. بآية )وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ(.

الطلاق

______

مع أن الحياة الزوجية يراد لها الديمومة، وأن هذا بالفعل هو ما يحدث فى معظم الحالات، إلا أن التعميم والإطلاق فى هذا الموضوع لا يتفق مع الطبيعة البشرية، وتغيير الظروف والاحتمالات المفتوحة والمتغيرات الطارئة الخ… مما يجعل الطلاق صماماً يحول دون الانفجار أو أن يكون الزواج جحيما، ويجعل الطلاق نوعاً من الإفراج عندما يتحول الزواج إلى سجن.

فليس هناك جدال فى حكمة إباحة الطلاق حتى بالنسبة للزوجة التى ترى فيه عادة شبحاً مخيفاً، وعندما تمسكت الكنيسة المسيحية بعدم إباحة الطلاق، فإن الأوربيين تحيلوا الطرق للطلاق أمام السلطات المدنية.. وإن كان النظام الذى يقضى على الزوج بدفع نصف ممتلكاته لزوجته المطلقة يخالف العدالة تماماً، لأنها لم تشترك فى اكتسابه، ولأنها عندما تطلق اليوم يمكن أن تتزوج بعده مرة أخرى، وقد يكون زواجها الثانى أسعد من الأول. كما أن المبدأ قد يوحى بتعسفات الزوجة وابتزازها، كما يعد تحريضاً للزوج على إقامة علاقات خارج فراش الزوجية. فالأفضل فى مثل هذه الحالات أن تعالج كل حالة على حدة. أمام المحكمة التى تحكم بالعدل إذا لم يتراضيا.

النقطة الهامة التى نريد أن نصل إليها هى أن فكرة الفقهاء عن أن الطلاق حق للرجل ممارسته متى شاء لا تتفق فيما نرى مع العدالة التى هى روح الإسلام. وإذا كان هناك نصوص قرآنية توحى بأن عقدة الطلاق بيد الرجل، فهناك نصوص قرآنية أيضا تنسب الطلاق للزوجين وتعطى المرأة هذا الحق وليس من العدالة فى شئ أن يكون عقد الزواج بإيجاب وقبول وبحضور شهود، ثم يعطى للزوج وحده سلطة التحلل من هذا العقد بإرادته الخاصة. والمفروض أن لا يتم التحلل من هذا العقد إلا بالصورة التى تم بها، أعنى بقبول الزوجة وحضور شهود، وبعد حدوث الترضية اللازمة التى تتناسب مع ما يحدثه الطلاق على أوضاع الزوجة ..

أما ايمان الطلاق فلا تساوى شيئاً ولا يمكن التحلل من الميثاق الغليظ بكلمة يطلقها الرجل ساعة غضبه.. أو يجعلها أداة لتحقيق مطالبه الخ... ولو ظل مثل هذا الرجل يحلف بالطلاق من الصباح إلى المساء لما كان لهذا اللغو أثر عملى على زواجه، ولا يكون الطلاق إلا بمجلس تحضره الزوجة والزوج والشهود وتتم فيه تسوية الطلاق بالاتفاق فإذا تعسر الاتفاق فيرجع الأمر إلى المحكمة.

وينطبق هذا على زواج الرجعة ...

وما جاء فى كتب الفقه من أحكام إنما أملاها فهم الفقهاء لبعض النصوص فى ضوء عصرهم – ولكنا نقول دائماً أن النصوص أعضاء فى جسم حى لا تفهم حق الفهم إلا بفهم آلية عمل الجسم كله، فكما أن الله تعالى خلق الجسم الإنسانى بالهيئة التى تحافظ على الحياة البدينة ويقوم كل عضو بدوره لضمان كمال واستمرار الحياة، فإن الدين إنما أنزله الله تعالى للحفاظ على صحة النفس للفرد والسلام فى المجتمع. وكل نص يقوم بدوره فى هذا السبيل. ويجب أن نفهم النصوص فى ضوء الرسالة الأصلية للإسلام. وكل فهم لا يحقق هذا فإنه حتى وإن تمسك بظاهر النص – يسىء الفهم، لأن المعانى تتسيد على الألفاظ، ولأن المقاصد تغلب الوسائل، ولأن الأديان التى أنزلت للناس كافة فى الماضى، والحاضر، والمستقبل أيضاً، لابد وأن تلحظ التطورات والمتغيرات، ويتم التوصل إلى ذلك بإعمال العلة والحكمة فى التشريع. والفقيه الرشيد لا يأتى بشىء من عنده، ولا يفرض رأيه، ولا يطوع النصوص ولكنه يستحضر الحكمة من النص وتوافرها أو عدم توافرها وهذا الموقف هو الذى وقفه عمر بن الخطاب عندما لم يطبق نصوصاً انتفت الحكمة أو العلة منها. فهو لم يفتات عليها بشىء خارج منها، وإنما أعمل شيئاً فى صميمها.

وليس أدل على سلامة هذا المنهج أن القرآن الكريم اعتبر الحكمة قرينة الكتاب فهى أصل من أصول الإسلام كالكتاب. وفى هذا دليل على أنه لا يمكن أن يختلف النص عن العقل لأن القرآن والحكمة صنوان. فليس على المفكر الإسلامى من حرج فى استلهام الحكمة وإعمال ما تقضى به لأن هذا من صميم الإسلام ومما نص عليه القرآن بل إنه يكون آثما إذا لم يفعل هذا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق