الخميس، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٩

الإسلام والحجاب مساواة مع إيقـاف التنفيذ

فى ربيع الأول 1418 (أغسطس 1995) نشر لفيف من العلماء والكتاب والفقهاء[74] رسالة لمناسبة انعقاد المؤتمر العالمى الرابع للمرأة فى بكين بعنوان "رسالة إلى نساء العالم" استهلت بفقرات مسهبة شيئا ما عن المساواة ما بين النساء والرجال فى الإسلام جاء فيها :

« لقد سوّى – الإسلام أيتها الأخوات – بين الرجل والمرأة مساواة حقيقية.

سوّى بينهما قبل كل شىء فى الخطاب القرآنى فجعله موجها إلى الرجل والمرأة جميعا فى قوله: )يا أيها الناس( و)يا أيها الذين آمنوا( و)يا بنى آدم(.

وسوّى بينهما فى أصل الخلقة فقرر أن الله قد خلق الناس )مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً( {النساء 1}.. )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى( {الحجرات 13} ..

وسوّى بينهما فى المسئولية عما كان منهما فى مرحلة الخلق الأول: )فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَـرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُـونَا مِنْ الْخَالِدِيـن َ(20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ(21) فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ(22) قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ( {الأعراف 20-23} ..

وسوّى بينهما نتيجة لذلك مساواة كاملة، فقال r "الناس سواسية كأسنان المشط" وقال "إنما النساء شقائق الرجال."

وسوّى بينهما فى المسئولية الإنسانية فقرر أنه ]مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً[{النحل 97}. وأنه ]مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ[ {غافر 40} ..

وسوّى بينهما فى مسئولية الالتـزام بالدستور الإلهى وأوامر الدين: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ {الأحزاب 36} ..

وسوّى بينهما فى ثواب الله عز وجل: ]الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[ {الأحزاب 35} ..

وسوّى بينهما فى المسؤولية عن صلاح المجتمع: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ[ {التوبة 71} ..

وسوّى بينهما فى المسئولية عن عمارة هذه الأرض واستدامة العمران فيها: ]أَنشَأَكُمْ مِنْ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[. يعد أن ذكرهما بتمكينه إياهما فى الأرض وتوفير مصـادر الـرزق والعيـش فيهـا: ]وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ[ {الأعراف 10} ..

وسوّى بينهما فى حق التملك لما اكتسبوه بعمل قاموا به أو بأى شكل مشروع آخر: ]لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ[ {النساء 32}..

وسوّى بينهما فى الأحقية بالإرث من الوالدين والأقربين: ]لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا[ {النساء 7}.. ولو أنه تحقيقا للعدالة الحقة جعل مقدار ما يرث كل منهما متناسبا مع ما هو ملزم شرعا بإنفاقه.

وسوّى بينهما فى حق ممارسة العمل المهنى، فكان من النساء على زمن النبى r من تعمل فى الزراعة، ومن تعمل فى الرعى ومن تعمل فى الحياكة والنسيج، ومن تعمل فى الصناعات المنزلية، ومن تعمل فى إدارة عمل حرفى، ومن تعالج المرضى وتداوى الجرحى وتعمل فى التمريض …

وسوّى بينهما فى الحفاظ على السمعة والمكانة الاجتماعيـة وعـدم تعرضهـا إلى أى همز أو لمز أو سخريـة أو غيبة: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ[ {الحجرات 11} ..

وسوّى بينهما فى المسئولية القانونية والجنائية فجعل العقوبات تطبق عليهما على حد سواء، وجعل التعويض عما يصيبهما يطبق عليهما على حد سواء.

وسوّى بينهما فى اختيار كل من الزوجين لزوجه، واتخاذ قرار الزواج، فلا زواج إذا لم توافق المرأة، ولا زواج إذا لم يوافق الرجل.

وسوّى بينهما فى المسئولية عن البيت، فالرجل راع فى بيته، والمرأة راعية فيه، فقد كان رسول الله r "يرقع ثيابه، ويخصف نعله، ويكون فى مهنة أهله". وهما فى البيت الكريم الذى تظلله السكينة والمودة والرحمة، يأتمران بمعروف، ويقرران شئون البيت عن تراض منهما وتشاور.

وسوّى بينهما فى حرمة تعويض أولادهما لما يهدد حياتهما، فقرر أنه "قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم" بل شدد النبى r "إن الله قد حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات".

وسوّى بينهما فى حضور العبادات والاحتفالات ومجامع الخير ..

وما هذه إلا أمثلة على المساواة التى قررها الإسلام، ثم حققها بالفعل فى تطبيق الرسول عليه الصلاة والسلام.» انتهى.

f

وهذا كلام سائغ سليم …

ولكن الغريب أن هناك من يرى أن الإسلام يرفض المساواة ما بين الرجال والنساء ومن عجب أن يأتى هذا الرفض من نقدة الشريعة ومن سدنة الشريعة فى وقت واحد.

أما نقدة الشريعة فيقولون أن للمرأة النصف فى الميراث والشهادة، وعلى الربع من الرجل فى الزواج وان الشريعة حرمتها حقوق كثيرة يتمتع بها الرجال وحدهم.

واما سدنة الشريعة فانهم يقولون "عدم المساواة بين الرجل والمرأة أصل فى الإسلام، لأن الرجل فى الحقيقة هو الأصل الذى خلقت منه المرأة، ويشهد لذلك قوله تعالى ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً[. فالمراد بالنفس الواحدة، نفس آدم، ومن نفس آدم خلقت حواء، وذلك قولة تعالى ]وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا[ ويؤكد ذلك قوله r "المرأة خلقت من ضلع أعوج وأن أعوج الضلع أعلاه فتمتع به على اعوجاجه" ولما كان الرجل هو الأصل فى خلق المرأة. والمرأة فرع من هذا الأصل. والأصل عدم المساواة بين الأصل والفرع، لزم بذلك عدم المساواة بين الرجل والمرأة، وكان هو الأصل.

ويستطردون …

يؤكد ما قلنا به من أن عدم المساواة بين الرجل والمرأة هو الأصل قوله تعالى ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[. حيث جعل الله الرئاسة للرجل على المرأة، والأصل عدم المساواة بين الرئيس والمرؤوس، وذلك تكون عدم المساواة بين المرأة والرجل هى الأصل – وكذلك قوله تعالى ]بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْـضٍ[. فقد فضل الله الرجل على المرأة. والأصل عدم المساواة بين الفاضل والمفضول، فيكون بذلك عدم المساواة بين الرجل والمرأة أصلا.

يؤكد ما ذهبنا إليه من أن عدم المساواة بين الرجل والمرأة هو الأصل المشاهدة، فأنت تشاهد ذكور الحيوانات والطيور تسيطر على إناثها، وتمتاز عليها فى أوجه كثيرة مختلفة. ولكن قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم. فالمرأة مهما تطورت، فلا يمكن مساواتها بالرجل، لأنها بينها وبين نفسها، تشعر بأن هناك شيئا ينقصها عن الرجل، وذلك بحكم الفطرة التى فطرها الله عليها.

والاستدلال على المساواة بالمسئولية الفردية أمام الله تعالى استدلال غير ناهض، لأنه قياس مع الفارق، فالمسئولية الفردية أمام الله لا يلزم منها المساواة فى الحقوق والواجبات، وهل إذا حقق القاضى مع رئيس ومرؤوسه لزم من ذلك مساواة المرؤوس لرئيسه فى الحقوق والواجبات؟ فإذا كان الأمر كذلك للزم مساواة الأنبياء والرسل لغيرهم من الأفراد فى الحقوق والواجبات لان المسئولية الفردية تقع عليهم أيضا يوم القيامة. وهذا لا يعقل بحال. ثم أن درجة المسئولية فى درجة المسئول عنه فمسئولية المرأة الفردية يوم القيامة تختلف عن مسئولية الرجل يوم القيامة، فمسئولية الرجل بقدر ما عليه من حقوق وواجبات، فمسئولية المرأة أقل من مسئولية الرجل، فهى ليست مخاطبة بالصلاة والصوم أيام الحيض والنفاس، وكذلك غير مخاطبة بالجهاد، إلا إذا تعين وكذلك الأذن والإقامة الخ... وهذا بخلاف مسئولية الرجل التى منها حقوق المرأة وأمر رعايتها. فكيف يمكن أن يتساوى المسئول مع المسئول عنه، وأين هذه المساواة فى المسئولية الفردية أمام الله ؟

ومن هنا يتضح لنا جليا، بأن عدم المساواة أصل فى الإسلام، وأن القول بأن المساواة هى الأصل فى الإسلام، قول ردى ممعن فى الرداءة العقلية، حيث لا يسنده عقل أو نقل، وبهذا يكون ما شرعه الإسلام من حقوق للمرأة هو الحق الكامل العادل الذى يناسب فطرتها ويساير نظام الكون والفطرة، وصدق الله العظيم حيث يقول: ]أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[.[75]

وأورد فضيلة الشيخ محمد نجيب المطيعى وهو العالم السلفى الكبير 26 مجالا فضلت الشريعة فيها الرجل على المرأة وختمها بقوله "ومن احب أن يعرف المرأة من الرجل من طريق قريب فليقرأ قوله r فيما رواه الترمذى "لو كنت أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" فهل تساوى المرأة رجلا لو جاز السجود لغير الله لجعلته كإلاله المعبود وسجدت له.[76]

والحقيقة أن الذين يذهبون إلى عدم المساواة يبنون ذلك على أساس من طبيعة المرأة وإنها بحكم جنسها اقل من الرجل. وأن هذه الطبيعة لا تجعلها صالحة ليست فحسب للمناصب المسئولة، بل أيضا لأى وظائف أخرى وان دورها الطبيعى هو ما يتعلق بالجنس من علاقة جنسية بالزوج وما يعقبها من حمل وولادة ورضاعة وتربية لا تنتهى منها بالنسبة للطفل، إلا لتبدأ مرة أخرى مع طفل أخر خاصة وقد استقر فى أذهان المسلمين أن يزدادوا عددا حتى يباهى بهم الرسول الأمم.

واستشهد الشيخ نجيب المطيعى بالرأى الذى يذهب إلى أن المرأة "بطبيعتها لكى تنجح فى حياتها لابد وان تكون مرحلة متوسطة بين الطفولة والرجولة أو هى (جرانتانفا) (Grand enfant) طفل كبير لاجل أن تستطع تحمل الطفل وهو يناغى فتنزل إلى مستواه وتحاكيه وتتنزل فى مخارج حروفها وتعبيرها إلى أقل مستوى وتصبر على لعب الطفل وعبثه وعشوائيته دون ملل منها. وهكذا هى مع زوجها زوجة حنون عطوف رقيقة المشاعر مرهفة الحس، وهى مع الطفل قريبة منه وهكذا يحصل التكيف والانسجام بين الحياة الزوجية وحياة الأمومة.[77]

f

صحيح أن "رسالة إلى نساء العالم" التى استشهدنا بها فى مستهل الفصل كانت من اليقظة والكياسة بحيث إنها ميزت بين "المساواة والتماثل والتطابق" وأشارت إشارات عامة إلى الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة وما تقتضيه من أوضاع، كما إنها انتقدت بقوة الكثير مما جاء فى وثيقة مؤتمر بكين.

الحقيقة أن القران ساوى بالفعل بين النساء و الرجال وجعلهم جميعا "أولياء بعض" و"بعضهم من بعض" وأوكل إلى المؤمنين والمؤمنات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو أقصى ما يتصور من نشاط عام. وان الشريعة لم تشذ عن المساواة إلا فى مجالين ميزت الرجل فيهما عن المرأة هما مجال الشهادة والميراث وقدمت مبررات وجيه أدت إلى هذه التفرقة لا تعارض المساواة، ولكنها ترتفق عليها بضرورات خاصة. لا تمس الأصل وإنما تمس هذين الجانبين فحسب. والشهادة مقصورة فى القران على الدَّين ولم يمدها القران الكريم إلى غير هذا المجال، ولكن الفقهاء مدوها. وهذا ما يمثل اجتهادهم ولكنه لا يمثل بالضرورة حكم الإسلام. كما لوحظ فى الميراث أن النظام الإسلامى يوجب على الرجل رعاية المرأة سواء كانت بنتا، أو أختا، أو زوجة، وان هذا لوحظ فى الميراث، على أن المرأة يمكن أن تأخذ فى الميراث أضعاف ما يأخذ الرجل ولما كان هناك من يكتبون عن هذه القضية ويشغبون على الشريعة دون علم، فان من المهم أن نوضح الموقف بشى من التحديد. فان الحالات التى يكون معها الذكر ضعف الأنثى لا تتجاوز الحالات الآتية :

1. أن يترك الميت أولاداً ذكوراً وإناثاً.

2. أن يترك إخوة أشقاء أو من الأب.

3. أن يترك الزوج زوجة، فان لها ربع ما ترك أن لم يكن له ولد، أو تترك الزوجة زوجا فيأخذ الزوج النصف إن لم يكن لها ولد.

وما عدا هذه الحالات فان المرأة تكون مساوية للرجل أو زائدة عليه. فلو أن رجلا ترك مالا وله أختا لام وزوجة وعشرون من الاخوة والأشقاء فيكون للزوجة الربع وتأخذ الأخت الثلث ويكون الباقى وهو 5/12 نصيب الاخوة العشرين. أو يمكن أن تكون القسمة كآلاتى: 60 سهما للزوجة. و80 سهما لأخت الأم و100 سهم للعشرين أخ بواقع خمسة اسهم فى حين أن أخته لامة أخذت ثمانين سهما أى ستة أضعاف أحد الذكور.

[وقد يسـوى الإسـلام فى الميـراث بين الذكـر والأنثـى إذا اقتضـت الحكمـة ذلك كما فى أولاد الأم].[78]

وعلى كل حال فلو ظهر أن العلة التى من أجلها سُنَ الشرع حكمه قد انتفت فان الحكم ينتفى أيضا لان العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً لان كلام الله مبنى على حكم وعلل وغايات ومقاصد وليست ألفاظاً سحرية تتلى لتحقيق المطلوب بمجرد تلاوتها.

f

من المؤسف أن كل صور المساواة التى أوردتها رسالة إلى نساء العالم. قد عطلتها أحكام الفقهاء وبوجه خاص إيجاب النقاب وتحريم الاختلاط.

فإن هذين حالاً عملياً دون أى مساواة أو مساهمة فعالة فى عمل المجتمع، لأننا قضينا على المرأة بالبقاء فى البيت لا تخرج إلا متنقبة ولا تعمل حيث يكون هناك رجال.

ولدينا دليل عملى على ذلك تضمنه مسلك "طالبان" بالنسبة للمرأة. فحكومة طالبان تمثل السلفية أصدق تمثيل وقد طبقوا ما رأوه من أحاديث مثبتة فى كتب الأحاديث وأحكام فقهيه قررها أئمة الفقه ..

وماذا كان هذا التطبيق ؟

إغلاق مدارس البنات – تحريم العمل كائنا ما كان على المرأة، حتى التمريض فى المستشفيات. فرض النقاب الكثيف على المرأة عندما تضطر للخروج.

وقد كانت طالبان أمينة مع نفسها وجريئة فى عملها ومطيعة لما قرأته من أحاديث ضعيفة أو موضوعة، ولكن الفقه الإسلامى أعتمدها وأصدر أحكامه بناءً عليها، وقد سبقتها بعض الدول التى طبقت الشريعة كالسعودية، وإن لم تمض إلى ما وصلت إليها. فقد فرضت النقاب الكثيف الذى جعل المرأة غرابا أسود يخيف الأطفال. وخصصت لهن مدارس وأعمال لا تطأها قدم رجل.

ورفضت بإصرار أن تسمح للمرأة بان تقود سيارتها وعندما جرؤت بضعة عشرات منهن على ذلك، ألقى القبض عليهن ونبذتهن مطبوعات الهيئات الإسلامية بالفواجر – رغم أن قيادتهن للسيارة سيحول دون أن تتحقق الخلوة المحظورة عندما يقود سيارتهن رجل غريب. ولا يكون بها إلا صاحبتها وفى نظرى أن الذى جعل السلطات السعودية تقف هذا الموقف المتشدد هو إنها لا تريد للمرأة أن تمسك بعجلة قيادة . إنها تريدها مقوده، عليها قوام أو ولى أو محرم الخ... لأن إمساك المرأة بعجلة القيادة سيوحى إليها بأنها سيدة قرارها وهذا ما لا يسمح به الوعى السلفى الذى يجعل على المرأة "وليا".

وهذه اللفتة تجعلنا نقول إن ما أوجد تلك الشقة الواسعة بين آيات القران التى حررت المرأة وحققت لها المساواة. وما بين الواقع الذى فرضه الفقهاء ونسخت به ما قرره القرآن إنما هو الفهم السلفى السائد عن عجز المرأة وقصورها وغلبة العاطفة عليها وإنها بالتالى لا تؤمن على تولى المسئوليات الجسام. وهذا الفهم هو ما كان سائداً لدى أرسطو ولدى الرومان وأوردنا فى الفصل الثالث ما يثبته، ولكن التطور الاجتماعى للشعوب الأوربية حررها من هذا الفهم لعدد كبير من العوامل التى لم تتح للمجتمعات الشرقية. مثل التطور الصناعى، والدور الباز للفنون. ثم ظهور الفكرة الإنسانية التى كان لابد وان ننسحب على المرأة بحيث تظهر أخيرا المرأة الإنسان بجانب المرأة الأنثى. وهذه التطورات لم تظهر فى المجتمع الشرقى، فظل هذا الفهم عند الحدود التى كان عليها أرسطو، وقدماء الرومان. ووئدت محاولة القران الكريم وممارسة الرسول r لتحرير المرأة مع ظهور المُلك العضوض، وذهب هدراً ما كان يقول الرسول عن كرامة المؤمن التى تفضل كرامة الكعبة، وما كان يقوله عمر من أن حياة فرد مؤمن أفضل من فتح مدينة على مذبح المُلك العضوض والسلطة المفسدة فوئدت محاولة الإسلام إنقاذ المرأة من الفهم الجاهلى الذى طبقه العالم القديم فى وقت مبكر ثم ظهرت تطورات دعمت هذا الفهم السقيم الخاطئ وعمقته فى الأذهان بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، وبسيادة الاستبداد فلم تظهر المرأة الإنسان، بل لم يظهر الرجل الإنسان، ولا تزال حتى الآن صورة "الإنسان" حتى للرجل مهزوزة ضعيفة تتداولها كالكرة الأحكام العسكرية والقبلية وتحول دون توطيدها، فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للرجل، فإن وضع المرأة لابد وأن يكون على ما هو عليه ولابد أن توجد الفكرة المتصلبة عن دونية المرأة وعجزها الخ... مدعمة بنصوص الله أعلم بها وموطدة بكتابات وأفكار لمدة ألف عام، فضلا عن سد باب التفكير (سد باب الاجتهاد) الذى جعل البقية الوهنانة – إن كان هناك بقية – للعقل المسلم صدئة ...

فهذا هو – أيها السادة – الذى جعل الآيات القرآنية التى أوردتموها مساواة مع إيقاف التنفيذ.

كان الإسلام عندما منح المرأة ما منحها من حق فى الميراث يقوم بثورة تشريعية تحقيقا للعدالة. فان كانت المرأة فى اليوم – وهى الطرف المعنى – ترى أن التطور تجاوز الأوضاع القديمة وان تطبيقها يوقع ظلما عليها فليس ما يمنع من أن يقوم الإسلام اليوم بما قام به بالأمس تحقيقا للعدالة – لأنه حيثما يكون العدل فثم شرع الله" وليس فى هذا افتيات على النص لأن من المفهوم بداهة أن الله تعالى عندما قال: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ[. فإنه لا يريد اليوم ما أراده بالأمس، بعد أن فقدت الخيل ميزتها الحربية، وأنه وإن كان قد نص على توزيع للغنائم فإنه لا يفرض التمسك به بعد أن تغيرت الظروف تغييراً تاماً.. وما من أحد يشك فى هذا، فلماذا يتردد إذا كانت ظروف المرأة الحديثة قد اختلفت عن ظروف المرأة من قبل بحيث يقتضى العدل مساواة فى الميراث أو فى الشهادة؟ إن كل ما يتعلق بعالم العلاقات يخضع للعدل ولما يوجبه تغيير الظروف. وقد ذكرنا من قبل موقف عمر بن الخطاب عندما تغيرت الظروف عما كانت عليه عند نزول النص القرآنى فى بعض القضايا. والقرآن الكريم نفسه يوجهنا ]وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا[ {الفرقان 73}.

f

لقد أوردنا ما يمكن أن يكون إيضاحا لنقطتى الميراث والشهادة وعدم المساواة ما بين النساء والرجال فيهما، وبقى أن نرد على أفضلية الرجال على النساء التى تضمنتها الآية القرآنية ]وللرجال عليهن درجة[. ويجب أن نذكر أن هذه الجملة مسبوقة بجملة ]ولهن مثل الذى عليهن[. وأن هذا الكلام نزل منذ 1400 عام. ولا يخالجنى شك فى أن الآية لو ترجمت إلى نساء أوربا وأمريكا لصفقن للقران وهتفن له. لأنه بعد أن قرر المساواة فى الحقوق والواجبات أعطى الرجال "درجة" واحدة.. ما هى هذه الدرجة؟ القرآن الكريم لم يحددها حتى يمكن أن تنطبق على الحالات العديدة الطارئة، فيمكن للمرأة الأوربية أن تقول إنها أن تحمل المرأة اسم زوجها مثلا والمرأة الأمريكية التى نالت أقصى درجة من الحقوق تعلم تماما أن بينها وبين المساواة التامة للرجال بونا كبيرا وأنه لو كان الأمر "درجة" لهانت ولكنها درجات فى مستوى الأجور، وفى شغل الوظائف الرئيسية، وفى تولى الرياسات الدولية الخ... والجيش والبوليس بل حتى فى الفنون والأداب، وما كان منها لصيقا بالمرأة كالأزياء، والطهى والديكور المنزلى فمعظم هذه المهن نسبة الرآسات فيها للرجال أكثر مما هى للنساء.

بقيت نقطة أخيرة هى السماح بضرب الزوجة عند النشوز بعد فشل كل وسائل التصالح، أو الهجر، فلو أردنا أن نبحث عن حلول لوجدنا أن الرجل لا يمكن أن يحكم على زوجته بغرامة مالية مثلا، ولا يمكن أن يهجر بيت الزوجية تأديبا لها، لان هذا قد يربكه ويسبب له متاعب. وأخيراً ليس إلا الطلاق. أمام هذه البدائل. سمح القرآن الكريم بالضرب غير المبرح كوسيلة سيئة، ولكنها قد تكون ضرورية فى بعض الحالات، أو لبعض النساء، أو من بعض الرجال الذين لا يملكون أعصابهم، وضرب الأزواج للزوجات أمر موجود، وحالاته عديدة ومشاهده فى الروايات السينمائية مألوفة، بل إن هناك جمعيات للزوجات المضروبات فى عدد من الدول الأوربية، وهو لا يقف عند الضرب بالسواك.[79] ولكنه يشمل الصفع والركل الخ...[80] ونحن نقول إنه ما من شخص مهذب يسمح لنفسه بضرب زوجته، والرسول لم يضرب أبداً زوجة أو خادمة. ولكن الإسلام نزل لكل الناس رفيعهم ووضيعهم وهو يلحظ أن الطبيعة البشرية ليست ملائكية، ولها ضعفها، وعليه أن يتعامل معها لا بالتجاهل، ولا بما يخالفها، ولكن بما يهبط بسوءاتها إلى الحد الأدنى ثم يفتح المجال للقضاء على هذا الحد الأدنى عندما تتهيا الظروف والأوضاع، خاصة وأن الرسول نهى عن ضرب الزوجات وندد بالذين يفعلون ذلك.

أن من الممكن فى حالة ضرب النساء، وحالة تعدد الزوجات أن ُنعمل السُنة التى حرمت ضرب الزوجات، وحرمت – بالنسبة لفاطمة – تعدد الزوجات دون أن يعنى هذا نسخ القران، لأن النص القرآنى يظل مطلوبا وقد تكون له حاجة على قاعدة "لكل ساقطة لاقطة" ودون أن يعنى هذا إعطاء للسُنة ما ليس لها من التشريع، لأننا أوضحنا فى مناسبات سابقة أن من سلطة الرسول التخفيف والرحمة بنـص الآيـات .. ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[ وأنه ]عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيـمٌ[. و]لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ[ ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق