الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٠٩

الإسلام ليس حجاباً ولا لحية! بقلم جمال البنا

المرأة التى تعتقد أن الإسلام هو الحجاب، والرجل الذى يرى أن الإسلام هو اللحية، هذان يظلمان الإسلام ويظلمان نفسيهما، ويدلان على قدر كبير من السذاجة.

الإسلام إيمان وعمل: إيمان بالقيم، أى الصدق والإخلاص فى العمل والمعرفة، والإنفاق والتضحية، والعمل لتطبيق هذه القيم.

جاء رجل إلى الرسول فقال له: أوصنى، فقال «لاتغضب»، وجاءه آخر فقال «لاتكذب»، وعاهد أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً، فكان الواحد منهم يسقط منه سوطه وهو على ناقته فينزل ليأخذه ولا يسأل أحداً، لأنه عاهد الرسول على ألا يسأل الناس شىئاً.
الحجاب كان مطبقاً منذ ألفى عام فى فارس والهند وبيزنطة، وكانت اليهودية أشد الأديان تمسكاً بالحجاب.

تربية اللحية كانت سائدة طوال العصور القديمة، ولحية ماركس وإنجلز وداروين تماثل اللحى التى نشاهدها فى القنوات الفضائية.
كل نساء العالم وكل رجاله كانوا يغطون رؤوسهم حماية لها من التراب والريح والمطر، إنها قضية زى ومناخ وليست قضية دين وتقوى.
قال قائل: بماذا تفسر شيوع الحجاب للمرأة، واللحية للرجل فى هذا العصر، وبالذات فى هذه الفترة؟

قلت: لأننا نعيش فى عصر الشكليات والسطحيات والمستويات المتدنية، والجهد الأقل، الرجل الذى يدعى الإسلام يربى لحية، وكذلك المرأة تضع الحجاب، فهذا سهل هين لم يكلفهما جهداً ولا تعباً، ولا يلزمهما خلقاً، ولا إنفاقاً ولا تضحية، وفى الوقت نفسه يكسب لهما التميز الذى يطلبانه.
قال: والروايات والأحاديث؟

قلت: ليس فى القرآن نص صريح يتعلق بالزى سوى الآية التى تقول: «وليضربن بخمورهن على جيوبهن»، فهذا نص على تغطية فتحة الصدر، وعندما قال بخمورهن فإنه إنما كان يشير إلى الزى الذى تلبسه العربية فى الجاهلية، أى أن الإسلام لم يأت به أو يأمر به، ولكن وجده، بقية الآيات كلها تعبيرات عامة مثل «يدنين عليهن من جلابيبهن» أو «لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها»، فكلها عامة تخضع للفهم الذى يسود فى بلد ما، فى وقت ما، لأن الإسلام نزل لكل الناس، ولكل العهود،
ويستحيل أن يلزمهم بتفاصيل صغيرة، فيمكن للبعض أن يفهم من «يدنين عليهن من جلابيبهن» أن لا تكون «مينى جيب»، ولكن طويلة، وفى «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها» أى لا يبدين إلا مواضع الزينة، وليس ما وراءها، فهذا كله لا يمكن أن يرفض لأن النص قابل للتأويل.

ولم ترد كلمة حجاب فى القرآن إلا بالنسبة لنساء الرسول اللائى قال عنهم القرآن: «يا نساء النبى لستن كأحد من النساء» ووضع لهن خصائص ليست لغيرهن، والحجاب هنا كان بمعنى ستارة أو باب يحجب من هو داخل الحجرة، وليس بمعنى زى يلبس.

أما الأحاديث فلك أن تطمئن تماماً دون أن تكون مختاناً لنفسك إن معظمها موضوع أو ضعيف وأن الباقى يساء «فهمه»، ولولا أننا نكتب مقالاً ولا نؤلف كتاباً لشرحنا هذا على وجه التفصيل.
إذن؟

إذن كلام الوزير فاروق حسنى صواب ولم يمس شيئاً من ثوابت الدين.
وأنا والله أتحسر على حالنا.
فمنذ عهد محمد على ظهر رفاعة الطهطاوى إمام بعثة الأنجال الذى أرسل إلى فرنسا ليكون إماماً لهم، وظهر أنه أنبغهم.

كتب رفاعة الطهطاوى كتابه الشهير «تخليص الإبريز فى تلخيص باريس» تحدث عن المرأة الفرنسية وهو الشيخ الصعيدى برقة وإعجاب، ورأى أن وجود المرأة فى المجلس يضفى عليه أنساً وبهجة، وأنها هى التى تحيى الضيوف بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن زوجها، وامتدح التمثيل، بل رأى أن الرقص الأوروبى (المخاصرة) نوع من الرياضة، وأنه يختلف عن رقص «الغوازى».
كان هذا منذ مائتى سنة.

ومنذ مائة سنة ظهر قاسم أمين ودعا إلى تحرير المرأة فى كتابه الذى ظهر سنة ١٨٨٩، ودافع عن حقها فى الثقافة والعمل، وقيل إن محمد عبده كتب الجزء الشرعى منه، فإذا كنا بعد هذه العهود لا نزال نتعادى حول قضية الحجاب، فكلام الوزير فاروق حسنى صحيح فى أنها «ردة».

وقد عشنا شبابنا فى أربعينيات القرن الماضى، وما كانت تضع الحجاب إلا المسنات من النساء، وحتى هن ما كن يغطين شعورهن، وكان الفستان الحشمة هو «تحت الركبة بشبر»، وتقبل المجتمع «الجابونيز» وإن لم يرحب به، ولم تقم حركة دينية إلا بالنسبة لمايوه النساء فى المصايف التى قادها الشيخ محمود أبوالعيون.

وكان الإسلام وقتئذ أقوى من الإسلام اليوم ولم يطلق على الإخوان المسلمين «المحظورة»، بل بلغت الأوج فى هذه الفترة.

وبعد كل هذا فالزى أمر شخصى يعود إلى صاحبه بالدرجة الأولى، ولا يجوز لأحد أن يفرضه، ولا ترى الأديان من حقها إلا أن تأمر بالحشمة والبعد عن الخلاعة والتهتك والتبرج.

فيا حضرات الدعاة المتحمسين ارفقوا بأنفسكم واعلموا أن الله تعالى قال: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، ولم يقل «ألحاكم»، أى أطولكم لحية.
واسمحوا لى أن أدلكم على ما هو أفضل من الحجاب واللحية.
تعلمون أن الحكومة واقعة فى إشكال مع شركات النظافة التى تعاقدت بالملايين لجمع القمامة.

وتعلمون أن هناك حديثاً يجعل رفع الأذى من الطريق من الإيمان.
ماذا لو تطوعتم بتطبيق هذا الحديث الشريف فتؤدوا عملاً أمر به الرسول، وتخلصوا الدولة من إحدى مشاكلها، وتوفروا لها الملايين؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق