الاثنين، ١٧ أغسطس ٢٠٠٩

الإمام البخارى ليس ملاكاً (٢ ــ ٣)

واصل إيراد الأحاديث التى استبعدها كتاب «تجريد البخارى ومسلم من الأحاديث التى لا تـُلزم».

بعد الغيب يذكر الكتاب الإسرائيليات لأنه يرى أنها قريبة من الغيب وعالم الخرافة، كما يتضح من هذا الحديث «بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت: لم أخلق لهذا خلقت للحراثة قال: آمنت به أنا وأبوبكر وعمر، وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعى،

فقال الذئب: من لها يوم السبع يوم لا راعى لها غيرى، قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر»، قال أبوسلمة «وما هما يومئذ فى القوم» حديث رقم [٢٠٨٨].

وكذلك «إنما سمى الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز من خلفه خضراء» حديث رقم [٣٠٤٤].

وكذلك ما جاء عن أن نبيًا من أنبياء بنى إسرائيل غزا مدينة قريبًا من صلاة العصر «فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه» حديث رقم [٢٧٩٠]، وهذا الحديث تكرر.

وكذلك «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها» حديث رقم [٢٩٧٧] وتكرر برقم [٣٠٤١].

وتبلغ الأحاديث المستبعدة الخاصة بالإسرائيليات ٣٧ حديثاً.

وبالنسبة للقرآن فإن البخارى تضمن أحاديث عديدة بعضها عن تفسير القرآن، وبعضها عن أسباب النزول وبعضها عن النسخ.. الخ.

ولعل أبرز ظاهرة فيها أنها تخصيص لعموم ما جاء به القرآن، ومثل هذا التخصيص مرفوض، فلو أراد القرآن تخصيصًا لخصص، وهذا التخصيص يُعد حجرًا على القرآن وتضييقاً من سعته، ثم هو مرفوض لأن دور الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ هو «البيان»، والتخصيص غير البيان، وكذلك تحديد أسباب نزول آيات، ودعوى النسخ،

فهذه كلها لا تدخل فى باب البيان الذى هو الشرح لإيضاح معانى الآيات، ولا يدخل فى هذا إضافة أى جديد أو انتقاص المعانى..، والحق أن الذى يفسر مقصود القرآن هو السياق القرآنى نفسه دون أى إضافة عليه أو انتقاص منه.

كما أن البيان يمكن أن يكون بالتطبيق العملى، وهذا بالطبع أقوى دلالة، وأصدق وقوعًا، وعن هذا السبيل «بين» الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ الصلاة والزكاة، والحج وهذا هو فى الحقيقة السُـنة.

فإذا قيل إن القرآن أمر بطاعة الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وتحكيمه فهذا كله يدخل فى إطار ما جاء به القرآن، والرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ نفسه يؤكد هذا ويقول «إنى لا أحرم ما أحل الله ولا أحلل ما حرمه الله»، و«الحلال ما أحله القرآن والحرام ما حرمه القرآن وبينهما عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن ربك لم يكن منسيًا»،

وما أورده الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ فى هذا الباب إما أنه يكون رحمة بالمؤمنين كالمسح على الخفين أو قياسًا على ما قرره القرآن كتحريم زواج المرأة على عمتها أو خالتها، ولكن ــ صلى الله عليه وسلم ــ لا يأتى أبدًا بشىء جديد عن القرآن، فالشارع هو الله وحده.

ومن الواضح على كل حال أن مستوى السُـنة أقل من مستوى القرآن، لأن القرآن وحده هو قطعى الثبوت، أما السُـنة فليست كذلك (ولا المتواتر منها الذى يقولون إنه مثل القرآن)، ومن الطبيعى أن لا يحكم المستوى الأدنى على المستوى الأعلى، ولا ما رواه أبوهريرة على ما نزل به جبريل.

واستعراض ما جاء من أحاديث عن تفسير القــرآن (٢٤ حديثاً)، وأســباب النزول (٦١ حديثاً)، والنسخ (١١ حديثاً) تظهر تمامًا أنها تنزل بالمستوى القرآنى، وسنقدم أدلة محدودة لأن المجال لا يسمح بعرض هذا العدد الكبير من الأحاديث.

مثلاً:

الحديث «ما من بنى آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان غير مريم وابنها» ثم يقول أبوهريرة ـ رضى الله عنه ـ «وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم»، حديث رقم [٣٠٧١].

والحديث رقم [٢٨٨٨] «لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قال: رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء» وتكرر برقم [٤٢١٥].

وحديث المسلم إذا سئل فى القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ»، علمًا بأن الآية تقول صراحة «فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ»، وليس عند الوفاة، حديث رقم [٤٠٧٧].

والحديث «الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ»، قال: كان ناس من الجـن يعبدون، فأسلموا، حديث رقم [٤٠٨٨].

والحديث رقم [٤١٦١] عن أبى ذر قال: سألت النبى ـ صلى الله عليه وسلم ــ عن قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا، قال: (مستقرها تحت العرش)، تكرر هذا الحديث برقم [٦٦٨٥].

عن عبد الله بن عمر أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ». حتى يغيب أحدهم فى رشحه إلى أنصاف أذنيه، حديث رقم [٤٢٩٥].

وعن أسباب نزول سورة الضحى أن امرأة من قريش قالت عن النبى أبطأ عليه شيطانه فنزلت: «وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى»، حديث رقم [١٠١٤] وتكرر برقم [٤٣١٠، ٤٣١١، ٤٣٤١].

وعن عكرمة عن ابن عباس قال كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» حديث رقم [١٣٧٧].

أن رجلا أقام سلعة وهو فى السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت: «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً» حديث رقم [١٨٨٦] وتكرر برقم [٢٩٥٢].

وفى تفسير آية: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» أن النبى - صلى الله عليه وسلم ــ ركب حمارًا فانطلق المسلمون يمشون معه وهى أرض سبخة قاصدين عبد الله بن أبى فلما أتاه النبى ـ صلي الله عليه وسلم ـ

قال: إليك عنى والله لقد آذانى نتن حمارك فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أطيب ريحًا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدى والنعال، حديث رقم [٢٤٢١]

وهذه الآية التى جعلناها فى كتيب لنا أساسًا لمحكمة عدل دولية تتوفر فيها المقومات المطلوبة، يعود بها المفسرون إلى نتن حمار.

وفى بعض الحالات، فإن الرغبة فى إيجاد تفسير توجد ما يخالف الحقيقة، كما جاء فى تفسير «وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» فيروون أنه لما نزلت «وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ»، قال أصحابه: وأينا لم يظلم ؟

فنزلت: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»، ولكن الحقيقة هى أنهم لما قالوا وأينا لم يظلم قال لهم الرسول ليس الأمر كذلك وأحالهم على الآية: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»، أى أنها كانت موجودة ولم تنزل لذلك خاصة والنص عن «وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» جاء فى الأنعام آية ٨٢، وأما آية «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»، فهى فى آية ١٣ من سورة لقمان.

وفى تفسير «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا» أنها نزلت ورسول الله مختف بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله فقال الله تعالى لنبيه «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ» فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ولا تخافت بها عن أصحابك حتى لا يسمعوك واتبع بين ذلك سبيلاً، حديث رقم [٤٠٩٥] وتكرر برقم [٦٧١٣ و ٦٧٤٨ و ٦٧٦٩ ].

نقول، الآية تضع مبدأ أصوليًا فى القراءة المثلى بصرف النظر عن المشركين، والصناعة واضحة فى التفسير.

وفى تفسير «فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِين»ٍ إلى قوله «عَائِدُونَ» قال ابن عباس إن الرسول دعا على قريش (اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف) فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان.. إلخ

وهذا ما يخالف التاريخ فالثابت أن دعاء الرسول على أعدائه كان دائمًا (اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون)، كما لا يحدثنا التاريخ عن مجاعة حدثت لقريش وإنما يحدثنا أن قريش حبست المسلمين فى شِعب أبى طالب وقاطعتهم حتى كان بعض الناس يرسلون الزاد سرًا للمسلمين المحاصرين.

وذهبوا إلى أن آية «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا» منسوخة نسختها آية «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى» الآية، وأن التى نسختها هى «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ».

وتحت مناقب ابن مسعود جاء تأكيد أن الرسول أقرأ ابن مسعود «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * والذَّكَرَ وَالأُنْثَى» حديث رقم [٣٣٤٦]، وهو ما يعنى حدوث تحريف فى القرآن، وتكرر هذا الحديث بأرقام [ ٤٣٠٣، ٣٣٣١، ٤٣٠٢ ].

وقالوا إن الآية: «وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ» نسختها الآية التى بعدها والآية التى بعدها هى أن «كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» وليس فى الآية ما يصلح نسخًا للتى سبقتها، حديث رقم [٣٩٤٨].

0 التعليقات:

إرسال تعليق