الخميس، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٩

عن أي حجاب تتكلمون ؟؟ ثانيا: الحجاب أيام الرسول ثالثا: الحجاب السلفى = النقاب


إذا كانت الآيات التى جاءت فى سورة الأحزاب وفى سورة النور والتى تضمنت "أية الحجاب" كما يقولون لا تفرض زيا معيناً.. وبوجه خاص "النقاب" ولا تفرض على نساء المؤمنين ما فرضته على نساء الرسول من القرار فى البيوت. فإن النقطة التى تحتاج إلى تحقق هى ماذا كان عليه حال النساء بالفعل أيام الرسول فى زيهن، وفى اختلاطهن بالرجال ...

لابد أن نقول إن الإسلام يلتزم بالاحتشام وينهى عن التبرج. فهذا أصل عام ودائم وهو ما ينتظر من كل الأديان.

وكانت المرأة الجاهلية لا تعنى بهذه القضية بوجه خاص، وقد أمرهن الإسلام بتغطية الجيوب لأنهن كن يرخين الخمار على ظهورهن فتظهر فتحة الصدر حتى جذور أثدائهن. ودل هذا على أن المرأة الجاهلية كانت تسير مكشوفة الوجه (واليدين بالطبع) مبديه فتحة الصدر.

وكان هذا ما تمليه طبيعة البادية، شأن المرأة العربية فى هذا كالفلاحة المصرية التى تكشف عن وجهها وتطرح خمارها أو "طرحتها" على ظهرها، ولكنها متأثرة بالتوجيه الإسلامى تجعل ثوبها ساتراً لفتحة الصدر.

وهذا لا يمنع من أن بعض القبائل متأثرة بأطراف حدود شبة الجزيرة العربية فى الشام والعراق – كانت تأخذ بالنقاب الذى كان مطبقاً فى هذه النواحى.

ولم يكن العامل المؤثر على حياة ووضع المرأة الجاهلية هو الزى، ولكن أن المجتمع الجاهلي الذى كان يقوم على الغارات والنهب والذى كانت تسليته الخمر والقمار استبعد المرأة من هذا المجتمع ولم يكن لها دور فيه. ونحن لا نقرأ عن دور المرأة فى مجتمعات اللهو أو الندوة أو حرب البسوس أو حرب داحس والغبراء أو غيرها من الغارات المتبادلة ما بين القبائل ...

بل يمكن القول إن هذا الوضع كان له أثر سلبي، وكان فى أصل تعميق عاطفة الغيرة والحرص على العرض، لأن هذه الغارات والحروب كانت تعرض المرأة للسبى ويكون من حق الغالب الاستحواذ عليها واغتصابها وكانت تلك هى سبة الدهر عند العربي الجاهلي وهى التى حملته على الوأد حتى لا تتعرض الابنة للسبى عندما تكبر. وهى التى جعلتهم يرون أن "القبر" هو الستر الحقيقي للمرأة، كما قال شاعرهم ...

إني وأن سيق إلى المهر

ألفُ وعبدان وَذودِ[38] عشر

أحب أصهاري إليَّ القبر !

وقال الآخر :

لكل أبي بيت يُرَجَّى بقاؤها

ثلاثة أصهار إذا ذُكَر الصهر

فبيت يغطيها، وبعل يصونها

وقبر يواريها، وخيرهم القبر!

فالمرأة الجاهلية لم يكن مضيق عليها فى قضية الزى والاختلاط والعلاقات الجنسية التى وصلت إلى تعدد الأزواج، ولكنها كانت مجردة من الحقوق فليس لها دور فى مجتمع يقوم على الغارات آونة، وعلى مجالس الخمر والقمار آونة أخرى. والذى تحكم فى موضوع المرأة هو العاطفة العقيمة التى بدأت خشية السبى وتحولت إلى حرص على "العرض" وغيره اختلطت بمزيج من حمية الجاهلية والشرف المزعوم، ومع استقرار الأوضاع بعد الرسالة النبوية وبوجه خاص، عند ظهور المدن الإسلامية والبيوت الخ... كان النقاب وتحريم الاختلاط هو ما يحقق هذه الغيرة، وهذه العاطفة التى تقوم على العرض وتمزج بالشرف.

ولم يكن هذا بالطبع هو رأي الإسلام، لأن الخط الرئيسي للإسلام يقوم على العدالة والمساواة بين الجنسين فى الحقوق والواجبات – مع ملاحظة الحشمة وضبط العلاقات الجنسية. من هنا جاءت كل النصوص التى تنهى عن التبرج والخلاعة وإشاعة الفحشاء وتأمر بالاحتشام، وجاءت كذلك النصوص التى تحدد العلاقات الجنسية والزواج والطلاق وإرث المرأة الخ...

ولم يكن من شأن هذه أن تأخذ شكل النقاب.

وكل الشواهد لدينا تؤكد أن المرأة فى عهد الرسول لم تكن تضع نقاباً يغطى وجهها، وهذه الحقيقة يدل عليها قيام المرأة بدور فعال فى المجتمع الإسلامي شمل المشاركة فى الصلوات وأداء الحج.. والمشاركة فى الحروب.. ولم يكن معقولاً أن تقوم بهذه المهام وهى منقبة.

والحالات التى تثبت أن وجوه النساء كانت مكشوفة على عهد رسول الله. وأنه تقبل هذا ولم يأمر واحدة بتغطية وجهها برغم تعدد لقاءات النساء بالرسول وهن مكشوفات الوجوه عديدة وتحفل بها الكتب، فلا داعي لذكرها.

وقد أمر الرسول بأن لا تمنع النساء عن الصلاة بالمسجد [39] وأمرهن بالحج ونص على أن يكن مكشوفات الوجوه عند الطواف. وأمر بأن تحتشد النساء جميعاً عند صلاة العيد ومن لم تكن لها ثوب فلتستعير ثوباً من أخرى

بل إننا نجد حديثاً فى البخارى "كان الرجال والنساء يتوضوءن فى جامع رسول الله r جميعاً" وجاء الحديث تحت باب حكم "وضوء الرجل مع امرأته فى إناء واحد" وجاء فى "إرشاد السارى لشرح صحيح البخارى" للعلامة القسطلانى، الجزء الأول، ص 223 – مطبعة بولاق سنة 1275 هـ :

قال (حدثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال اخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولي ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما وفى رواية أبى ذر، وابن عساكر عن ابن عمر (أنه قال كان الرجال والنساء) أى الجنس منهما (يتوضؤن فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً) أى حال كونهم مجتمعين لا متفرقين زاد ابن ماجة عن هشام بن عروة عن مالك فى هذا الحديث من إناء واحد وزاد آبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع ابن عمر ندلى فيه أيدينا وفى صحيح ابن خزيمة من طريق معمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبى صلي الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من أناء واحد كلهم يتطهرون منه وهو محمول على ما قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم [40] وفى قوله زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة للجواز فإن الصحابى إذا كانوا يفعلون فى زمنه صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع كما هو الصحيح، ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين تنيسى ومدنى وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة والقول وهو من سلسلة الذهب وهو عند المؤلف رحمه الله أصح الأسانيد [41] وكل ما لدينا عن سيرة وعمل الرسول يوضح لنا أنه كان عظيم التقدير للمرأة. وأن فكرة عزلها عن المجتمع وتشديد الوطأة عليها وحرمانها من الحقوق وإلزامها زياً يثقل عليها الخ... كان مستبعداً تماماً فبالإضافة إلى ما أشرنا إليه من أمره النساء بحضور صلاة العيد، وتوجيهه الرجال لعدم منعهن من المساجد، وأنه ما أمر واحدة بأن تغطى وجهها فإنه كان كما هو ثابت يبايع النساء.. وقد كان فى بيعة العقبة الثانية قبيل الهجرة اثنتان من النساء بايعن مع من بايع من الرجال. وما جاء من أحاديث أنه لم يمس أيديهن يغلب أنها موضوعة، وبعضها مثل الزعم بوضع إناء به ماء الخ... يثير الضحك.

وكان الرسول يزور الصحابيات عندما يمرضن وكان يتردد علي بعضهن، وعندما يكون فى قباء يزور أم حرام، وربما ينام القيلولة عندها وعندما دعا أحدهم الرسول علي طعام أصر الرسول علي أن تصحبه عائشة ورضخ الرجل."[42] وكان الرسول إذا مر بجماعة من النسوة يسلم عليهن ويردُنَ عليه السلام.

ومعلوم أن الرسول كان يكرم زوجاته ويتحبب إليهن وإذا سئل عن أحب الناس إليه قال "عائشة" وأنه كان يقف لها حتى تشاهد لعب الحبشة بجوار المسجد وأنه كان يسابقها وتسابقه، وكان يضع ركبته لتصعد عليها صفيه إلى ناقتها ويقوم عندما تأتيه ابنته فاطمة ويأخذ بيدها ويقبلها ويجلسها وأنه كان يكرم من يزوره من كرام السيدات خاصة من كن يزرنه أيام خديجة ويفرش لهن رداءه.. وأنه كان يبتغى مرضاة أزواجه حتى عاتبه الله فى هذا.. وكانت آخر كلماته "استوصوا بالنساء" ..

وعن عائشة قالت: قال رسول الله r إني لأعلم إذا كنت عنى راضية وإذا كنت علىّ غضبى فقلت من أين تعرف ذلك. قال إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت على غضبى قلت لا ورب إبراهيم قالت قلت أجل يا والله رسول الله ما أهجر إلا اسمك "متفق عليه".

وهذه كلها تصرفات فارس نبيل "جنتلمان" يكرم المرأة ويحترمها..

لقد ولد الرسول r يتيماً، فقامت أمه على تربيته، وعهدت به إلى حليمة السعدية لترضعه في البادية الحرة وليلتقط العربية الفصيحة ولم تكد تعود به إلى أمه طفلاً يبدأ الخطو حتى توفيت أمه، فتولته حاضنته الأمينة المخلصة أم أيمن فعاش طوال طفولته بين أحضان النساء.

ولما شب وضع الله تعالى فى طريقه السيدة خديجة التى جعلتها فراستها. الصادقة تفضله على غيره ممن كان أكثر مالاً وأقرب نسبا وفى خديجة وجد الرسول الأمن والأمان فلما جاءه الوحي وعاد إليها ملتاعاً تلقته بين ساعديها ووطدت الثقة فيه وأسلمت معه.

وعندما بدأت الدعوة بادر كثير من النساء بالإيمان بها وتحملن العذاب الأليم، وإذا كانت خديجة هي أول نفس آمنت، فإن سمية هي أول نفس استشهدت.

هذه الصلة الوثيقة للرسول بالمرأة أما وحاضنة، ثم زوجة وراعية.. ثم مؤمنة مضحية، ولمسه ما فى المرأة من حب وحنان وتضحية وإخلاص تركت فى نفسه أثراً عميقاً وغرست الفكرة الطيبة الكريمة عن المرأة وانعكس ذلك على سلوكياته وتصرفاته واتجاهه العام نصيراً لها وداعياً لحقوقها ومندداً بكل ظلم أو اضطهاد يلحق بها.

من هنا نفهم كيف يقول هذا الرسول الذى بعث لأقوام يفخرون بالرجل ويجعلون المرأة عارا "أنا ابن العواتك[43] من سليم" ويقول "لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء" ويقول "النساء شقائق الرجال" ويقول "ما أكرمهن إلا كريم وما أبغضهن إلا لئيم" ويقول "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" وكيف كان الرسول العظيم فى مهنة أهله.

وقد حما القرآن وطبق الرسول حقوق المرأة ووقف ضد عدوان الرجال وقضي على كل العادات الذميمة من عضل أو ظهار وجعل أمر التزويج رهنا بقبول المرأة وأعطي الزوجة حق الخلع لا لشىء إلا لأنها لا تحب زوجها وأن لم تعب عليه شيئاً فى خلق أو مال وآمر أبا أن يزوج بنته ممن تحب هى، وليس ممن يريد هو وقال "ألحقها بهواها" وقبل وهو الرسول العظيم أن ترفض مولاه شفاعته فى أن تعيد زوجها عندما قالت المرأة لا حاجة لي به، رغم أن زوجها هذا كان يحبها وكان يبكي فى طرقات المدينة حتى تبتل لحيته ..

وكان الرسول يحب للمرأة أن تأخذ بحظ من التزين يميزها عن الرجل، وكانت إبراز وسائله عند النساء وقتئذ هي الخضاب[44] وكان الخضاب محبباً إلى الرسول إلى درجة أنه كان يشيح بوجهه عن كل من لم تختضب ويقول "كأن يدها يد رجل" وقد انتهز فرصة المبايعة ليشترط الخضاب، ورد عدداً من المبايعات لأنهن غير مختضبات، فاختضبن وعدن فبايعهن، بل فى حالات أخري كان الخضاب والتمشط وصور أخري من التجمل أجزاء من البيعة، بحيث ظلت إحدى المبايعات تختضب حتى سن الثمانين !

هذه كلها حالات تدل على فهم عميق لعالم المرأة، ونفسيتها وطبيعتها واحترام لإرادة المرأة.. حتى لو كانت جارية.. أعتقتها عائشة ..

ولو أن المسلمين احترموا سنة رسولهم فى التعامل مع المرأة وتقديرها واحترامها وأن يحبوهن كما أحب الرسول عائشة وأن يعلنوا هذا الحب لهن، لكان هذا أول خطوة على طريق السعادة الزوجية. ذلك أن المرأة عندما تسمع من زوجها كلمة "أحبك" فإن هذا يضرم فى عروقها نشوة كما لو كانت خمراً وتحس وكأنما تدق داخل نفسها المزاهر والزغاريد ولا تسأل بعد عن عطائها لزوجها.

وقد أحست النساء بسماحة الإسلام فأقبلن على الإيمان به أفواجاً ولسنا فى حاجه لأن نشير إلى دور خديجة فى دعم الدعوة الناشئة، وأنها كانت أول من أسلم وكان وقوفها وراء الرسول فى ساعات العسرة وعندما تجهم له سادة قريش من أكبر ما أعانه على الصبر والثبات ..

وقد حرر أبو بكر سبعة من المستضعفين الذين كانوا يعذبون لإيمانهم بالإسلام أربعة منهم نساء (بلال وعامر بن فهيرة، وزئيره، وحارثة ابن المؤمل، والنهدية، وابنتها، وأم عبيس).

وكان إيمان بنات أو زوجات المشركين دليلاً لا يدحض على التجاوب العميق بينهن وبين الإسلام فقد أمنت رملة بنت أبى سفيان (أم حبيبة زوج الرسول) وأم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط الذى كان يتولى تعذيب المسلمين وبايعت الرسول ثم خرجت وحيدة مهاجرة إلى المدينة حتى قيض الله رجلاً من خزاعة استكمل معهما الرحلة، ولم تكد تستقر حتى جاء أخواها يطالبان بها ولكن الرسول رفض، فلم يكن الشأن معها شأن الرجال وبسببها نزلت سورة الممتحنة.

وهذه أم سلمة تهاجر وحيده تحمل ابنها حتى لاقت عثمان بن طلحه فأصطحبها إلى المدينة.

حتى بنت أبى لهب العدو اللدود للرسول والذى أنزل الله فيه وفى امرأته مـا أنزل - وهى درة - أسلمت وهاجرت إلى الرسول، ولما آذاها البعض بذكر أبيها دافع عنها الرسول وقال "لا يؤذى حي بميت".

وهذه أم الفضل امرأة العباس – وهى لبابة الكبرى – وهى فيما قيل أول امرأة آمنت بعد خديجة وظل زوجها العباس على دين آبائه ردحاً طويلاً.

وهذه أم سليم بنت ملحان ذات الذكر المأثور تؤمن، فيغضب منها زوجها ويخرج إلى الشام فيموت هناك ويعرض عليها أبو طلحة الزواج، وكان كافراً فاشترطت إيمانه كصداق لها، وعندما قال "أشهد أن لا أله ألا الله وأن محمد رسول الله" قبلت زواجه.

ونقرأ عن سيدات كان لهن نشاط عام مثل أم شريك التى قال عنها الرسول "تلك امرأة يغشاها أصحابي" وكانت كما قال الحافظ ابن حجر فى الإصابة "كانت غنية عظيمة النفقة فى سبيل الله، ينزل عليها الضيفان". ونقرأ عن فاطمة بنت قيس التى اجتمع فى بيتها أهل الشورى عندما قتل عمر ونقرأ عن تلك المرأة التى كانت تعد طعاماً لمجموعة من الصحابة "فإذا صلينا الجمعة – كما يقول الصحابي انصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله وما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة" (الأدب المفرد – البخارى باب تسليم الرجال عن النساء) ونقرأ عن حفصة – أم المؤمنين التى احتفظت بأصول المصحف حتى طلبها عثمان منها لينسخ مصحفه الإمام، ونجد عائشة وهى تروى أكثر من ألفى حديث من أكثر الأحاديث مصداقية.

فإذا نشبت حرب شاركت فيها بداء من غزوة بدر واحد، حتى حروب الشام والقادسية، وكانت هذه المشاركة تأخذ فى الأعم صورة مداواة الجرحى مثل رفيدة التى كان لها خيمة قريبة من ميدان القتال وُوضع فيها سعد بن معاذ عندما أصيب "وكانت امرأة تداوي الجرحى وتحتسب نفسها على خدمة من كانت به صنيعة من المسلمين" كما جاء فى الإصابة فى تمييز الصحابة ص 81 ج 8.

وروى مسلم عن أنس: "أن عائشة وأم سليم، كانتا فى يوم "أحُد" مشمرتين، تنقلان القرب على متونهما (ظهورهما) ثم تفرغانها فى أفواه القوم، ثم ترجعان فتملأنها"، ووجود عائشة هنا – وهى فى العقد الثانى من عمرها – يرد على الذين ادعوا أن الاشتراك فى الغزوات والمعارك كان مقصوراً على العجائز والمتقدمات في السن.

"وروى الإمام أحمد أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذى حاصر "خيبر" يتناولن السهام، ويسقين السويق، ويداوين الجرحى ويغزلن الشعر، ويعن فى سبيل الله، وقد أعطاهن النبى r نصيباً من الغنيمة."[45]

وروى البخاري عن عمر بن الخطاب أنه سمع الرسول يقول عن أم سليط التى حملت السلاح ودافعت عنه يوم أحد "ما ألتفت يميناً ولا شمالاً إلا ورأيت أم سليط تقاتل دوني" وجاء فى البخارى أيضاً فى باب مداواة النساء للجرحى في الغزو أن الرُبَيّع بنت مسعود وجماعة من نساء كن يسقين الجرحى.

وعندما رأى الرسول الخروج إلى خيبر قالت أم سفيان الأسلمية للرسول عليه الصلاة والسلام يا رسول الله أخرج معك أخرز السقاء وأداوى الجرحى فإذن لها الرسول وقال إن لك صواحب قد أذنت لهن من قومك أو من غيرهم فكوني مع أم سلمة.

قالت أم عطية غزوت مع رسول الله سبع غزوات كنت أخلفهم فى رحالهم.

وجاء فى الإصابة (ج 8 ص 251) عن أم الضحاك بنت مسعود الأنصارية الحارثية أنها شهدت خيبر مع الرسول "فأسهم لها سهم رجل" وعند تحقيقه لهذه النقطة أورد خبراً أن الرسول قسم لامرأتين حضرتا القتال وهما أم الضحاك بنت مسعود أخت حويصه ومحيصه، وأخت حذيفة بن اليمان "أعطى كل واحدة منهما مثل سهم رجل" وأهميه هذه الواقعة المساواة بين النساء والرجال فى الغنيمة، وكانت الروايات السابقة تذكر أن الرسول "رضخ" لبعض المشاركات فى المعركة "رضيخة" وهى أقل من السهم.

أما نسيبه بنت كعب، وهى أم عمارة ومشهورة باسمها وكنيتها فقد حاربت أمام رسول الله فى أحد بالسيف عندما انكشف عنه أصحابه وأصابتها جروح وقال عنها الرسول "لمقامها خير من مقام فلان وفلان" وحاربت فى معركة اليمامة جيش مسيلمة وأبلت بلاءً حسناً وقطعت ذراعها فى المعركة.[46]

أما أم حرام بنت ملحان زوجة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت الذى كان من قاده فتح مصر فقد وعدها الرسول أن تكون ممن يركبون البحر غزاة فى سبيل الله وتحقق لها ذلك عندما اشتركت فى الأسطول الإسلامى الذى غزا قبرص ودفنت هناك.[47]

واحتفظت المرأة المسلمة بهذا التقليد فى حضور المعارك للتمريض أو القتال فروى عن أم موسى بن نصير أنها شهدت مع زوجها اليرموك وأنها قتلت علجاً (أى فارساً رومياً) وأخذت سلبه، وروى عن صفية بنت أبي طالب أنها فى خيبر قتلت يهودياً بعد أن أحجم حسان بن ثابت عن ذلك، وروى عن خوله بنت الأزور أنه كان لها دور مجيد فى حروب الشام.

وجاء فى مجمع الزوائد أن أسماء بنت يزيد بن السكن بنت عم معاذ بن جبل قتلت يوم اليرموك تسعه من الروم بعمود فسطاط "رواه الطبرانى ورجاله ثقات".

وشهدت الخنساء موقعة القادسية ومعها بنوها الأربعة الذين استشهدوا جميعاً فقالت الحمد الله الذى شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم فى مستقر رحمته، وكان عمر بن الخطاب يعطيها أرزاق أبنائها الأربعة حتى قبُض وهذه هي الخنساء التى أمضت حياتها فى رثاء أخيها صخر وقد خلقها الإسلام خلقاً جديداً.

وهذه المعارك تمت بعد نزول آية الحجاب المزعومة، بل فى أيام الخلفاء الراشدين.

وثمة واقعة تصور كيف كانت أشد العلاقات الزوجية حساسية تعالج بسهولة ويسر أوردها الإمام أحمد بن حنبل فى المسند قال :

(عن نضله بن طريف) أن رجلا منهم يقال له الأعشى واسمه عبد الله بن الأعور كانت عنده امرأة يقال لها معاذه خرج فى رجب يمير أهله من هجر فهربت امرأته بعده ناشزا عليه فعاذت برجل منهم يقال له مطرف بن بصل بن كعب بن قمشع بن دلف بن أهصم بن عبد الله بن الحرماز فجعلها خلف ظهره، فلما قدم ولم يجدها فى بيته وأخبر أنها نشزت عليه وأنها عاذت بمطرف بن بهصل فاتاه فقال يا بن العم أعندك امرأتى معاذه فادفعها إلى؟ فقال ليست عندى ولو كانت عندى لم أدفعها إليك، وقال وكان مطرف أعز منه فخرج حتى أتى النبى r فعاذ به وانشأ يقول :

يا سيد الناس وديـان العـرب إليـك أشكو ذربـة من الذرب

كالذئبة الغبشاء فى ظل السرب خرجت أبغيها الطعام فى رجب

فخلفتني بنــزاع وهــرب أخلفت العهد ولطـت بالذنـب

وقذفتني بيـن عِيـص مؤتشب وهـن شـر غالـب لمن غلب

فقال النبى r عند ذلك وهن شر غالب لمن غلب، فشكا إليه امرأته ما صنعت به وأنها عند رجل منهم يقال له مطرف بن بُهصل فكتب له النبى r فقرئ عليه فقال لها يا معاذه هذا كتاب النبى r فيك فأنا دافعك إليه، قالت خذ لي عليه العهد والميثاق وذمة نبيه لا يعاقبني فيما صنعت، فأخذ لها ذاك عليه ودفعها إليه فأنشأ يقول :

لعمرك ما حبـى معاذهَ بالـذى يغّيره الواشي ولا قِـدَمُ العهد

ولا سوءُ ما جاءت به إذ أزالها غُواة الرجال إذ يناجونها بعدى

فهذه امرأة "ناشز" كما يقولون هجرت زوجها ولاذت بآخر ليس من محارمها "ولطت بالذنب" فجاء زوجها يرجو إعادتها فرفض فشكاه إلى الرسول فأمر الرسول الرجل بإعادة الزوجة فأبت الزوجة إلا بعد أن يستوثق من زوجها أن لا يوآخذها، وقبل الرجل، ولم يصفح عنها فحسب، بل إنه عبر فى شعره عن اعتزازه وتمسكه بها.

f

هذه كلها شواهد تثبت المساهمة النشطة فى المجتمع وروح الثقة والبراءة التى كانت تحكم العلاقات وما كان يمكن – والأمر هكذا – للمرأة أن تضع نقاباً كثيفاً على وجهها.

ولا نجد إشارة صريحة إلى نقاب إلا فى حالتين :

الأولى : وهى التى تكرر ورودها فى المراجع الفقهية وأخرجها أبو داود من طريق فرج بن فضالة عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال :

(جاءت امرأة إلى النبى r يقال لها: أم خلاد، وهى متنقبة تسأل عن أبنها وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبى r جئت تسألين عن ابنك وأنت منقبة ؟ فقالت: إن أرزأ أبني فلن أرزأ حيائي! فقال رسول الله r ابنك له أجر شهيدين. فقالت: ولم ذاك يا رسول الله ؟؟ قال: لأنه قتله أهل الكتاب) أ .هـ ..

وعلق مؤلف "تذكير الأصحاب بتحرير النقاب" :

"وهم يزعمون أن هذا نص صريح على إقرار r وسلم للمرأة على انتقابها ويكفى أن نبين – هنا – مدى الضعف والنكارة فى هذه الرواية :

فقد قال البخاري (أمير المؤمنين فى الحديث) رضى الله عنه، عن الراويين لهذه الرواية وهما: عبد الخبير بن ثابت بن قيس، وفرج بن فضاله (عبد الخبير هذا روى عنه فرج بن فضاله، حديثه ليس بالقائم، فرج عنده مناكير) وكذلك ما ذكره أبو حاتم الرازى (عالم الجرح والتعديل)، (عبد الخبير حديثه ليس بالقائم منكر الحديث) وهذا فى مختصر المنذرى.

وعلق الدكتور يوسف القرضاوى على الحديث تحت عنوان "الصحابة يستغربون لبس النقاب "وقال" بل ثبت فى السُنة ما يدل على أن لبس النقاب إذا وقع فى بعض الأحيان كان أمراً غريباً يلفت النظر ويوجب السؤال والاستفهام !

ولو كان النقاب أمراً معتاداً للنساء فى ذلك لما كان هناك وجه لقول الراوى: إنها جاءت وهى متنقبه، وما كان ثمة معنى لاستغراب الصحابة وقولهم لها: "جئت تسألين عن ابنك وأنت متنقبه" ؟

ورد المرأة يدل على أن حياءها هو الذى دفعها إلى الانتقاب، وليس أمر الله ورسوله، ولو كان النقاب واجباً شرعياً ، لغير هذا الجواب ، بل ما صدر السؤال أصلاً، فالمسلم لا يسأل: لماذا أقام الصلاة، أو آتي الزكاة، وفى القواعد المقررة: ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته."[48]

أما الخبر الثانى فقد جاء فى كتاب الإصابة فى تمييز الصحابة لابن حجر فى الجزء الثامن وهو الخاص بالصحابيات فى ترجمة "مندوس بنت عمرو بن حبيس بن لوزان بن عبدود الأنصارية أخت المنذر بن عمرو وأم سلمة بن مخلد" إذ جاء.

"ذكرت فى المبايعات وذكر ابن الأثير أن بنتها قريبة روت عنها أنها أتت النبى r فقالت يا رسول الله النار النار فقال ما تحواك فأخبرته بأمرها وهى منقبة فقال يا أمة الله أسفرى فإن الإسفار من الإسلام والنقاب من الفجور ونسبه إلى ابن منده وأبى نعيم ولم أراه فى واحـد منهمـا."[49]

ومع أن ابن حجر لم يعثر عليها فى ابن منده وأبى نعيم إلا أنه لم ير من واجبه أن يقول كلمة استنكار، ولو أن النقاب من مفاخر الإسلام ومن القواعد المقررة فيه، فأظن أنه لم يكن يضن بها ونحن على كل حال نضع الواقعة لمن يريد البحث والتنقيب.

والسؤال الذى يستحق كل الأهمية هو :

إذا كان هذا حال المرأة أيام الرسول وحتى فى الخلافة الراشدة فكيف تطور الأمر إلى النقاب الكثيف وعزل المرأة عن الحياة والمجتمع وإبقائها فى دياجير الجهالة وحبسها وراء الجدر.

هناك عدد من الأسباب ...

أ. منها أن التجديد الذى جاء به الإسلام فى مجال المرأة بالذات لم يقابل بتفهم وترحاب، ولم يجد تجاوباً لأن قضية المرأة ارتبطت فى الجاهلية بالعرض، والشرف الذى يجعل لها حساسية ويربطها بحماية الجاهلية ويبعدها عن أي تعقل أو اتزان. وقد قال عمر بن الخطاب "والله ما كنا نري فى النساء شيئاً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل"، وعندما راجعته زوجته فى أمر نهرها وقال لها ما أنت وذاك إنما أنت لعبة فى البيت وَرَدَّ حفيد له، عندما ذكر له أبوه (وهو عبد الله بن عمر) أن الرسول قال "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" بلى والله لنمنعهن، لا يتخذنها دغلاً " ..

وتثبت الوقائع أن "العرب عزفوا عن التجديدات التى أمر بها الرسول، والرسول بين ظهرانيهم. فكرهوا أن تستأمر الفتاه فيمن تتزوجه، وكرهوا أن ينظر الرجل إلى من يريد الزواج منها وكرهوا أن تصلى النساء فى المساجد (بما فيهم عمر بن الخطاب والزبير بن العوام) وكرهوا آية الملاعنة وقال سعد بن عباده للرسول "أهكذا أنزلت" أما ما قسمه اله للنساء من ميراث فقد عز عليهم وحاولوا التملص منه وراجعوا الرسول وقالوا يا رسول الله تعطى الجارية أى البنت نصف ما ترك أبوها وليست تركـب الفـرس ولا تقاتـل القـوم ولا تحوز الغنيمة" وتوقعـوا أن يستجيب لهم فـرد عليهـم الرسـول بالآيـة: ]آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا[. وليست هذه إلا أمثلة عارضة.

ولم يكن بين صحابة محمد من يماثله فى فهمه للمرأة وتقديره لمنزلتها، فهذا أبو بكر لم يتورع أن يلطم عائشة لما لم يعجبه أسلوبها فى الحديث. وكان الرسول قد استقدمه ليحكم بينه وبينها فى أمر أشتجر بينهما ولم يتقبل الرسول هذا، وقال ما لهذا أحضرناك.. أما عمر فقد كان له رأى سيئ فى المرأة، وقد لطم أخته التى أسلمت قبله لطمة أدمت وجهها، وقد بذل جهده ليتوصل إلى حجب نساء الرسول (وكان محقاً) وحاول أن يثني زوجته عن الصلاة فى المسجد. فرفضت على أنه كان وقافاً عند الحق فلم يمنعها. وعندما جبهته المرأة فى المسجد بقول الله ]وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[. قال أخطأ عمر وأصابت امرأة وإن كان فى هذه نفسها ما ينم عن رأيه فى المرأة..

وكان من رأى عمر أن المرأة لعبة يلعب بها الرجل فى البيت وقد كان من زوجاته زوجة سماها الرسول "جميلة" وكان عمر يحبها كما كانت تبادله الحب، وكان إذا خرج للصلاة مشت معه من فراشها حتى الباب فإذا أراد الخروج قبلته ورجعت إلى فراشها. ومع هذا فقد طلقها أما الزبير بن العوام الذى كان له أربع زوجات فكان إذا غضب على إحداهن ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها... فأين هذا من أخلاق الرسول...

وحاول الزبير بن العوام أن ينهى زوجته – وهى نفسها زوجة عمر السابقة التى تزوجها بعد اغتيال عمر فرفضت وقالت: "يا بن العوام أتريد أن أدع لغيرتك مصلي صليت فيه مع رسول الله وأبي بكر" ؟ ولكنه لم ييأس فترصد لها فى ظلام الفجر، متنكراً، ونال منها، فعادت مغضبة، ولم تعد تذهب إلى المسجد فسألها فقالت له فسد الناس !

وهناك شواهد عديدة أخري توضح أن المجتمع العربي لم يتجاوب قلبياً مع تجديدات الإسلام، أو مواقف الرسول أو سياسته مع زوجاته، ولم يطل عهد بالرسول حتى يعمق فكره بين الأعراب الجفاة، وبعد عشرين سنه من وفاته جاء الملك العضوض الذى طوى الصفحة النبوية فى مجالات عديدة كان منها المرأة.

ب. إن قوى عديدة كانت تزحف على المجتمع الإسلامى وتزحزحه من العهد النبوى وتسير به إلى عهود أخرى تختلف تماماً عما كان عليه الأمر وقت الرسول، وقد عبر عن هذا التغيير الذى لمسه فى وقت مبكر أنس ابن مالك عندما قال "ما أعرف شيئاً اليوم مما كنا عليه على عهد رسول الله قال قلنا فأين الصلاة قال أو لم تصنعوا فى الصلاة ما قد علمتم يعني تأخيرها عن وقتها المختار- وهو أيضاً ما لاحظه أبو الدرداء عندما دخل على زوجته وهو مغضب فقلت من أغضبك قال والله لا أعرف فيهم من أمر محمد r شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً- وفى رواية إلا الصلاة.[50]

إن النقلة من المدينة المنورة إلى دمشق كانت بعيده المدى... ففى المدينة كان الأنصار يحبون المهاجرين للدرجة التى تجعل النصارى يعرض على أخيه المهاجر نصف أرضه وأن يطلق إحدى زوجتيه ليتزوجها المهاجر. وكان الرسول بينهم – وقد كان – كما قال الله ]سراجاً منيراً[ و]رحمة للعالمين[ ]أولى بالمؤمنين من أنفسهم[ ]عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم[. فلما غاب عنهم ظهرت بينهم العداوات، "وانطلقوا يضرب بعضهم رقاب بعض". وما أكثر ما قطعت من أيدي حول جمل عائشة وما أكثر ما تشربت أرض صفين دماء جلة الصحابة وأصحاب الذكر والبلاء فى نصر الإسلام واعتلى معاوية وهو الطليق ابن الطليق أبى سفيان عدو الإسلام الألد.. وهند "أكلة الأكباد" منبر الرسول ونصب لكعب الأحبار منيراً فى دمشق يتلو منه ضلالاته وأقاصيصه التوراتيه.. وتحولت الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض وظهر من الخلفاء من يحمل اسم السفاح "فأين هذا من أبى بكر، وعمر الذين طلبا إلى الناس أن يقوماهما، وعندما جبه أعرابى عمر بن الخطاب أن يقومه بالسيف إذا لمس منه انحرافاً، قال عمر "لا خير فيكم ما لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها" أين من عمر الذى كان يرى أن دم فرد مسلم أفضل من فتح مدينة بالحجاج الذى يقول "أرى رؤوساً قد أينعت وقد حان قطافها" أو زياد الذى يأخذ البرىء بإثم المذنب، ويلاحق الناس حتى يقولوا "انج سعد فقد هلك سعيد" أو عبد الملك بن مروان الذى قال "من قال لي يرحمك الله قطعت عنقه".

تغير المجتمع الإسلامي. ظهرت دمشق العاصمة الإمبراطورية ونقل إليها معاوية وهو والي الشام لعشرين سنة متوالية الكثير من التقاليد البيزنطية. واستشرى وضع الأحاديث. وتقوقع الفقهاء. بعد أن شاهدوا مصارع الصحابة، ومقتل حجر بن عدي وعاينوا فظائع فتح المدينة واستباحة بيوتها ورجالها ونسائها.. يوم "الحرة" وشاهدوا بأعينهم ضرب الكعبة بالمنجنيق.

بالإضافة إلى هذا فإن سماحة الإسلام وقوته حملت جماهير عديدة من أهل البلاد المفتوحة فى فارس والشام على الإيمان بالإسلام وحملوا إلى الإسلام رواسب ووراثات حضارتهم وعاداتهم القديمة ومارسوها وكانت أكثر المجالات تأثراً بها البيت، والمرأة وكانت هذه الرواسب، كما رأينا فى الفصل الثالث – الحجاب كميراث تاريخي – تضع الحجاب على المرأة وتبقيها داخل البيت وتحرمها الحقوق المدنية..

لقد أذنت هذه الأحداث الجسام وانقلاب الحكم إلى ملك عضوض بأفول شمس الحرية التى جاء بها الإسلام، وأطبق على المجتمع الاستبداد. وعندما يظهر الاستبداد فإنه ينتهي إلى المرأة. لأنها الأضعف فى النهاية فقد يظن الفلاح أو العامل هو آخر من يبوء بأوزار الاستبداد لأنه لا يملك له دفعاً، ولكنه يملك – ولو بطريقة غير مقصودة – أن يحوله إلى زوجته، ومن غير المعقول أن يوجد المواطن المستعبد، وتوجد المرأة الحرة لأن قبضة الاستبداد ستنتهي إلى المرأة وتعصف بما منحها الإسلام من حريات.

وهناك بعد عامل آخر، إن تركز الحكم فى دمشق التى كانت موئلا للحكم البيزنطي قروناً عديدة كان له تأثير على نمط الحياة العربية. وكانت المرأة فى بيزنطة متخلفة يضرب عليها الحجاب من أيام أثينا وروما ثم جاء الآباء الأول للكنيسة برأيهم السيئ عن المرأة، ولا جدال أن ذلك تسرب بطريقة ما إلى المجتمع الإسلامى الذى أصبحت دمشق عاصمة له.. فتجاور الحضارات لابد أن يحمل تأثيرها.

ج. ثم جاءت النقلة الثالثة من دمشق إلى بغداد أشد تأثيراً وأعظم وقعاً وكان الحكم العباسي فارسياً بمعني الكلمة يدين لفارس (خراسان) بالثورة على الخلافة الأموية التى كانت تتشبث بظلال عربية. فزحفت التقاليد الفارسية على الحياة الاجتماعية وظهر طوفان من الجواري والتحلل معهن يقابله "من التشدد مع المرأة الحرة.. وظهر أول توجيه يحض صراحة على حجاب المرأة أوصى به ابن المقفع. وهو فارسي الأصل". "وأكفف عليهن من أبصارهن فإن شده الحجاب خير لك من الارتياب وليس خروجهن بأشد من دخول من لا يوثق به عليهن، فإن استطعت ألا يعرفن غيرك "فأفعل" فهذا نص صريح يوجب الحجاب الكثيف على المرأة ويحبسها وراء أربعة جدران.

د. وكانت النقلة الرابعة مع سيطرة الترك بعد الفرس وتحول الخلافة العباسية بحيث أصبح الخليفة أداة طيعة فى يد العسكر.

خليفة فى قفص بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له كما تقول الببغا ‍‍‍‍‍‍‍‍!

والترك بالنسبة للمرأة يماثلون الفرس، وربما أسوأ فى فكرتهم عن المرأة وضرورة حجبها فى البيوت وإبعادها عن الحياة.

هـ. وأخيراً سقطت الخلافة العباسية تحت سنابك التتار وأنهي هولاكو صفحتها وجاءت أفواج من الترك والديلم والتتار لا يحسنون – بل لا يعرفون – العربية، وفرضوا تقاليد "إلياسا" على المجتمع الإسلامي كما أشار إلى ذلك ابن كثير وتحدث عنه ابن تيمية.

وفى النهاية ظهر الحريم. وظهر السلطان الذى يصدر منشوراً "كل امرأة تسير كاشفة وجهها فى الطريق بغير نقاب تعاقب بقص شعرها بالشفرة (الموس) وتمتطى حماراً بالمقلوب وتعرض فى الأسواق العامة بين تصفيق الصبية وصياح المتفرجين" ...

هذه التطورات الكاسحة العميقة فرضت نفسها على الفكر النبوي وغيرت كل معالم المجتمع العربى عهد الرسول فى السياسة، والقانون والاقتصاد الذى وصل فى عهد الخلافة العباسية إلى رأسمالية تجاربه أدت إلى قومه الزنج وغيرها من القومات التى كان الجيش العباسي يكبتها كما كبح الجيش الروماني ثورة سبارتاكوس وغيره... بل لقد ظهر أثر الثقافة اليونانية فى وقت مبكر فى العقيدة نفسها وبالذات فكر أرسطو. وعلى أساس أفكار أرسطو قام علم الكلام وعلى أساس منطقه قام القياس وقد أفرد الغزالى فى كتابه المستصفى مقدمة طويلة عن منطق أرسطو واعتبر أن من لا يعلمه "لا يوثق بكلامه أصلا" فإذا كان فكر أرسطو قد طال العقيدة فهل يعجز عن أن يؤثر على فكرة المرأة، وأرسطو كما أوضحنا هو زعيم القائلين بدونية المرأة. وأن محلها البيت.. فلماذا لا يكون الفقهاء قد تأثروا بفكر أرسطو عن المرأة كما تأثروا بمنطقه؟ قد لا يكون لدينا شواهد معلنة، وقد تكون هذه الشواهد قد ضاعت فيما ضاع من آثار، على أن التأثر عملية نفسية وهى تشق طريقها كما تسلك الوراثة النفسية طريقها فى أشخاص الأبناء والأحفاد ويحدث هذا دون شعور لأن العرق دساس والتأثير النفسى للحضارات لا يقل عن التأثير البيولوجى للسلالات. وإذا كان طوفان الموالى قد زحم طرقات المدينة أيام عمر بن الخطاب وقامت أكبر حركة تزاوج ما بين العرب والموالى فأى عجب فى أن ينقل هؤلاء الموالى – ومعظمهم من فارس – تقاليد فارس عن المرأة إلى المجتمع الإسلامى. إن عملية تقزيم المرأة وتجريدها من الحقوق التى قررها القرآن والرسول بدأت فى فترة مبكرة، وبدعم من التقاليد الجاهلية القديمة ثم التقاليد اليونانية الفارسية والتركية الوافدة. فكيف يمكن أن يصمد تجديد الإسلام.

f

وقد يدعى أنصار النقاب والجدران الأربعة. بعد كل هذا أن القضية ليست قضية تأثيرات حضارية متلاحقة كانت كلها ضد المرأة، ولكنها قضية نصوص جاءت من اليوم الأول للإسلام، فى القرآن الكريم وفى الأحاديث النبوية.

وقد فندنا فى ما تقدم من هذا الكتاب ما يدعونه من تفسيرات للآيات، وقد يكفى هنا أن نقول إن الله تعالى لو أراد حجب الشعر والوجه، وأن لا تخرج المرأة من بيتها أو تختلط بالرجل لما أعجزه تعالى أن ينص على هذا صراحة فى القرآن فيقول للنساء المؤمنات غطوا شعوركن ووجوهكن والزمن بيوتكن ولا تختلطن بالرجال ولا تمارسن الأعمال "إن هذا لم يرد، ولكن وردت توجيهات بألفاظ عامة تحتمل اتجاهات كثيرة أشرنا إلى بعضها من قبل تنهى عن تبرج الجاهلية الأولى فلا داعى للتقول على القرآن ما لم يقل والافتيات عليه بمعان ذاتية من فكر أصحابها.

إن التجديد الذى جاء به القرآن والرسول لم يعمر سوى خمسين عاما هى مدة الرسالة النبوية والخلافة الراشدة، ثم توالت بعدها الأحداث. وما كانت هذه المدة القصيرة لتستطيع أن تقتلع جذور الجاهلية الأولى، والحضارات القديمة من عهد حمورابى أو أن تصد موجات التيارات الوافدة من يونانية وفارسية وبيزنطية وتأثيرات الترك والديلم والمماليك الذين لم نعرف حتى الآن بأى لغة كانوا يتكلمون، وكان لا بد أن تمسخ قضية المرأة عما أراده الله ورسوله.. إلى ما كانت عليه العصور القديمة والتيارات الوافدة شأنها فى هذا شأن ما أنتاب المجتمع الإسلامى من نكوص عن عهد الرسول. ولماذا تبقى قضية المرأة بمنجاة عن هذه التطورات وهى أشد القضايا حساسية ؟ وهل ما حدث فى قضية المرأة أكثر مما حدث لكلمة معاذ "اجتهد رأيى ولا ألو" فجاء الأسلاف وأغلقوا أبواب "لا ألو" وجعلوا الاجتهاد قميص كتاِّف.

من أجل هذا فإن التطور الذى انتهت إليه قضية المرأة وخالفت فيه ما كانت عليه أيام الرسول لا يثير الدهشة، ولا يبدوا عجيبا إلا للذين ليس لديهم فكرة عن سنن المجتمع وأن التغيير والتطوير، سواء إلى الأفضل أو الأسوأ أمراً لا مناص عنه للمجتمع البشرى.

f

أخيراً فإن هذه المعالجة للحجاب أيام الرسول لا تعد تامة ما لم نتصدى للأحاديث المزعومة التى كانت هى الأساس لتقرير الحجاب وتحريم الاختلاط والتى تكون هى محور الاحتجاج بها، والاستناد عليها، ويفسرها الفقهاء .. بما يقف الكتاب والمفكرون أمامها حيارى.

وهذا الأمر لا يعجزنا، لأننا قدمنا إضافة فى فهم ومعالجة السنة تحل الإشكال.

على أننا قبل أن نلجأ إليها نقول إن عدداً كبيراً من هذه الأحاديث ضعيفة أو موضوعة حتى بمعايير المحدثين أنفسهم، وأن الفقهاء استخدموها على عوارها لرفع خسيستهم ولتشديد الوطأة على المرأة.

فالحديث الذى يعد أساساً للاحتجاج وتحريم الاختلاط "المرأة عورة" حديث قال فيه الشيخ القرضاوى. "تفرد به الترمذى عن سائر أصحاب السنن ولم يصفه بالصحة بل اكتفى بوصفه بالحسن والغرابة وذلك لآن بعض رواته ليسوا فى الدرجة العليا من القبول والتوثيق، بل لا يخلو من كلام فى حفظهم مثل عمرو بن عاصم وهمام بن يحيى."[51]

والحديث الذى يعد الأساس لتحريم الولاية على المرأة، "لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" – هو من حديث الآحاد. والراوى الوحيد له (وهو أبو بكرة المختلف فى أسمه) مجرح، ومن الذين قال عنهم القرآن الكريم (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداَ وأولئك هم الفاسقون). فقد أوقع عليه عمر بن الخطاب حد القذف. ورفض أن يتوب، فانطبقت عليه الآية. ومن ثم كان يجب أن لا تتضمنه كتب الحديث ثم هو فى موضوعه ومتنه يمثل حالة معينه أنصب عليها حديث الرسول بحيث لا يمكن أن تقبل كمبدأ عام، على الأقل لأنه لو قبل كذلك لكان هذا تكذيبا للقرآن الذى امتدح ملكة سبأ والتى أفلحت فى إنقاذ شعبها من جحيم الحروب. كما أنه أيضا يكذب وقائع التاريخ فى مختلف دول العالم.

هناك أحاديث عديدة أريد بها إحداث "حاسة" وليس الإقلاع عن عمل أو اتخاذ تصرف معين، وهناك أحاديث أسئ فهمها كالحديث عن نقصان العقل والدين الذى هو فى حد ذاته دليل على امتياز خاص بها هى أنها قادرة على التأثير على لب الرجل الحازم. رغم أنها لا تصلى أو تصوم عند الحيض، وأن شهادتها نصف شهادة الرجل – وهى – كما هو واضح – لا علاقة بموضوعية لها بالعقل وإنما نسبت إليها من منظور دينى.

على كل حال، فإن الموقف الأصولى الذى وضعناه اعتمادا على تأصيل إسلامى شرحناه فى كتابنا "السنة" وهو الجزء الثانى من كتاب "نحو فقه جديد" هو أن السنّة ليس لها تأبيد القرآن الكريم، وأنه يؤخذ بها ما ظلت صالحة فإذا ظهر أن التطور جاوزها، فإننا نعود إلى القرآن الكريم لالتماس الحلول بما يتفق مع مقاصد وقيم القرآن.

فمن ثم فإذا وجدت أحاديث ثبت تخلفها عن التطور فإننا نتوقف أمامها دون أى حرج لأكثر من سبب، وبناء على أكثر من أساس كلها إسلامية لعل أبسطها نفى الحرج وعدم التكليف بما يجاوز الوسع والطاقة.. وانتفاء العلة أو الحكمة. وهذه كلها مبررات أصولية تدعو للتجاوز عن نص ما، والأخذ بنص آخر. ولكن الفقهاء لم يلجؤوا إلى هذه المعالجة ذات الفعالية والتى تلحظ الاعتبارات والمتغيرات لأن خطهم الأصلى "ثبوتى" يقوم على قواعد المنطق الصورى ويلجأ إلى سد الذريعة وليس للتعامل معها.

z

ثالثا: الحجاب السلفى = النقاب

__________________

نأتى الأن إلى الحجاب كما هو فى مفهوم السلف. بعد أن خضع لقوى التطور التى أشرنا إليها آنفا، وهو لا يعنى إلا شيئا واحداً ستر الوجه، كما كان الحال لدى اليهود والأثينيين والفرس. وهو ما يتفق مع نزعة الفقهاء المغالية فى سد الذريعة بحيث أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الحجاب الإسلامى. والإسلام برئ منها.

ومع أن معظم الفقهاء المعاصرين قد استبعدوا النقاب وأخذوا بحجاب "كشف الوجه والكفين" إلا أن هناك مجموعات قوية خاصة فى السعودية والخليج واندونيسيا وباكستان تعتبر أن الحجاب الحق هو النقاب. وحجتهم الكبرى هى أنه هو الذى كان مطبقا من أيام السلف الصالح حتى الحقبة المعاصرة، كما يفسرون الآيات تفسيرا يتفق مع ما يذهبون إليه.

وقد يوضح فكرتهم بعض الفتاوى والكتابات التي يصدرونها فى هذا الموضوع.

ففى إحدى فتاوى الأزهر قال شيخة الشيخ جاد الحق. عن الحجاب.

"الحجاب وسيلة من وسائل تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، وهذا التنظيم ضرورى لتعاون الجنسين على عمارة الأرض بالخير، وكل منهما مأمور به ومكلف بالحفاظ عليه، لما هو معلوم من الأثر القوى لغريزة الجنس فى السلوك، ولذلك كان مفروضا قبل الإسلام فى الأديان السماوية، وموجودا فى التشريعات الوضعية.

وليس هو قاصراً على ستر الزينة والمفاتن وغض البصر، بل يدخل فيه عدم الخلوة وعدم التلامس وعدم الخضوع بالقول، ومنع كل ما يثير الفتنة ويغرى بالسوء، والنقاب الذى يغطى وجه المرأة جزء من الحجاب المفروض عليها فى ملابسها وحليتها وفى عطورها وسائر ما تتزين به، وتحرص عليه كرائم النساء من قديم الزمن. وهو فى الإسلام مختلف فيه بين الفقهاء فى وجوبة أو ندبه لغير الفاتنات بجمالهن الطبيعى، وذلك بناء على اختلافهم فى تفسير قوله تعالى: ]وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[ وقوله: ]يَاأَيُّهَا النبى قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[. هل ضرب الخمار على الجيوب وادناء الجلاليب يستلزم تغطية الوجه أولا، وهل الوجه من الزينة الظاهرة التى لا مانع من إبدائها ؟

وكان كرائم النساء يحرصن عليه حياء من الرجال لا أمراً واجباً، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم ينكر على سبيعة بنت الحارث أن اظهرت الكحل والخضاب حتى راها الصحابى أبو السنابل" ومع جواز كشف الوجه يحرم نظر الأجنبى إليه والنصوص فى ذلك كثيرة.[52]

وفى مجلة البحوث الإسلامية التى تصدرها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوى والإرشاد والأمانة العامة لهيئة كبار العلماء جاءت فتوى طويلة مسهبة للشيخ عبدج العزيز بن باز نجتزئ منها.

نهى سبحانه فى هذه الآيات (الآيه 32 والآية 33 الأحزاب). نساء النبى الكريم أمهات المؤمنين وهن من خير النساء وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجال وهو تليين القول وترقيقه لئلا يطمع فيهن من فى قلبه مرض (شهوة الزنا) ويظن أنهن يوافقنه على ذلك وأمر بلزومهن البيوت ونهاهن عن تبرج الجاهلية وهو إظهار الزينة لما فى ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا واذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وايمانهن فغيرهن أولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة عصمنا الله واياكم من مضلات الفتن. ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه فى هذه الآية ]وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[. فإن هذا الأمر أحكام عامة لنساء النبي r وغيرهن وقال عز وجل ]وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ[. فهذه الآية الكريمة نص واضح فى وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم وقد أوضح الله سبحانه فى هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها وأشار سبحانه الى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة وأن التحجب طهارة وسلامة.[53]

"وأما ما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه فسر (ما ظهر منها) بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب. وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع كما سبق فى الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها. ويدل على أن ابن عباس أراد بذلك ما رواه على بن أبى طلحة عنه أنه قال: أمر الله نساء المؤمنين اذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، وبيدين عينا واحدة. وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق. وهو الحق الذي لا ريب فيه. وأما ما رواه أبو داود فى سننه عن عائشة رضى الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنهما دخلت على رسول الله r وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله r وقال "يا أسماء ان المرأة اذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا" وأشار الى وجهه وكفيه. فهو حديث ضعيف الإسناد لا يصح عن النبى r لأنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة وهو لم يسمع منها فهو منقطع ولهذا قال أبو داود بعد روايته لهذا الحديث هذا مرسل، خالد لم يدرك عائشه... ولأن فى اسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته وفيه علة أخرى ثالثة وهى: عنعنة قتاده عن خالد بن دريك وهو مدلس.

ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة، وقد تقدم قوله تعالى: ]وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ[. ولم يستثن شيئا، وهى آية محكمة فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها والحكم فيها عام فى نساء النبى r وغيرهن من نساء المؤمنين. وتقدم في سورة النور ما يرشد الى ذلك وهو ما ذكره الله سبحانه فى حق القواعد وتحريم وضعهن الثياب إلا بشرطين: إحداهما: كونهن لا يرجون النكاح. والثانى: عدم التبرج بالزينة. وسبق الكلام على ذلك وأن الآية المذكورة حجة ظاهرة، وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة."[54] انتهى..

ومعروف بالطبع أن نساء السعودية والخليج يأخذن النقاب، وهو ما نجده أيضا فى اندونيسيا والباكستان وبعض الدول الأخرى، متأثرين بهذه الفتوى وأمثالها.

والركاكة والتحيز فى هذه الفتوى ظاهرة جلية.. وهو ما يجعلنا نؤمن أن الحماسة للنقاب لا تعود الى نصوص قرآنية، قدر ما تعود الى مزاج نفسى، وفكرة سابقة ومؤصلة عن فتنة المرأة، وسوء الظن بالمؤمنيين والمؤمنات.

ويرتكز هذا المنطق على أن الدعوة لكشف الوجه والكفين (التى يطلقون عليها السفور) "هى التى تؤدى الى "الفجور" وتحت عنوان "السفور مطية الفجور" كتب الشيخ محمد احمد اسماعيل كبير السلفيه بالإسكندرية فى كتابه معركة السفور والحجاب "معلوم أن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضا، حتى يعز على العبد مفارقتها، والخروج منها، فكلما فرط من العبد معصية، قالت أخرى الى جانبه: (أعملنى أيضا)، فاذا عملها قالت الثالثة: كذلك، وهلم جرا، حتى تصير المعاصي هيئات راسخة، وصفات لازمة، وملكات ثابتة، بحيث لو عطل المسئ سيئاته لضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأحس من نفسه أنه كالحوت اذا فارق الماء، حتى يعاودها فتسكن فى نفسه، وتقر عينه، ولا يزال المسكين يألف المعاصى حتى ينسلخ من قلبه استقباحها، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، بل يحبها حتى يرسل الله عليه الشياطين تؤزه إليها أزا، فيكونون أعوانا عليه.

إن الذى يسمح لقدمه أن تنزلق خطوة واحدة فى أول الطريق، لا يدري الى أين تسوقه قدماه، وإلى أين ينتهي به السير، لذا كان علينا أن نضع للأشياء حدودا لا نسمح لأنفسنا بتخطيها.

لقد تذرع الشيطان الى الفجور الذي نراه اليوم، ونعانى ويلاته بالسفور كخطوه أولى، يستنزل بها المرأة المسلمة من عليائها وعفتها".

ويستطرد ...

"ولما كان تمسك المسلمين بالحجاب أصلا من أصول نظامهم الاجتماعى، نهج أعداء المرأة المسلمة سياسة تكسير الموجة شيئا فشيئا، وهى سياسة استعمارية معروفة، فكانت الخطوة الأولى إبراز فكرة جديدة كنقطة انطلاق يتبعها ما وراءها، وتضفى عليها الصبغة الدينية الشرعية حتى لا تصدم شعور العامة، ويكون التذرع بالدين وفتح باب الاجتهاد سبيلا الى قبولها، ولا بد فى ذلك من استدراج بعض الشيوخ والعلماء لكي يدلوا بدلوهم فى القضية، باعتبار أنها خلاف فقهي فيه راجح ومرجوح، ومن هنا تبدأ القابلية للتردد وزلزلة الأفكار، أجل لا بد أن يبدأ الزحف بصحبة الشيوخ الذين تقدسهم العامة، والذين يستغلون فى البداية كأسلحة مؤقتة، ولا بأس أيضا بالتنقيب فى الاسفار والبحث هنا وهناك عن عبارات وفتاوى مبتورة تسوغ الأنحراف عن الشريعة، ثم بعد ذلك وبعد تمكن الفكرة الجديدة من القلوب وشن الحملات على ما يخالفها من الأوضاع الاجتماعية السائدة، يبدأ الانخلاع من الدين شيئا فشيئا، لتختفى النبرة الإسلامية حينا، ثم تأتي مرحلة الهدم والضرب العشوائى الذى يحطم كل شئ.

لقد بدأت حركة "تحرير المرأة" على أيدى المتفرنجين، فقلدهم بعض الخطباء الجهلة، والكتاب الفسقة، ونشبت المعركة الأولى أول ما نشبت حول (كشف وجه المرأة) أى السفور، وأقام العلماء الناصحون الدنيا وأقعدوها، ليحبطوا تلك الدعوة إلى السفور، لا لأنه الحكم الراجح في المسألة فحسب، ولكن لأنهم فطنوا لحقيقة الخطة المدمرة التى تستهدف القضاء على المرأة المسلمة، وتحطيم كيانها، لقد نادوا بتخليص المرأة من الحجاب ولزوم البيت، والخضوع للآباء، والخنوع للأزواج، والبعد عن الحياة الاجتماعية والسياسية، وواتت هذه الحركة فرصة وجود الأمة المسلمة مستعبدة للأجنبي الكافر، مستعمرة له، ترزح تحت نيرانه، وتئن تحت كلكله، تتوجب لما يصب عليها من جام غضبه، وما يسومها من سوء عذابه فنسبوا مكرا وخديعة كل ما حل بالأمة المسلمة من تأخر وضعف وهوان، إلى حجاب المرأة وعفتها وحيائها، وبعدها عن التعليم العقيم، والسياسة الفاجرة، والحياة الاجتماعية الفاسدة.

وانخدع كثير من النساء وأوليائهن بتلك الدعاوى المعسولة المسمومة، وأخذت الفتاة المسلمة تتمرد على الحجاب، وتحاول التخلص منه، فبدأت لأول مرة بالقاء البرقع الذي كان على وجهها، ونزع النقاب من الوجه كذلك، فظهرت الوجوه ما يحجبها برقع، ولا يغطيها نقاب، وانا لله وانا إليه راجعون.

لقد كانت خطوة جريئة من المرأة يومذاك، صفق لها دعاة السفور، وعباد الشهوات، ورواد الفجور ..

ثم كان أن خطا الناس الى أبعد مما نادى به قاسم أمين، فقد زعم أنه إنما يدعو الى الوقوف بالحجاب عندما أمر الله به، ولم يدع قط الى كشف العورات كالأذرع والسوق وغيرها، ولم يدع صراحة الى الاختلاط بالرجال ومراقصتهم، كلا ولا دعا الى شئ مما نراه الأن من انحطاط وتهتك، ولكن قاسم أمين وان لم يدع الى ذلك صراحة هو الذى فتح الباب لهذه الدعوات، وهو الذى سن تلك السنة القبيحة، سنة السفور، لتكون ذريعة الى ما تلاها من فساد، وهو الذى خطا بالمرأة المسلمة فى طريق يعلم كل عاقل ان الناس لابد ان يسيروا فيه من بعده خطوات وخطوات.. ويعلم كل مدرك واع ان الخلف بين المسلمين وبين الغربيين فى هذه القضية خاصة مما لا يرجى معه اتفاق إلا بفناء أحد المذهبين فى الأخر تماما، وبلا قيود وبلا حد وسط.

ومعظم النار من مستصغر الشرر.

أخذت الأمور تطور سريعا حتى استنفدت دعوة قاسم أمين – فى وقت وجيز – كل اغراضه، وسارت الحال على سنة التدرج المعروفة، واندفع الناس إلى ما وراء السفور فى سرعة غير منتظرة، وقد بدات الفتنة العظمى بأن خلعت المرأة النقاب، وخلعت معه ما هو أغلى منه ثمنا، ألا وهو ثوب الحياء الذى طالما صان وجهها ان يكون معروضا مبذولا لكل من شاء أن يراه من أجنبى أو فاسق أو كافر، ثم استبدلت المرأة المعطف الأسود بالحبرة.[55] وما هى إلا فترة من الزمن حتى امتدت يد التحرر إلى الخمار الذى كان لا يزال يستر شعر الرأس، وبدأ لأول مرة شعر المسلمة مكشوفا لا شئ عليه يستره عن أعين الناس من أجانب وأقارب، وبذلك شل جسم الحياء فى المرأة، ولم يعد قادرا على منعها من أن تحدث، وتجالس، أو تصافح، وتضاحك من شاءت من الرجال عامة، وأصدقاء وأقارب الزوج خاصة، وان بعدوا أو سفلوا.

وتأتى بعد ذلك الخطوة الأكثر جرأة اذ تعمد المرأة الى ملاءتها أو عباءتها أو معطفها، فتلفها كالثوب الخلق، وترمى بها بعيدا عن ساحة الحياة، وتخرج المرأة المسلمة لأول مرة فى تاريخ اسلامها فى درع سابغ مزين بالألوان المزخرفة، تحته غلاله لطيفة، وما فوقه شئ..

ثم اذا بالمقص يتحيف هذه الثياب في الذيول والأكمام، وفي الجيوب، ولم يزل يجور عليها، فضيقها على صاحبتها حتى أصبحت كبعض جلده، ثم أنها تجاوزت ذلك كله الى الظهور على شواطئ البحر في المصايف بما لا يكاد يستر شيئا، ولم تعد عصمة النساء في أيدى أزواجهن، ولكنها أصبحت في أيدى صانعي الأزياء في باريس وغيرها من اليهود ومشيعى الفجور."[56] انتهى

لقد عرضنا هذه الفقرة على طولها لأنها تعرض جانبا من "نفسية" هذه الجماعات ليمكن فهمه، ومما يكشف جانبا آخر من نفسيتهم ما جاء فى كتاب " فصل الخطاب فى مسألة الحجاب والنقاب" .

"إن المسئولية عن الحجاب مسئولية مشتركة بين ثلاثة: المرأة المسلمة، وولى أمرها العائل لها، وولى أمرنا وهو الحاكم.. فهو مسئول عن الحجاب، وتوفير الإمان الغريزى للرجل والمرأة.. وهو ما أسميناه بالحق الوقائي فى صيانة العرض، باعتباره واحدا من أهم حقوق الإنسان داخل المجتمع الإسلامى دون غيره من المجتمعات.. وسيكون هذا الموضوع برمته محلا لدراسة خاصة فيما بعد ان شاء الله تعالى، حيث نستعرض الأدلة على مسئولية الحاكم المسلم عن هذا الحق الذي ضاع واندثر فى بلاد المسلمين... وكما يكون مسئولا عن الحجاب، فهو مسئول أيضا عن الأمر بغض البصر.. ففى كلا الأمرين يأتي خطاب الله تعالى إلى نبيه r والى من تولى أمر المسلمين من بعده فى قوله تعالى: ].. قل ..[، وفى غض البصر قال الله تعالى : ]قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم..ْ[.. ]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ[. ليتبين لنا من ذلك أن كلا من هذين الأمرين – الحجاب وغض البصر – ليس شيئا هينا يكفى لامتثاله إيمان المؤمن أو المؤمنة فحسب بحيث ينفرد كل منهما بتحقيق هذا الأدب أو ذلك، بل لا بد من أن تكون هناك قوة حاكمة، وسلطة رائدة – كسلطة النبى r وإمام المسلمين وحاكمهم فى كل عصر تقوم على تحقيق هذه الأداب بما منحها الله من قوة السلطان وحراسة شرع الله فى الأرض، فتذكر المؤمنين به، وتراقب تطبيقه، وتتخذ ما تراه من اجراءات وقائية، تؤمن الأفراد على غرائزهم وأعراضهم، وتدابير احترازية تحفظ للناس إنسانيتهم وكرامتهم، حتى يتميز المجتمع الإسلامى عن غيره من المجتمعات.. فهو فى مقابل تقييده الشهوات، لا بد أن يمنع الإثارات، ويقى الغرائز الصراعات ليتحقق العفاف، ويسود المجتمع الحياء.[57]

وحدثت تطورات سياسية فى مصر أعطت هؤلاء دفعة فى عهد السادات رحمه الله عندما اعتمد عليهم فى كبح جماح الناصرين والشيوعيين فأساءوا واسرفوا وسيطر مئات منهم على الجامعات وارادوا فرض المنقبات على كليات الطب، وفى سنة 1985 حدث ما سمى بمعركة النقاب وهى كما يرويها الدكتور احمد شوقى الفنجرى فى كتابه النقاب". وتبدا القصة بان بعض طالبات الجامعة وخاصة كلية الطب قد اخترن لبس النقاب والقفازات لتغطية وجوههن وأيديهن وقد استدعاهن العميد وأبلغهن بأن لائحة الجامعة لا تسمح للطالبة باخفاء وجهها لما فى ذلك من مشاكل الأمن الى جانب صعوبة تلقى العلم فى الدروس العملية.. وفى يوم الأمتحان أصر الممتحنون على عدم إجراء الأمتحان إلا بعد أن يكشفن وجوههن.. حتى لا يكون هناك مجال للتزوير أو أن تنتحل إحداهن شخصية الأخرى وتطور الأمر بعد ذلك بسرعة حين أصرت الطالبات فتدخل رجال الشرطة.. ثم تدخل الطلبة من أعضاء الجماعات الدينية المتطرفة فتدخل الطلبة المعارضون لهم وأفلت الزمام وانقلب الموقف الى مظاهرات عنف من الجانبين.. ثم انتقلت المعركة الى صفحات الجرائد اليومية فى مصر ومنها انتقلت الى جميع الصحف فى دول العالم العربى وخاصة دول الخليج والسعودية حيث يعتبر بعضهم أن النقاب من أوامر الدين.. وأن خلعه إهدار للشريعة ومخالفة لأوامر الله."[58]

وليس من العجيب مع هذا الهوس أن يستوقف بعض الطلبة أساتذة لهم يسيرون مع سيدات ليسألوهم عن علاقتهم بهن كأن الله تعالى جعلهم رقباء فى الأرض وأعطاهم سلطة التفتيش ومعرفة الانساب. ومع من أساتذتهم فى الجامعة.

إذا كان هذا هو المنطق الذى سيطر على السلفيين وجعلهم يتمسكون بالنقاب، فلنا أن نتصور مدى تغلغل هذا المنطق فى عصور الجهالة التى استحوذت على العالم الإسلامى القرون السبعة الأخيرة ..

على أن من الحق أن نعترف أن للقوم سندا مما كان ممارسا فى بعض عهود الإسلام، يصرف النظر عن اتفاقه مع الأصول الإسلامية، لأن الممارسات لا تكون دائما مقننة، ولا نلتمس الحكم على المبدأ من الممارسة، وإنما يكون الحكم على الممارسة بالمبدأ ..

وقد عرضنا للطريقة التى تحول بها الحجاب الى نقاب فى ختام الفقرة السابقة، ويتضح منها قوة العوامل التى أدت إليه، بحيث استسلم الفقهاء أمامها حتى ظل النقاب مفروضا على المرأة المسلمة لألف عام. وظلت محبوسة مخبوءة فى البيوت، محرومة من العلم والعمل فلا عجب إذا ظهر دعاة للنقاب فى هذا العصر، واذا اتصفوا بهذه الصورة من الضيق والتعصب.

والعقم الذي تكشف عنه كتاباتهم التى عرضنا فقرات منها، وفى الوقت نفسه فلا قيمة لهم لأنهم من الغثاء والزبد الذي يذهب جفاء.

0 التعليقات:

إرسال تعليق