الخميس، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٩

عن أي حجاب تتكلمون ؟؟ رابعاً: الحجاب الحديث "كشف الوجه والكفين" خامساً: الحجـاب اليـوم

___________________________

أخيراً نأتى الى الصورة التى انتهت إليها المرأة المسلمة الحديثة لكى تجمع بين اسلامها وبين حرصها على انسانيتها والتجاوب مع ضرورات العصر والحياة وهو الذي يغطى الجسم باستثناء الوجه والكفين وله عدة صور تدور كلها حول "إيشارب" أو طرحة تشد على الرأس عند الجبهه لتغطي الشعر ثم تلف بها الرقبة بحيث يستر الصدر وتنسدل على الكتفين. وبهذا يتحقق النهى الشائع عن ستر الشعر والصدر. وهذه الصورة من الحجاب أقرها معظم الفقهاء المعاصرين.

وقد قلنا فى الفصل الأول ان هذا الزي أمر مقبول وسائغ خاصة إذا وضعنا فى تقديرنا أن الأصل هو تغطية الرأس للرجال والنساء لأنه يحتاج الى حماية ووقاية والرجال يغطون رؤوسهم ويسترون شعرهم دون أن يتضمن ذلك ضيقا أو حرجا وهو لا يطمس شخصية المرأة.

وشخصية المرأة تتجلى أول ما تتجلى فى وجهها ويديها وهما مكشوفان باديان.ولهذا الزى مزايا أخرى أشرنا إليها أبرزها أنه عملى ومريح.. ويمكن القول ان نساء الإسلام نجحن فيما فشل فيه رجال الإسلام: أن يجعلن لهن زياً موحداً على مستوى العالم بحيث يكون هذا الزى "كالماركة المسجلة" للمرأة المسلمة، فلا يكاد يظهر فى صورة حتى دون أى كلام حتى يمكن القول أن الصورة لامرأة مسلمة، وهو انجاز ..ولكن هذا الحجاب يثير عددا من القضايا

فاذا كنا نقبله ولا نرفضه، فان هذا لا يعنى أنه مفروض على النساء بحكم الإسلام، وأن من لا تلبسه تجاوز الإسلام. إن الآية ]وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[ التى اتخذوها دليلا لا يدحض على تغطية الشعر، لا تعطى هذا المعنى لأن الآية أقرت بوجود الخمار عند نساء العرب وأمرتهن بأن يضربن به على جيوبهن. فالآية لم تأمر بالخمار ولم توجبه ولكنها وجدته مستخدما عند المرأة العربية. والإقرار بالوجود يختلف عن الأمر والإيجاب ويمكن للاقرار أن يكون فى إطار "المباح" ولكن ليس في إطار المفروض.

لهذا فان من تفضل زيا آخر مخالفاً، فاننا لا نستطيع أن نشهر عليها دعوى مخالفة الإسلام، ولا ندعى لأنفسنا حقا فى التدخل فى أمر من أخص شئون المرأة، وهى صاحبة الحق المطلق فيه باعتبارها إنساناً.

ونحن لا نجد نهيا صريحا محددا عن ابداء الشعر أو الذراعين أو بعض الساق. لأن القرآن لا يذكر التفاصيل، ولكن يقدم التوجيهات العامة. والتوجيهات العامة هى البعد عن الإبتذال والتبرج فصبغ الوجه بصورة فاقعة وتقصير الثياب الى المينى جيب والميكروجيب، وأن تكون ضيقة لصيقة بالجلد. شفافة الخ... هذه كلها صور تدخل فى التبرج الذى ينهى عنه الإسلام وتبعد عن الحشمة التى ينشدها الإسلام. أما آية ]يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ[. فقد ذهب المفسرون القدامى أنها تعنى حجب الوجه (والشعر طبيعيا) على نقيض ما فهمه المفسرون المحدثون من أنها ادناء الثوب حتى يجرجر على الأرض. وأن تكون الثياب قصيرة أو طويلة مسألة عرف ولحقبة طويلة كانت قاعدة "تحت الركبة بشبر" معياراً مقبولاً.

ولكن هناك شقة كبيرة بين هذا التبرج والإبتذال وصور أخرى سمح بها العرف وتقبلها المجتمع دون أن يتقيد بما ذهب إليه البعض عن الحجاب.

وقد يلقى على القضية ضوءا أنها تعالج جانبا من "الأداب" وليس من العقائد. ولا جدال فى أن هناك فرقاً ما بين العقائد التى هى صلب الأديان.. والأداب التى تتأثر بالأعراف والأوضاع والضرورات والتطورات والصور العملية المادية للمعيشة الخ… كما قد يختلف بالنسبة للمرأة الشابة التى تدفعها حيويتها لصور من التجمل قد تكون من حقها ويصعب منعها وإن لم تكن ُتعنى بها من هى أسن أو من شغلتها الأعباء والإلتزامات – فضلا عن التعدد فى الأذواق والميول الذى لا يمكن حصره.

لهذا فان الأديان تقدم الخطوط العامة. وتأمل نص الآية ]وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا[. فان هذا التعبير يفتح العديد من التفسيرات والتأويلات بحيث يدخل فيها الدملج والقلادة والحلق (والفقهاء يقولون ان الأذنين من الوجه). وهى تقر ضمنا ابداء الزينة الظاهرة.

وحتى عندما تخالف الممارسات هذه الخطوط. فانها تعد مما تصلحها الأعمال الطبية أو من السيئات التى افترضت الآية وقوع المؤمنين فيها لاقترانها بالضعف الإنسانى أو أنها من السيئات التى يتجاوز الله تعالى عنها، لأن الظروف هى التى أدت إليها ولا يتشدد الإسلام إلا فى الشرك والظلم أما فى غيرهما فلعل شعاره "لا حرج".

والمنطق فى هذا هو أنه اذا أعطينا القضايا الصغيرة أهمية أكبر مما تستحقه فان هذا سيكون على حساب الأهمية التى يجب أن نعطيها لقضايا أكبر. وهو ما يؤدى الى الإخلال بالأولويات.

أما ما جاء عن آن النار من مستصغر الشرر، والأهتمام بما حقر من الأعمال، فانه توجيه أريد به عدم الإنسياق فى التساهل حتى نصل من النقيض الى النقيض – من الإفراط إلى التفريط.

وما جاءت به الآيات من إدناء الثياب، وغض البصر وتغطية الجيوب يدخل فى هذا القبيل وآراء المفسرين لا تمثل إلا اجتهاداتهم وفهمهم والأخذ بها من باب لزوم ما لا يلزم فضلا عن أننا نحن أدرى بتفسيرها منهم فى ضوء الأوضاع والتطورات التى لم تكن قائمة وقتهم.

ونبرة التشدد التى تصل الى التعصب، بل قد تصل الى "التوثين" هذه لا قيمة لها، فهى ليست إلا الفكر المعهود فى كل الأديان. وبالنسبة لما نحن بصدده فانها النزعة الذكورية المتأصلة التى تقترن بالتشدد "وسد الذريعة" فتصل الى أقصاها ...

f

وإذا كان الغرض من الحجاب هو ستر الشعر، فهل يمكن ستر الشعر بأي وسيلة.. أم لا بد من "الخمار" الذى ورد فى الآية عندما توجهت الى العرب فى عهد الرسول؟ فهل يمكن مثلا أن يستر بقبعة.. أو بطاقية أو بقلنسوة ..

وهل مما يدخل فى الحجاب أن يكون بعيدا عن أى اثارة جمال فيه حتى ينال النهى عن الشعر الجميل الحجاب الجميل أيضا ويظن أن بالإسلام عداوة الجمال.. وأن الحجاب بقدر ما يكون قبيحا منفرا بقدر ما يقرب من الإسلام لأنه يبعد الفتنة ؟

هذه نواح لا أعلم أن أحدا من الذين عالجوا قضية الحجاب أشاروا إليها أو فكروا فيها.. لأن الفكرة عن الحجاب وصلت الى درجة "التوثين" التى تشل أى فكر.

f

إن أى حديث عن الحجاب الذى كان طوال العصر الإسلامى النقاب لا يعد كثيراً، لأن الحجاب كان هو مدخل تغييب المرأة عن المجتمع، وطمس شخصيتها ووأد ملكاتها، وما يمثله هذا كله من شل الأمة وتأخرها.

لقد وجد النقاب فى المجتمع الإسلامى لأن جذوره كانت موجودة فى العالم باسره، وفى الجزيرة العربية، وحال قصر الحقبة النبوية دون استئصاله، ثم ُبلى هذا المجتمع بالمؤثرات اليونانية، والفارسية، والتركيه وكلها كانت تبعد المرأة عن المجتمع وتحرمها من المشاركة مع الرجال فوضعت الأحاديث وفسرت الآيات بما يتلاءم مع ذلك. وتوالت القروت وتكاثفت الغشاوات، حتى اصبح هذا النقاب المغيب رمز فخر الإسلام وعزته وقوته، وهو ما يتلاءم مع ما وصل إليه المجتمع الإسلامى من جهالة وانحطاط.

وما يريده الإسلام حقا هو البعد عن التبذل والتبرج والفحشاء دون أن يقرر زيا معينا، والزى بعد ليس قضية عقيدة، وهو يمت الى المجتمع، والتطور، أكثر مما يمت الى الدين، ولذلك وضع الإسلام توجيهات عامة، تسمح بالكثير مما تضيق به العقول المتجمدة، أو المشلولة، وحتى إذا خولفت فإنها تعد من اللمم الذي يندر أن لا يقع فيها الناس بحكم الضعف البشرى، أو من السيئات التى يتجاوز عنها الله تعالى ..

ولو فهم هذا من قرون خلت لما تخلف المجتمع المسلم ولما سقطت الأمم الإسلامية الى درك المذلة والمسكنة، دون أن يكون فى هذا مخالفة للإسلام بل تطبيق له.

z

خامساً: الحجاب اليوم

_____________

تصورنا أننا فى الكلمات السابقة قد أوفينا موضوع الحجاب حقه، ولم يعد هناك ما يضاف. ولكن بعض الكتابات الأخيرة أظهرت أن الحجاب بمعناه السلفى – أى النقاب (مضافا إليه العزل عن الرجال) – لا يزال متمكنا فى المجتمع الإسلامى سواء كان فى مصر، أو حتى فى أوربا، فقرأنا فى الشرق الأوسط (العدد الصادر أول فبراير سنة 2002 تحت عنوان "صورة بالحجاب تجر ولاية أمريكية فى المحاكم" وجاء فيه أن أمريكية معتنقة للإسلام، لا يزيد عمرها على 34 سنة، واسمها سلطانة فريمان، جرت أمس ولاية ايلينوى إلى المحاكم دفاعا عن ارتدائها للحجاب، حتى فى صورتها على رخصة قيادة السيارة، وفق ما قالته دائرة السير بمدينة أورانج التى منحتها الرخصة فى فبراير ( شباط ) الماضى بصورة لها محجبة.

لكن تفجيرات واشنطن ونيويورك قبل 4 أشهر لم تعد تسمح بصور محجبة للنسوة هناك فألزموها عند طلب تجديد الرخصة قبل أسبوع بصورة جديدة لها بلا حجاب هذه المرة.

وسلطانة رفضت بالطبع، قائلة: "لا يرى وجهى إلا زوجى وأبنائى الثلاثة، وهكذا هى عقيدتى، وسأريكم فى المحاكم، على حد تعبير المرأة التى كانت مبشرة مسيحية قبل 5 سنوات، وأصبحت أمس ثالث امرأة تقاضى الولاية وقوانينها برمتها".

الشاهد فى كلام السيدة الأمريكية هو "لا يرى وجهى إلا زوجى وأبنائى الثلاثة" فهو ينم عن ايمان عميق بحجب الوجه إلا عن الزوج أو الأبناء. وهو أشد صور الفهم ضيقا لهذه النقطة.

وفى جريدة الشرق الأوسط أيضا جاء فى العدد الصادر فى 4 فبراير سنة 2002 "فتاتان تختبران الحكومة السنغافورية بإرتداء الحجاب. واليوم هو آخر موعد لهم للإلتزام بالزى الموحد. جاد فيه أن والدى الطالبتين نور النصيحة وستى فرويزه محمد قرراً إرسال أبنتيهما إلى المدرسة مرتديتين الحجاب.واليوم هو آخر موعد أمام الفتاتين للالتزام بالزي الموحد. وأوضح رئيس الوزراء جو تشوك تونغ أنهما ستوقفان عن الدراسة في حالة وصولهما إلى المدرسة بالحجاب ".

وليست هذه إلا إشارات عابرة من جريدة واحدة لفتت أنظارنا دون تعمد، لأننا لو أردنا استقصاء مثل هذه الحالات لوجدنا العديد فى الصحف الأخرى. ومعروف أن حجاب التلميذات المسلمات فى فرنسا وسويسرا تسبب فى مشاكل عديدة واجتهادات مختلفة ما بين الأحتفاظ به كعادة أو كالإلتزام دينى أو حتى كحرية شخصية. وبين ما يثيره هذا من فرقه فى الحد الأدنى للثقافة المشتركة والواحدة من أبناء الوطن الواحد ..

والحقيقة المفجعة أن الحجاب، حتى عند من يرون فرضيته، انما يكون لمن "بلغ المحيض" من النساء كما هو فى حديث معاذ المشهور. أما من لم تبلغ المحيض كما هو الحال فى فتيات المدارس الأبتدائية فليس له محل. وانما غابت هذه الحقيقه عن أذهان الجميع لأن الذي فرض الحجاب عمليا هى التقاليد أو الفكر المغلوط وليس الإلتزام الدينى.

f

فاجأتنا جريدة أخبار اليوم التى تصدر فى القاهرة يوم السبت 29/12/2001 بتخصيص الصفحة الأولى وصفحتين فى الداخل لموضوع هو "رسالة من سيدة مجهولة" أرسلتها السيدة المجهولة إلى الأستاذ إبراهيم سعده رئيس التحرير (كما قال) وتردد فى نشرها حتى قرر فى النهاية نشرها…

الرسالة طويلة مسهبة وقد أخـذت معظم المساحة فى الصفحات الثلاثة ...

الرسالة باختصار من سيدة تزوجت بمن أحبته، ومن أبدى لها العطف والحنان.. ولكن هذا الملك الرحيم استحال بعد أسبوع من شهر العسل إلى شيطان رجيم يفرض أوامره على زوجته الشابة ولا يطلب منها مناقشة ولكن الإلتزام الفورى ..

وكانت أوامر الزوج :

أولا: قطع علاقتك بالعمل نهائيا. ليس مطلوبا منك تقديم استقالتك، وإنما المطلوب أن تتغيبي عن عملك بدون عذر، حتى يتم فصلك بعد غياب 15 يوما.. طبقا لقانون العمل، ودون الحصول على أى حق من حقوقك، لأننا لسنا فى حاجة إليها".

ثانيا: مطلوب منك التخلص فوراً من كل هذه الموبقات التى تضعينها تحت المرآة "الشوفينيرة" من أحمر وأزرق وأخضر وأسود. أريدك كما خلقك الله، بدون تزويق ولا تجميل زائف. لقد رضيت بك رغم دمامتك، ورغم ترهل جسمك.. وفى المقابل فانني أنتظر أن تحافظي على ما وافقت عليه، وأن تشكريني على ما رضيت به، وكان يمكن أن يرفضه غيرى من الرجال".

ثالثا: إرتداء ما يخفيك عن أنظار الرجال الفاجرة ويحميك من شهواتهم الحيوانية.

رابعا: لقد عشت طوال سنوات طفولتك وشبابك وأنت سافرة الوجه، مكشوفة شعر الرأس.. وهذا ذنب جسيم سيحاسب عليه أبوك وأمك واخوتك الرجال، قبل أن تحاسبى عليه. لقد كنت ضحلة التفكير، وضئيلة الإيمان، ومهووسة بما يعرضه التليفزيون من موبقات وخطايا لا يقبلها دين أو عرف أو شرف.. ان الله رحيم وغفور لعباده.. ومن حسن حظك أن الله سبحانه وتعالى قد منحك فرصة عمرك بطلبي يدك، لانفذك من عذاب جهنم الذى كان مصيرك لا محالة لو انك تزوجتى من رجل غيرى لا يؤمن بما اومن به، ولا يهمه ختام حياتك كما شاء قدرى أن أهتم به. مطلوب ابتداء من هذه اللحظة ان تقومى – بعد انتهائى من هذه الجلسة – بتمزيق كل ملابسك، وحرق كل اثوابك الحريرية – الخارجية منها والداخلية – وتحضرى خياطة لتفصل لك الثوب الوحيد الذى يجب على المرأة المسلمة إرتداءه داخل بيتها، وخارجه. لقد اجمعت الأراء حول مواصفات هذا الزى الإسلامى – نقلا عن الرواة، وبداية من رسول الإسلام سيدنا محمد r انه الثوب الذى يغطى جسد المرأة من اخمض قدميها حتى أعلى شعرة فوق راسها, لن اقبل بالحجاب الذى يثير اكثر مما يحصن، ولن اقبل بأثواب ملونة بغير اللون الأسود، ولا اسمح بأيد عارية دون "جوانتى" من الصوف الأسود أو الأبيض يخفى اليدين، إلى جانب الشراب السميك الأسود الذى يخفى القدمين قبل إدخالهما فى الشبشب أو الحذاء. الثوب الإسلامى الأكيد هو الذى لا يسمح باكثر من "ضربة موسى" واحدة ورفيعة، بعرض مساحة العين – يمينا ويساراً – يمكن من خلالها الرؤية التى تحمى من الإصطدام بأى عائق أمامك."

ورفضت الزوجة وعادت إلى بيت أهلها واتصل أبوها وشقيقه بزوجها، ثم عادا ليقولا إن الرجل فوجىء بثورتنا عليه وأنه كان ودودا إلى أقصى درجة وأن هدفه من وراء فرماناته الأربعة كان حرصه على حمايتى وحفاظاً على قناعتى الدينية لا أقل ولا أكثر ..

ورضخت "المرأة المجهولة" لمطالبه لأنها كانت أسيرة حبه …

وهى تقول :

1. انقطعت عن عملى بدون عذر لأكثر من 15 يوما، ولم أرد على مكالمات واتصالات وخطابات ادارة الشركة التى كانت حريصة – حتى آخر لحظة – على الأحتفاظ بى موظفة جديرة بتحمل مسئولية ما كلفت به.

2. رميت بكيس الزبالة بكل مستحضرات التجميل، ولم أعد أفعل بوجهى أكثر من غسله بالماء، الذى يتكرر خمس مرات يوميا.. وقبل كل صلاة.

3. وزعت كل ملابسى على كل المحتاجين لها، وبعضها حصلت عليها شقيقتى، وبعض صديقاتى.

4. جاء زوجى بخياطة منقبة، لم أر وجهها حتى هذه اللحظة، رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على ترددها سنويا على بيتى، وأصبحت مصدرى الوحيد – أمس، واليوم، وغدا – للحصول على الثوب "الدينى" طبقا لشريعة الله.. كما اكد لى زوجى الذى يتوهم أنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ الفتيات والنساء المسلمات من أخطائهن وخطاياهن !

لا تتعجب يا سيدى.. فالنقاب يجب الإلتزام بارتدائه طوال الساعات التى أمضيها فى البيت، وليس باعتبارى "عورة" بالنسبة لزوجى "المتدين" وإنما لأسباب أخرى، سيأتى ذكرها لاحقا.. ولن تكون مقنعة لك، تماما كما أنها لم تكن مقنعة لى، ولا لكل من سمع عنها.. من أقاربى، ومعارفى، والغرباء عنى !

تذكر السيدة المجهولة انها عاشت مع زوجها قرابة ربع قرن أنجبت خلالها ست أبناء: أربع بنات وولدين فى كل مراحل الدراسة من الأبتدائى حتى الجامعة. وتذكر انه لولا أن سنها لم يعد يسمح بالإنجاب لجاءت بالمزيد لأن زوجها فى سعة من العيش، ولأنه يريد زيادة نسل أمة محمد.

وتستطرد السيدة المجهولة فتقول إن زوجها "أصدر فرمانا" يقضى بحظر الضحك فى شقتنا "إن الضحك صفة من صفات الشيطان الذى لا هم له ولا هدف إلا إفساد المسلمين. فاختفت الضحكات ..

وتتحدث السيدة المجهولة عن شقتها ونفسها :

تخيل عزيزى الكاتب الصحفى – حجم الكابة التى خيمت تحت سقف غرف شقتنا نتيجة للالتزام بتنفيذ "فرمان" يحظر، ويحرم الضحك، تطبيقا لتعاليم زوجى الذى يزعم أنها "مستوحاة" من تعاليم وينود ونصوص الشريعة الإسلامية.

وتخيل ايضا كيف يكون بيت يمتلئ بالأطفال الصغار، ويحظر فيه الضحك، أو اللعب لأن "قراقوش عصره وزمانه" منع أولاده بدءاً من سن الرابعة من الضحك أو اللعب، وجاء بشيخ ضرير ليحفظهم القرآن طوال ساعات النهار، بما فيها الدقائق التى نجتمع خلالها حول المائدة لتناول وجبتى الغداء، والعشاء.

أطفال لم يبلغوا سن الإلتحاق بالمدرسة الأبتدائية.. ولم يعرفـوا بعد الفرق بين "الألف" و "الباء" ورغم ذلك أجبرناهم على ترديد وحفظ ما ينطق به الشيخ الضرير، دون أن يفقهوا كلمة واحدة مما يحفظونه عن ظهر قلب، ويرددونه ويكررونة لساعات وساعات.

فوجئت به يطلب منى تغطية شعر الطفلة بمجرد بلوغها سن الرابعة، ثم النقاب بعد بلوغها سن السابعة وما بعدها. وحتى أكون "قدوة" لبناتى، فقد أمرنى بارتداء النقاب الأبيض داخل المنزل، ولا أخلعه أبداً أثناء قيامى بالأعمال المنزلية من تنظيف وغسيل وطبخ، حتى لا يشجع ذلك بناتنا على خلع النقاب خارج المنزل وبعيداً عن عيوننا !

نسكن فى شقة كبيرة مكونة من 5 غرف وصالة واسعة، وهناك جهاز تسجيل فى كل غرفة، وكل ركن، وفى الوقت نفسه لا يوجد أى جهاز تليفزيون، أو جهاز راديو، لأن كلا الجهازين بدعة يحرمّها الدين، وتبلبل أفكار الأولاد والبنات، وتصرفهم عن الهدف الأوحد من وراء خلقهم فى هذة الدنيا الفانية.

أجهزة التسجيل وحدها هى المسموح بتشغيها طوال ساعات النهار، وحتى نأوى إلى فراش النوم. هناك أكثر من جهاز خصصه زوجى لسماع آيات القرآن الكريم. وباقى الأجهزة مخصصة لإذاعة أحاديث علماء الدين، ودعاته، من مصريين وعرب.. لدينا مئات من هذه الأشرطة التى يزداد عددها، أو يتناقص لأسباب أصبحنا نعرفها، ونتوقعها فى أى لحظة.

فإذا غضب الزوج على أحد الدعاة لوشايه أو غيرها نادى على زوجته بان تحضر "الحلة الكبيرة" فتحضرها ويكون قد وزع أشرطة الداعية المغضوب عليه على أبنائه "للذكر مثل حظ الأنثيين" ويرمى كل واحد بالأشرطة فى "الحلة" ويسكب عليها كيروسين ويوقد النار ..

وبالنسبة للتعليم فقد أجاز زوجها للولدين التعليم حتى الجامعة، أما البنات فقد أختار لهن معهداً دينياً قريباً من منزلنا ليتعلمن فيه ما لا علم لى ولا له به من تعاليم الدين وشريعته. التعليم فى هذا المعهد – وهو عبارة عن شقة فى الدور الأرضى – لا يقبل غير الفتيات الصغيرات، ولا علاقة بين ما يدرس فى فصوله وبين مناهج التعليم الحكومية، وبالتالى فإن الشهادة التى يمنحها فى نهاية المرحلة الدراسية لا تجد من يعترف بها أو تساوى أكثر من ثمن الورق الذى كتبت بياناتها عليه.

الأبنة الكبرى، والثانية، أنهتا دراستهما الأبتدائية فى هذا المعهد، ثم انتهت علاقتهما به، وقرر زوجي بقاءهما فى البيت، وجاء لهما بالشيخ الضرير ليواصل تعليمهما الدينى الذي يجب إلا تحصلا عليه خارج جدران المنزل، أما الأبنتان – الثالثة الرابعة – فهما فى سن تسمح لهما بالتردد على "المعهد" الدينى، إلى أن تعودا نهائيا إلى البيت بمجرد الإنتهاء من المرحلة التعليمية الدينية الأبتدائية ..

وتقول السيدة عن الولدين اللذين شبا.. فى البداية كنت أشفق على الولدين من الحياة التى فرضت عليهما، وكنت أبكى بحرقة وأنا أراهما محرومين من اللعب مع أولاد الجيران. ومنعهما من التردد على النادي فى أيام الجمعة، والأجازات، ورفض ذهابهما إلى دار السينما، إلى جانب حرمانهما من وجود جهاز تليفزيون يشاهدان برامجه، وعدم وجود جهاز راديو يستمعان إلى ما يذيعه من نشرات أخبار وبرامج وموسيقى، وغناء !

ولكنها فجعت عندما رأت أنهما قد تشربا أراء أبيهما حتى الثمالة، وإنهما يطبقانها حرفيا فى المدرسة والجامعة والبيت..

وتستطرد …

والأخطر من هذا.. أن طالب الجامعة أصبح – فى افكاره – أكثر تطرفا من أبيه، وأكثر منه حماسة ورغبة فى انقاذ الكرة الأرضية من مباذل، وخطايا، وموبقات، وكفر سكانها غير المؤمنين وغير الملتزمين بالأفكار التى يصر على أنها أنزلت فى كتاب الله وأحاديث رسوله r.

كان الأب – بحكم سنه – يكتفى بالقول، أما الأبن فإنه يرى أن فرض الإلتزام بهذه الأفكار لا تجدى معه الهداية بالموعظة الحسنة، ولابد من استخدام "اليد" – أى القوة – فى إجبار الشعب على الإلتزام بما فرض عليهم الإيمان والإلتزام به حرفيا.

وفى الرسالة إشارات طويلة إلى قيادة المنقبات للعربات ودخولهن وخروجهن من المطارات. أو قاعات الأمتحانات كما لم يفتها أن تورد إشارة إلى سعادة ولديها بأحداث سبتمبر.. وتختم بملاحظة أن من أسخف الأمور أن نهلل اليوم لتحرير المرأة الأفغانية بعد سقوط طالبان وتنظيم القاعدة فى الوقت الذي نتجاهل ما يحدث للمصريات..

وختمت الرسالة بكلمة "طبق الأصل."

f

شغلت رسالة المرأة المجهولة ثلاث صفحات كاملة فى جريدة أخبار اليوم هى الصفحة الأولى، ثم صفحة 14 و15 وبالطبع فإن إخراج رسالة السيدة المجهولة بهذه الصورة يعد أمراً شاذاً. فما أكثر المآسى التى يحفل بها المجتمع المصرى وما أكثر مفارقاته ما بين سكان القبور وأصحاب اليخوت والمدن السياحية الخ …

لم يقف الأمر عند هذا، فان قضية حجاب السيدة المجهولة شغل صفحتين كاملتين من العدد الثاني (5 يناير 2002) هما ص16 و17 ضمت التعليقات التى جاد بها القراء ..

تشككت بعض الردود فى صحة الرسالة وأنها ليست إلا إحدى أفاعيل إبراهيم سعده "وتقليعاته" ورأى أحد أعضاء مجلس الشورى الذي أرسل تعقيبه تحت عنوان "لم أفهم ماذا يريدون". "ووجه حديثه للأستاذ إبراهيم سعدة" استخدمت هذه الأحداث المتناثرة التى لا تمثل ظاهرة وصنعت منها قصة خيالية مأساوية وبأسلوب أدبى بليغ استطعت حبك الرسالة لتظهر للقارئ أنها قصة حقيقية ولكن المتابع لأسلوبك لابد أن يقطع بأنه لا توجد سيدة تستطيع كتابة مثل هذه الرسالة بهذا الأسلوب الأدبى الرفيع إلا أن تكون أديبة لها باع طويل فى الأدب والكتابة".

وقال معلق آخر تحت عنوان "ما المقصود بالضبط من نشر هذه الحكاية". "قرأت حكاية السيدة المجهولة... واسمح لي أن أقول لك أن اعتقادي، واعتقاد كل من قابلتهم ممن قرأ هذه الحكاية، أن هذه السيدة من بنات أفكارك".

واستطرد المعلق أن القصة لا تتطلب ثلاث صفحات كاملة من أخبار اليوم وضرب أمثلة على ذلك ثم قال "إننى أتساءل ما هو المقصود من نشر حكايتكم تلك؟ وما هو المطلوب تحقيقه؟ هل المطلوب منع الصحف والمجلات والمدارس والمساجد والزوايا من الكلام فى الدين؟ قد تقول لا بأس من الكلام فى الدين ولكن أى دين؟ وهو رد معقول، ولكن كيف نصل إلى تحقيق ذلك، هل تقوم الدولة بوضع رقيب على الجرائد والمجلات والمدارس والمساجد والزوايا لمراجعة الكلام قبل النطق به فان وجدته مقبولا صرحت به، وإلا منعته".

وجاءت أشد التعليقات اتهاما لرئيس التحرير أنها قصة من ابداعه من قارئ كتب تحت عنوان "تعجبني شجاعتك.. ولكن": "اننى واحد من العوام البسطاء المنفلتين عن الدين المعرضين للمعاصى.. كطبيعة ابن أدم فى كثير من بلاد الله – كما أحيطك علما أننى لا أنتمى لذات اليمين ولا لذات الشمال – ليس خوفا منك ولكن لأقول لك: إن الناس كما صنعت فى قصتك التى أرى أنك صغتها من بنات أفكارك يحبون الدين والمتدينين ولقد صدمتهم بتلك القصة المختلقة.. وكأنك تريد حملة خاصة لتطهير مصر كما طهرت أفغانستان ..!

80% أنها قصة من بنات أفكارك.. كما فعلت آنفا فى قصص على شاكلة "إبراهيم شكرى رئيسا للوزارة"، "القاهرة تحترق ومصر أو الحكومة تتفرج"، "إنهم يحفرون تحت أقدامهم"، الوزير الذى فقد صلاحيته".. ومنها ما صاب ومنها ما خاب.. فلقد انتصرت فى أمور وخيبت أمالك الظروف فى أمور أخرى.. أحيانا أعجب بشجاعتك وقدرتك على اختراق الفساد.. كما حدث فى حملة وزارة الصحة.. ولكن هذه المرة.. أرى أنك أخطأت مرتين.

الأولى: لأنك نشرت قصة لكاتبة أو قل سيدة مجهولة.. شيقة الأسلوب مؤثرة فى القلوب.. قريبة من أسلوبك الدرامى الجميل، والثانية: لأنها قد تكون حادثة فرديه لأمرأة مطحونة لا تفهم دينها ولا حتى زوجها يفهم دينه. فالأثنان ألعن من بعضهما.. وختاما.. فى قصة السيدة المجهولة.. معلومات صحفية فورية وقوية تدل أن الكاتب رئيس التحرير وليست السيدة المجهولة.. أتمنى أن تواتيك الشجاعة على نشر رسالتى.

وجاءت بعض التعليقات من منقبات منها "إلى السيدة المجهولة احمدى ربك على ما أنت فيه ولو علمتم الغيب لاخترتم الواقع" من أخت منقبة وتحب النقاب.

وعلقت أخرى "تمنيت النقاب ولكن زوجى منعنى": "قرأت رسالتك التى نشرتيها فى جريدة أخبار اليوم يوم السبت الموافق 29/12/2001 تحت عنوان حكاية سيدة مجهولة. وتعليقي الذي أعلم أنك لن تنشره أننى أشك فى أن شجاعتك وصراحتك ستصل بك إلى درجة أن تنشر تعليقي هذا: فأنا أعلم أن هناك الكثيرات والكثيرات من المنقبات والملتزمات سواء باقتناع من داخلهن أو باقناع من أزواجهن يعشن فى منازلهن حياة متوسطة عادية جدا بل ويرتدين داخل منازلهم أفخم الملابس وأحدث الموديلات ويتزين لأزواجهن ولكن حقا ان منهن من لا تشاهد التليفزيون إلا فى البرامج الثقافية أو التعليمية أو الدينية. لقد انتهى عصر الأفلام النظيفة عصر أفلام اسماعيل ياسين ونجيب الريحاني وحسين صدقي وكثير ممن كانت الأفلام عندهم تمثل قيمة اجتماعية ينشروا بها قيما وأخلاقيات.. أما بالنسبة لقيادة السيارة وهى منقبة فمن قال ان المنقبة لا تستطيع أن ترى الطريق وهى بالنقاب كما قلتم سيادتكم، إنك لا تعلم شيئا عن النقاب ولا عن روحانيته ولكنى أنا التى أعلم به فقد كنت فى السعودية عامين وارتديته وتمنيت لو استمررت عليه لولا رفض زوجى وخوفه على مما تقولونه الأن عن المنقبات وخوفه على نفسه وأهل بيته من أن نؤخذ بأخطاء غيرنا من المتطرفين ونعتبر منهم ولهذا منعنى من ارتدائه..

والكلمة بتوقيع دكتورة أستاذة بمركز البحوث ..

وهناك رسالة ثالثة من سيدة منقبة جاء فيها "بعد قراءتي لرسالة هذه السيدة الغريبة والتى شعرت معها بالأسف الشديد لانتمائها لأمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. وشعرت معها أيضا بالغثيان.. ولكني لا أملك إلا الدعاء لها ولعائلتها بالرحمة والمغفرة..

أولا أنا سيدة أبلغ من العمر 36 عاما ولي الشرف أني منقبة وزوجة لرجل من أفضل الرجال على وجه الأرض متدين ويعرف حقوق الله علينا وواجباتنا نحوه ونحو ديننا ومجتمعنا واسرتنا و.. و.. وأنا أود أولا أن أسأل هذه السيدة عن سبب كتابتها لهذه الرسالة.. هذا لأنني وبعد قراءتها وجدت نفسي عاجزة أمام كم من الأسئلة المهمة جدا التى وقفت عندها لفترة هل هذه الرسالة حقيقية من امرأة مسلمة أم أنها مجرد دسيسة أو كما يقال "لعبة" يلعبها أعداء الدين الإسلامى، ولكن اعتقادى بأن جريدة كبيرة كأخبار اليوم من الضروري أن تتحقق من أن ما ينشر عن طريقها ويقرأه الناس حقيقيا على الأقل بنسبة 99 % ولهذا حاولت أن استبعد هذا السؤال ولكنني ما زلت عاجزة أمام بقية الأسئلة وأهمها أنه كيف لهذه المرأة أن ترضى بما ليست مقتنعة به كل هذه المدة 25 سنة وبعد هذا تشتكي هذا الزوج "الذى ومن المؤكد له وجه نظر يجب علينا أن نحترمها" والمصيبة أنها تشتكيه على صفحات الجرائد عيانا بيانا بدون أدنى مقدار من الحياء وبعد عشرة 25 سنة مع هذا الزوج.

أنا لا أدافع عنه أيضا لأنه أساء استخدام الدين أو لم تكن عنده الحكمة فى ترغيب هذه السيدة وهؤلاء الأبناء فى الدين ونسى أن سيدنا محمد خير خلق الله على الإطلاق لم يفعل ما فعل هو مع عشيرته أو نسائه أو حتى مع الكفار ولكن كان رحيما بكل البشريه ولولا رحمته ما كان هذا الزوج من المسلمين الآن.. ولكن يبقى السؤال الذي أكاد أجن حتى أعرف اجابته وهو لماذا كتبت هذه السيدة هذه الرسالة الغريبة ولماذا لاقت هذه الرسالة مع شدة غرابتها هذا الإهتمام من سيادتكم على الرغم من كل ما نواجهه اليوم كأمة مسلمة من انتقادات وسوء فهم وللأسف من المسلمين أنفسهم ولكن كما قيل سابقا ان للبيت ربا يحميه أقول لكم من أراد بالإسلام سوءا سواء كان مسلما أو غير مسلم إن للدين ربا يحميه وكما قال رسول اللهr " جاء الدين غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء" وطوبى هى شجرة فى الجنة[59] اللهم اجعلنا من هؤلاء الغرباء. أخيرا أود أن أقول لهذه السيدة أن ترضى بما قسم لها الله من العيش وأن تحمد الله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة وأتمنى لو أننى أتشرف بمعرفتها يوما."

وهناك بالطبع تعليقات عديدة تنهال على الزوج بأقذع الشتائم وتندد بالنقاب مثل "هذا انسان جاهلى" و "شرائط فيها السم فى العسل" وأراء شاذة وفكر متطرف.. "ورجل يحتاج لعلاج نفسي" الخ… "كم من الجرائم ترتكب تحت ستار الدين" و "ليس بالأفراط يكون التدين" الخ …

ومن التعليقات المتميزة التعليق الذي كتبه الدكتور يحيى الرخاوي تحت عنوان "توقفنا عن التفكير وابتعدنا عن الإيمان" ونشر بجريدة الوفد وأعادت أخبار اليوم نشره وجاء فيه "أنا لا أناقش الأن دور النقاب أو الحجاب دينيا ثم انني لا أزعم مثلما يصور الخطاب – أن كل المحجبات أو المنقبات مقهورات على ذلك بل إن خبرتى وهى ليست قليله" من واقع احتكاكي بالمرضى من كل الطبقات وبأهاليهم أعلم أن كثيرات قد تحجبن وتخمرن وتنقبن بمحض أرادتهن. بل انهن فرضن ذلك على أزواجهن بعكس هذه السيدة ان دلالة هذا الخطاب عندي هى فيما آل إليه حال الزوجة والأبناء والبنات وليس فقط فى قهر هذه السيدة التى ظلت أكثر من عشرين سنة. ومازالت كما يبدو من خطابها محتفظة بقدرتها على التفكير لنفسها وعلى الإحتجاج وعلى الإستغاثة وعلى الصبر وهى ترسل هذا الخطاب. إن الدلالة الحقيقية لهذا الخطاب ليس فى الام السحق الذي تعانيه هذه المرأة وأمثالها، وإنما يدل على ما آل إليه جمود تفكيرنا بالإستسلام إلى ظاهر التدين دون ابداع الحلول الإيمانية، ان الإكتفاء بهذا الظاهر هكذا هو ضد كل ما أتصوره ردا على أمريكا وقهر أمريكا واجرام شارون، إن هذا المثال يضعنا أمام واقع شديد الدلالة يقول: إننا توقفنا عن التفكير وبعدنا عن الإيمان الحقيقى القادر على مواجهة القهر الغربى اننا بذلك نقهر عقولنا أكثر مما يقهرون هم واقعنا."

وكتب الأستاذ خالد حريب تعليقا بعنوان "السيدة المجهولة.. داست على اللغم": بداية أؤكد على أنني لست مع صاحبة الرسالة ولست – فى نفس الوقت – ضدها.. فما ذكرته الرسالة المرعبة ليس إلا نتائج لأسباب أكثر رعبا.. نعايشها يوما ونراها ونئن من وجعها ونصرخ بعض الوقت مناشدين ضرورة التدخل وبالطبع لا يتدخل أحد.. فنصمت ومع الصمت تبدأ الكارثة.

فالقضية ليست بالبساطة الاجتماعية التى نتساءل فيها عن سلبية تلك السيدة المجهولة التى تؤدى حكما بالسجن فى منزلها مدى الحياة.. أو عن رفضها الداخلي الذى باحت به فى الرسالة.. ليست الحكاية من معها ومن ضدها.. إنما هى بشكل آخر من مع الوطن ومن ضده ؟

هكذا يكون السؤال واضحا.. والأجابة عليه تحتاج إلى المصارحة والشجاعة.. فهل تقبل "أخبار اليوم" مثل تلك الصراحة ؟.. أعتقد ذلك..

وندخل فى الموضوع مباشرة. يزيد التطرف وينتشر فى مجتمعنا من خلال صناعة حكومية متقنة.. وذلك لإصرارها على الأزدواجية فى تشريعاتها وقراراتها وممارستها اليومية فى العمل فيكون لدينا نظامان للتعليم "الأزهر.. والعادى" ويكون لدينا زغلول النجار وأحمد زويل.. ويكون لدينا فى برامج التليفزيون برامج ضعيفة.. دون تقدم فى الفكر أو التجربة.. فنتخلف ويزداد تخلفنا.. فتخرج علينا تلك السيدة المجهولة التى أكدت فى رسالتها أن مجموعة "طالبان وصلت إلى القاهرة" وحكومتنا على علم بذلك ولكنها اختارت الصمت الرهيب.

وكيف لعاقل أن يقبل تلك الشقق التى تعمل فى وضح النهار كمعاهد دينية عشوائية.. لا يرفع مسئول واحد إصبعه فى وجهها.. هل هو الخوف منها؟.. وهل أصبح التكفير عندما يشهر فى وجه المجتمع لا يراه الحاكمون لهذا المجتمع.. انها محنة وليتذكر الجميع أن نظام طالبان الأفغانى بدأ من كتاتيب مثل تلك الشقق التى تعمل كمعاهد دينية فى مصر.

وقبل أن يهرش أحدهم فى قفاه بحثا عن ديني.. فأنا مسلم أعرف أن الدين يسر وأعرف أن الدين المعاملة وأعرف قاعدة فقهية اسمها لا ضرر ولا ضرار.. ولذلك أتعجب من وزارة عندنا هنا فى مصر اسمها وزارة الأوقاف.. فهذه الوزارة مسئولة عن المساجد فى بر مصر المحروسة.. فماذا فعلت تجاه الخارجين على القانون والقواعد والأعراف واذا لم تتعلم الحكومة من تجربة السادات وموقفه الداعم لجماعات "الإسلامنجيه" الذين انقلبوا عليه وقتلوه.. أقول اذا لم تتعلم فهذا شأنها ولكن شأني أنا كمواطن ما هو؟ لا شك ان الأجابة معروفة.. واذا ابتعدنا قليلا عن المحتوى الفكري الذي يبثه بعض الجهلاء من فوق المنابر.. تعالوا نسأل.. هل سمع أحدكم مواطنا يشكو أنه ذهب ليصلي فى المسجد ولم يجد مكانا له ليصلي ؟ أعتقد أن الأجابة لا ولذلك يصبح السؤال التالي مشروعا وهو ما هو المبرر لهذا الكم الرهيب الذي تعجز الحكومة ذاتها عن حصره من مساجد وزوايا .. وطالما نتحدث فى أمر المساجد.. فلقد نشرت أخبار اليوم فى ذات العدد الذى حمل الرسالة المصيبة خبرا فى صفحتها السابعة تحت عنوان هل تحولت وزارة الأوقاف إلى وزارة الفنون الجميلة؟ حيث يعترض عضو مجلس شعب علىشروط الوزارة فى بناء المساجد حيث اشترطت إلا تقل المسافة بين أى مسجدين عن 500 متر والغريب أني أرى أن هذه الـ 500 متر قليلة جداً.. ولى فى ذلك تجربة حيث عملت بالسعودية قبل عشر سنوات وفى أول جمعة لى هناك توجهت للمسجد القريب من السكن لآداء صلاة الجمعة والمفاجأة أن المسجد كان مغلقا وبالسؤال عرفت أن فى كل حي مسجد اسمه المسجد الجامع أكبر حجما هو الذي تتم فيه الصلاة.. وقد يختلف البعض حول ذلك ولكني أراه أفضل حيث توحيد رسالة الخطبة وحيث الدفء مع العدد الأكبر من المصلين.

أما النكتة التى أطلقتها وزارة الأوقاف ذات يوم هى أنها أعدت دورة كمبيوتر للأئمة وأقول لهم علموا الأئمة الديسبل قبل الكمبيوتر والديسبل هو وحدة قياس الضوضاء وساعتها لن نقرأ رسالة من سيدة مجهولة مرة أخرى".

وأخيرا فقد خصصت الكاتبة الأستاذة "حسن شاه" صفحة يومياتها (الصفحة الأخيرة فى أخبار اليوم) 5 يناير 2002 لهذه القارئة المجهولة وقضية الإرهاب جاء فيها: "هذه الرسالة تعتبر وثيقة اجتماعية وسياسية خطيرة، وهى إنذار لكل فرد فى مجتمعنا وبصفة خاصة للإعلاميين والمثقفين ورجال الدين المستتيرين وكل مسئول عن مستقبل مصر لكى ينتبهوا إلى تلك الخلايا السرطانية التى تنمو وتتوالد فى الخفاء فى المجتمع المصرى والتى يمكن أن يكون لها أخطر النتائج، لعل أهمية هذه الوثيقة ترجع إلى أنها خرجت من عقر دار واحد من هؤلاء المتطرفين المتنطعين الذين صنعوا لأنفسهم شريعة إرهابية يعذبون بها حتى أقرب الناس إليهم من زوجات وبنات وأبناء وجيران وشركاء فى المواطنة ويحكمون على مجتمعهم ظلما وعدوانا بالكفر، ولا يستنكفون من التمتع بالخدمات العامة ويزورون حتى لا يدفعوا الضرائب. وباختصار يعيشون فى القرن الحادى والعشرين بعقلية الجاهلية الأولى.. والمؤسف أنهم ينسبون فكرهم المختلف وتصرفاتهم العدوانية إلى الدين الإسلامى الذى هو دين الرحمة والتسامح وحقوق الإنسان. هذا الدين الذى من مقاصده العليا استقرار الأسرة والمجتمع، وسعادة الرجال والنساء والأطفال.

وأهمية هذه الرسالة أيضا ترجع إلى أن صاحبتها هى زوجة واحد من هؤلاء المتنطعين الذين يسيئون إلى الإسلام أكبر إساءة وأنها عانت وتعذبت لمدة ربع قرن من تطبيقات فكره المتخلف العنيف عليها وعلى أبنائها من البنين والبنات.

فالفرمانات التى فرضها عليها هذا الزوج المتطرف كانت أقسى مما طبقته أفغانستان. فطالبان فرضت النقاب على النساء عند خروجهن من البيوت، أما زوج السيدة المجهولة فقد فرض عليها النقاب خارج وداخل البيت فليس مسموح لها خلع النقاب عن وجهها وهى تطبخ وتمسح وتغسل الصحون. أما الحكمة أو الحجة التى رآها زوجها فى فرض النقاب عليها حتى وهى بين جدران بيتها فهى حجة تدل على عقلية متسلطة مريضة تحتقر المرأة وتراها كلها عورة فالزوج الهمام كان يخشى إذا خلعت زوجتة النقاب داخل البيت أن يشجع ذلك بناتة الصغيرات اللائى فرض عليهن النقاب منذ بلغن السابعة من العمر على خلع نقابهن من وراء ظهرة إذا خرجن من البيت! وبجانب فرمان ضرورة ارتداء النقاب فى جميع الأوقات فقد اصدر السيد الزوج فرمانات أخرى يحرم فيها عمل الزوجة وتعليم البنات إلا فى معهد دينى خاص وحتى الإبتدائية، كما أصدر فرمانا بعدم دخول التليفون أو الراديو أو التليفزيون إلى البيت فلا يسمع فى الشقة سوى صوت تسجيلات لآيات من القران الكريم وأشرطة لبعض الدعاة الذين كان يرضى عن بعضهم ويغضب على البعض الآخر طبقاً للظروف.. ولما يصله من أخبارهم الشخصية عن طريق الرواة. أما الفرمان الأعظم فقد صدر بمنع الأبناء من الصبيان والبنات من اللعب أو الضحك متى بلغ الواحد منهم سن الرابعة، ذلك لأن الضحك صفة من صفات الشيطان..

وأخطر ما جاء فى الرسالة أيضا أن أبنى هذه السيدة التى كانت تشفق عليهما فى طفولتهما بسبب حرمانهما من كل الوان الترفيه البرىء قد أصبحا بعد أن كبرا ودخل أحدهما الجامعة ووصل الثانى إلى الثانوية العامة نسخة طبق الأصل من أبيهما بل أكثر تطرفا. فالأب إذا كان يكتفى بالأوامر والفرمانات فإن الولدين يؤمنان باستخدام "اليد" أى القوة لإجبار الشعب بما يتصوران أنه شرع الله."

f

فى رأينا أن رسالة المرأة المجهولة هى قصة أو سيناريو من وضع الكاتب الذى فات عليه فى حرصه على مداراة ذلك ان يقول أنه قد صحح فيها بعض الأخطاء التى لابد وان يقع فيها الكتاب "الهواة" وبدلا من ذلك كتب "طبق الأصل" ودليلنا هو الإستشفاف النفسى، وما عرف عن الكاتب ونفسيته واتجاهاته ووسائله فهذا سيناريو محكم تضمن كل ما تثيره قضية الإرهاب الدينى من أوامر بالحجاب، ثم إشارات إلى الأشرطة، ثم إشارات أخرى إلى قيادة المنقبات للسيارات ودخولهن وخروجهن فى المطارات ولمز "الزوج" بأنه يراكم الأرباح ويتهرب من الضرائب. ثم الإشارة إلى الأبناء وتطور الروح العدوانية فيهم. ووجود معاهد دينية الخ... بحيث تكون دعوة تحريض من كاتب معروف وليس رسالة من امرأة مجهولة.

على أن هذة الحقيقة لا تقلل من أهمية "الرسالة" وإنما تجعلها "وثيقة "وليست رسالة. وتجعل كاتبها رجلا معلوما وليس امرأة مجهولة، وهذا لا يمس الموضوعات التى طرقتها. فهى اشبة بالحديث الموضوع الذى وإن كان موضوعاً، إلا أن دواعى معينة قد اقتضت وضعه.

وقد أحسنت الوثيقة عرض قضية الحجاب وصلتها بما فى إساءة فهم الدين من مخاطر، وخفى اثر اصطناع أو إقحام موضوعات فرعية فى الموضوع الأصلى أراد الكاتب لغرض فى نفسه إثارتها وهو ما يعود إلى مهارة الكاتب ودربته فى المعالجة. فبدت متكاملة وممثلة للقضايا العامة التى تثار على مستوى الشارع أو على مستوى المسئولين وأنه عرضها ببراعه وإحكام دون أن يظهر أثر للتلفيق.

ولا تقتصر أهميتها على ذلك، فالتعليقات التى أثارتها قد قدمت لنا صورة حقيقية عن التيارات التى تكتنف المجتمع المصرى والتى تتفاوت من النقيض إلى النقيض وتمثل ازمة الأنتقال الحضارى وعدم التوفيق فى حلها.

أفسحنا المجال شيئا ما للسيدة المجهولة ورسالتها لانها تقدم لنا "بانوراما" تعرض علينا آراء المجتمع المصرى فى هذه المشكلة. ما بين مندد ومؤيد. ومع أن هناك حملات قاسية وانتقادات مرة للزوج وسياسته. فان هناك ما يشبه التعاطف مع قضية النقاب بالذات. وهذا ما يمثل عمق الوعى الدينى وأنه مغروس بطريقة وصلت إلى درجة التوثين التى لا تقبل منطقا أو نقاشاً. لأنها جزء حساس من كل مقدس بحيث يستحيل التوصل إلى إقناعهم بخطا النقاب وتخلفه عن المقتضيات الأولية والرئيسية للعصر الحديث، وبالتالى كل الأجتهادات الفقهية التى دعمته، والتى لا تعود فى حقيقه الحال إلى الأصول الرئيسية للإسلام قدر ما تعود إلى جذور عميقة غرست فى المجتمع الإنسانى من أقدم الأباد – من عهد حمورابى وأثينا وروما وبيزنطة، واستغلت الأديان كما وضحنا فى الفصل الثالث من هذا الكتاب..

فصعوبة قضية النقاب إنها أقُحمت على الدين حتى ظن الناس أنها جزء مقدس من بنيته بل هى رمز قداسته وطهارته وأصبح التصدى لها يستدعى ما طالبنا به وبدأناه بالفعل "فقه جديد" فلا يمكن القضاء على النقاب إلا إذا قضينا على الفقه التقليدى الذى يعد النقاب ثمرة له، وبدون هذا ستذهب كل محاولات القضاء عليه أدراج الرياح …

0 التعليقات:

إرسال تعليق