الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية .. يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ بقلم جمال البنا

الإيمان بالغيب أبرز خصائص الإيمان الدينى، وهو الفاصل بين مجتمعات تؤمن به، وبالتالى تؤمن بالأديان، ومجتمعات تنكره، ولا تصدق إلا ما يكون موجودًا أو ملموسًا فتكفر بالأديان وتؤمن «بالطبيعة».
ورأس الغيب هو الإيمان بالله تعالى، وبأنه خالق هذا الكون ومدبره من أصغر ناموسة حتى أكبر مجرة، وقد صور القرآن الكريم الله تصويرًا بقدر ما يستوعبه العقل وبرهن عليه بدليل الخلق فى أربع كلمات «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ».
ويتبع الإيمان بالله، الإيمان بكتبه ورسله الذين يمثلون طريق هداية الإنسان فى الحياة.
وكذلك الإيمان بالدار الآخرة وبالثواب والعقاب فى جنة أو نار.
والإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر يمثل «العقيدة» فى الدين وهى جوهرته وناظمة عقده.
والإيمان بالغيب يوجب «الضمير»، ذلك لأن الأديان تأمر بالخير وتنهى عن الشر، ولكنها لا تملك فى الحياة الدنيا عقابًا تفرضه على الشر، ولا ثوابًا على الخير، ولكنها ترجئ هذا كله إلى يوم القيامة أى بعد الموت، أى أنه قد لا يكسب الإنسان فى حياته إذا أحسن، ويمكن ألا يعاقب إذا أساء.
فإذا لم يؤمن بالآخرة، وإذا لم يكن هناك ثواب ولا عقاب فما الذى يحول بينه وبين الانحراف واتباع هوى الأنفس؟
الذى يحول بينه وبين ذلك، العقل الذى يهديه إلى حُسن الحسن وقــُـبح القبيح، وإلى أن هناك خيراً وهناك شر.
ولكن ملكات العقل تتفاوت، وعامة الناس قد لا تكون ملكاتها قادرة على صد هوى النفس وإغراء الشهوة.
وهناك القانون الذى تسنه الدولة، ولكن القانون وإن كان يعاقب المسىء، فإنه لا يثيب المحسن، فضلاً عن أن الدولة لا يمكن أن تخصص لكل مواطن رقيبًا يتابع تصرفاته حتى يلقى عليه القبض «متلبسًا بالجريمة».
وإنما الذى يصلح هذا كله هو الضمير.
والضمير معناه أن يرتدع الإنسان عن الشر، وأن يندفع للخير دون خوف عقوبة عاجلة أو كسب سريع فى الحياة الدنيا، وإيماناً واحتسابًا بالله.
وهذا ما تقدمه الأديان بالدرجة الأولى.
على أنها لعلمها بالنفس البشرية وضعفها من ناحية، ولرغبتها فى إقامة العدالة الكاملة التى ضاقت ندرة الموارد، وغلبة القوى فى الحياة الدنيا عن تحقيقه من ناحية أخرى، لا يمكن هذا إلا بالنشر من القبور، وبعث الناس ونصب الموازين التى تقرر العقوبة على المعتدين والثواب للمحسنين.
وقد كانت الديانة المصرية القديمة هى أعرق الديانات قبل الإسلام فى إبراز «اليوم الآخر»، وأكدت الثواب والعقاب والميزان الذى يزن «بالشعرة»، ومن هنا أطلق عليها المؤرخ الأمريكى بريستد «فجر الضمير».
ويتجلى أثر الإسلام فى إشاعة وتعميق الضمير وتعميق فكرة الحرام والحلال.
                                    ■ ■ ■
ولكن الغيب يثير «إشكالات».
منها أنه لما كان غيبًا، فإن الله وحده هو الذى يعلمه، ولا يعلمه آخر حتى لو كان نبيًا رسولاً، وهذا يقتضى ألا نسلم بشىء من الغيب إلا إذا نص عليه فى القرآن الكريم وحده، ولا يجوز فى هذا الصدد إقحام كلام المفسرين لأنه بالضرورة إنما يجعل كلامهم، وليس كلام القرآن ولا أحاديث المحدثين حيث لا يمكن أن نحكم ظنى الثبوت فى قطعى القرآن.

0 التعليقات:

إرسال تعليق