الخميس، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٩

الإسلام والحجاب عمل المرأة اقتصاديا وسياسياً

لقد عرضنا فى الصفحات السابقة بعضا من أسباب تدهور منزلة المرأة وسوء الفهم السلفى لها. ومما يثير الغيظ والآسى أن نجد كتابا يعيشون فى عالم النصوص، ولا يتلفتون إلى الواقع أو يعطونه أى أهمية كان المهم أن توجد النصوص. وما دامت قد وجدت فعلى الدنيا العفاء !

وهناك أخرون لا يزالون يدافعون عن الأوهام القديمة، وياخذون بالشمال ما يعطونه باليمين فبعد أن يتحدثوا عن الحق الذى منحه الإسلام للمرأة فى العمل وحريتها فى ذلك يأتون بنصوص تنتقص شيئا فشيئا من هذه الحرية دون أن يعروهم الخجل أو يتنبهوا إلى المفارقة فيما يأتون به ..

فعلى سبيل المثال نجد كاتباً يتحدث عن حق العمل للمرأة فى الإسلام ثم يقيده بالشروط الآتية :

1. الحجاب وعدم الاختلاط أو التبرج أو السفور أو الخلوة.

2. أمن الفتنة.

3. إذن الولى.

4. أن لا يستغرق العمل وقتها أو يتنافى مع طبيعتها.

5. إلا يكون فيه تسلط على الرجال.

ويشرح المؤلف هذه الشروط فيقول بالنسبة للشرط الأول (الحجاب) أن على المرأة العاملة، صيانة لنفسها ولغيرها ألا تعمل فى المجالات التى تفرض الاختلاط أو السفور أو الخلوة كعمل السكرتارية وقيادة سيارات الأجرة أو التدريس المختلطين.

ويبدأ الحديث عن الشرط الثانى (أمن الفتنة) : "المرأة كلها عورة لا يجوز كشف شى منها إلا لضرورة أو لحاجة أو علاج داء ببدنها أو سؤالها عما يعن ويفرض عندها.

بالله هل هذا كلام، أفلا يستحى المؤلف من هذه الألفاظ ثم يدعى أن المرأة لها حق فى العمل بعد أن جعلها عورة كلها ..

وبالنسبة للشرط الثالث (إذن الولى)، يقول "اقتضت حكمة الله أن يجعل الرجل حاميا وراعيا، يحرص على مصالحها، ويتكبد مشاق الحياة ليعولها.. وهو بعد ذلك مسئول أمام الله عنها وأمام المجتمع أتم المسئولية، "وجعلت هذه الدرجة للرجل لأنة اقدر على فهم الحياة، وبحكم اختلاطه فى المجتمع العام، ولأنه اقدر على ضبط عواطفه، وتغليب حكم عقله، ولأنه يشعر بالمضرة المالية وغيرها أن فسدت الحياة الزوجية."[81]

"ومن هنا كان على المرأة أن تستأذن وليها" أبا أو زوجا "فى العمل والتكسب."

وقد ذكر المفسرون أن من معانى الدرجة فى قولة تعالى ]وللرجال عليهن درجة[. "حجر التصرف إلا بآذنه، وان تقدم طاعته (أى الزوج) على طاعة الله فى النوافل – ونسبه إلى أحكام القران الكريم لابن العربى ج1 ص188.

وبالنسبة للشرط الرابع: ألا يستغرق العمل جهدها أو يتنافى مع طبيعتها يقول – لا سد فوه ..

"ومن الأحكام التى تترتب على عقد النكاح "ملك الحبس والقيد" وهو: صيروتها ممنوعة من الخروج والبروز لقوله تعالى ]اسكنوهن[ والأمر بالإسكان نهى عن الخروج والبروز والإخراج، إذ الأمر بالفعل نهى عن ضده، ولقوله عز وجل ]وقرن فى بيوتكن[. وقوله ]لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن[. ولأنها لو لم تكن ممنوعة عن الخروج لاختل السكن والنسب."[82]

ويذهب بعض الفقهاء إلى أنه "لو تزوج من "المحترفات" التى تكون بالنهار فى مصالحها وبالليل عنده فلا نفقة لها."

"وفى إحدى الدراسات ارتأى معظم الباحثين عدم ملاءمة المرأة وافتقارها إلى صفات المدير الناجح، نظرا لطبيعتها ومزاجها المتقلب.

وفى دراسة أخرى، أظهرت نتائجها أن النساء لا يصلحن كمديرات، نظرا لافتقارهن إلى الاستقلالية فى آرائهن وقراراتهن.

ومما يخالف طبيعة تكوين المرأة – كذلك – أعمال البناء والنجارة، والحدادة، والحراسة العامة التى تقتضي السفور والاختلاط، ومثله الهندسة المدنية وغيرها مما تعج به المجتمعات الإسلامية اليوم."

وعن الشرط الخامس أن لا يكون عملها تسلطا على الرجال قال: "اقتضت حكمة البارى سبحانه وتعالى أن تكون المرأة تابعة للرجل لا متبوعة، وليس فى هذا حط من قدرها أو نيل من كرامتها، كما يلوكه التقدميون.

فليس للمرأة أن تتولى الإمامة العظمى، لأن النبى r حين بلغه أن كسرى لما مات ولى قومه عليهم ابنته قال: " لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة."

وهذا نص فى أن المرأة لا تكون "خليفة، ولا خلاف فيه."

وليس لها أن تتولى القضاء، وان كان بعض المذاهب يجوزه لها فيما تشهد فيه. لأن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال "لأنها أن كانت فتاة حرم النظر إليها.. وان كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم."[83]

لقد أسهبنا شيئا ما فى عرض فكرة المؤلف عن عمل المرأة فى الإسلام لأنها تمثل وجهة النظر التقليدية لأن الكتاب أصلا رسالة نال عنها درجة الماجستير من المعهد العالي للدعوة بالمدينة المنورة، ويمكن القول بصفة عامة أنها تمثل وجهة النظر السلفية التى ترى باختصار أن عمل المرأة الوحيد أو على الأقل الرئيسى – هو البيت وخدمة الزوج وتربية الأطفال. فإذا اضطرتها "ظروف الدهر" إلى التكسب لتقييم أودها، وذلك إذا غاب عنها الولى وغاب معه الوالي المسلم" بألفاظ المؤلف – فيمكنها عندئذ أن تمارس أعمالا هى من صميم اختصاص النساء بعد ملاحظة الشروط العديدة التى سبق إيرادها، والتى تحاصرها حتى لا تكاد تدع لها حرية فى حركة أو سكنه.

وللمؤلف، ولمن يتفق معه أن يقولوا ما يشاءون ولكنه – فيما نرى – ليس الإسلام، وليس هو المعالجة الجادة لقضية عمل المرأة، ومن ثم فنحن نرفضه جملة وتفصيلا.

f

وفى صميم الفكر الفقهى ثلاثة اعتراضات يسوقها الفقهاء على عمل المرأة هى :

الأول: أن عمل المرأة الرئيسى هو تربية الأطفال والعمل الخارجي يشغلها عن هذه المهمة.

الثانى: أن المرأة بطبيعتها البيولوجية غير مؤهلة للعمل الخارجي، وبالذات المناصب ذات المسئولية.

الثالث: أن العمل الخارجى يعرض المرأة لمخاطر.

وفيما يلى الرد على هذه الاعتراضات ..

فبالنسبة للاعتراض الأول: فنحن نؤمن أن عملية تربية الطفل هى أسمى مهمة للمرأة.. وهى مهمة مقدسة وأهميتها تفوق أى أهمية أخرى لعمل آخر ولا يمكن لغير الأمهات أن تقوم بها فنحن نؤمن أن المرأة قبل الحمل بمدة – ومدة الحمل والولادة ولمدة ثلاث أو أربع سنوات يجب أن تعكف على تربية ابنها أو بنتها. ويجب أن تضحى فى هذا بأى عمل آخر لأنه لا عمل أقدس من هذا، ولا شخص آخر غير الأم يمكن أن يقوم به القيام الأمثل.

وأعتقد أن كل امرأة لا تحس سأما أو مللا أو تستشعر ضيقا وهى تبنى كائنا إنسانيا وترعاه وتكفل له الحياة والصحة وتغرس فيه الأخلاق الحميدة والعادات الحسنة. وتتابع تقدمه بفضل رعايتها منذ أن يزحف على الأرض حتى يستقيم على ساقيه، ومنذ أن يرضع من الثدى حتى تنبت له أسنان.

ولكن هذا لا يعني أنه لا يفسح مجالا لعمل المرأة.

فالمرأة تتزوج عادة من بين سن 20 و25 فى حين أن من الممكن أن تعمل، وهى حرة من مسئولية الحمل والأولاد. خمس سنوات تقريبا، وحتى عندما تتزوج فليس حتما أن تنجب طفلها بعد تسعة شهور من الزواج، إذ من الممكن أن تؤجل هذه العملية سنة أو سنتين، وبذلك يمكنها العمل خلال هذه الفترة أيضا.

ونوجه النظر إلى أهمية عمل المرأة قبل الزواج لأن عملها هو الذي سيعرفها على العالم، وعلى مجتمع الرجال وأنه بالإضافة، إلى صقل شخصيتها، وإلمامها بالمهارات فانه أفضل السبل للتعرف على زوج المستقبل.

إذن هناك مدة ما بين خمس وسبع سنوات يمكن للمرأة أن تعمل فيها دون أن يتم هذا على حساب تربية الأطفال.

ويفترض أن تكتفى الأسرة بطفلين أو ثلاثا مما يدع للأم – فى حدود الأعمار التقريبية – عشرين عاما أخرى يمكن أن تمارس فيها العمل، وقد تقدم بها السن ونضجت نفسيا وتعددت تجاربها وخبراتها بحيث يمكن أن تشغل مناصب ذات مسئولية.. والمرأة فى هذا السن، بعد أن شب الأبناء تحس بفراغ نفسى وعملى ولا يملأ هذا الفراغ إلا العمل الخارجى.

ويجب أن نلحظ أن العمل الخارجى، وإن كان يجعل الوقت المخصص لرعاية الطفل أو تنسيق البيت محدوداً، إلا أنه يجعل هذه المدة المحدودة غنية وهو ينميها بما اكتسبت من خبرات. والفترة التى بعدت فيها عن البيت يجعلها تشتاق إليه، ولا تحس مللا. فتستثمر الوقت استثمارا يفوق استثمارها لو كانت قعيدة البيت يتطرق إليها – رغم أنفها – الملل.

من هنا، فان الاعتراض على العمل الخارجي بمبرر رعاية الطفل لا يقوم على أساس. بل العكس هو الذي يحدث أعني أن المرأة التى تمارس العمل تكون أقدر على تربية الطفل من المرأة المحبوسة فى البيت، وليس لديها الخبرات أو التجارب التى يوفرها العمل.

على أن هناك من الأعمال ما يمكن أن تؤديه فى البيت دون حاجة للخروج. خاصة بعد انتشار الكومبيوتر وفى هذه الحالة يمكنها ممارسة نشاط اقتصادى داخل بيتها ولا يحول دون رعايتها لأطفالها.

أما الاعتراض الثانى: وهو أن المرأة غير مؤهلة بيولوجيا للعمل الخارجى، وبالذات للمناصب المسئولة فيجب أن نذكر أن المرأة خرجت وشيكا من استعباد خمسة آلاف سنة ولم تتمتع بحريتها واستقلالها وتنمى خبراتها وتجاربها إلا فى المائة سنة الأخيرة. وخلال هذه المدة استطاعت أن تستحوز على قدرات وخبرات عديدة وظهرت شخصيات نسائية قادت سياسة دولتها بحنكة وشجاعة مثل مسز تاتشر فى بريطانيا التى أنقذت الاقتصاد البريطاني وتصدت لنقابات العمال فى شجاعة وإصرار يندر أن يتوافرا فى الرجال. وتولت شجرة الدر سياسة مصر فى فترة من أشد فترات الحرج وقت أن كانت الخلافات تمزق المماليك، وكان الصليبيون يحاصرون دمياط فأحسنت التصرف بما كان يعجز عنه الرجال.

وقد أثنى القرآن الكريم على ملكة سبأ. وعلى سياستها الرشيدة التى فاقت بها شيوخ قومها.

أما الدَيْن الذى يدين به الإسلام لخديجة فإنه يجل عن الوصف. فهذه السيدة آمنت وآوت وشجعت ونصرت وقدمت المال.. وكانت وراء الرسول تدفعه إلى الأمام ...

وقد أظهرت المرأة فى المجتمعات الغربية – أوربا وأمريكا – مقدرة على ممارسة الشئون، بدأ من الرئاسات العليا فى الدولة حتى إدارات الأعمال والشركات الخ... مما يؤكد أن المرأة إذا منحت الفرصة فإنها تثبت وجودها وكفايتها ولا يدفع هذا أن يكون العدد قليلا بالنسبة للرجال، فأن المرأة لم تظفر بحريتها إلا خلال القرنين الآخرين ..

بل اكثر من هذا أن ما يعيبونه علي المرأة من رقة وعاطفة لا تتلاءم مع جو الأعمال الخشن، هو نفسه ما ينقص هذا الجو ، وما يمكن للمرأة أن تلطف من وعورته وترقق من خشونته وتضفى عليه لمسة لا يمكن إلا للمرأة وحدها أن تضفيها.

أما الاعتراض الثالث، وهو المخاطر التى يحملها العمل للمرأة، فإذا كانوا يرون فى مجال الاختلاط خطراً، فنحن نختلف معهم تماما، ونرى أن الخطر فى الاحتباس. أما ما قد يؤدى إليه هذا الاختلاط، أو العمل من مخاطر فإن المخاطر لابد وان توجد فى كل عمل، بل هى توجد بشكل سلبى فى فراغ الاحتباس. فالاختلاط قد لا يضر المرأة ضرورة كما أن الاحتباس لا ينقذ المرأة ضرورة. وقد صورت لنا ألف ليلة وليلة "الجنى" العفريت الذي حبس حبيبته فى صندوق كبير، لا يخرجها منه إلا لضرورات الحاجة أو لكي لا تختنق. وكيف أنها استطاعت خلال هذه الفترات المحدودة أن تملأ صندوقا كبيرا من خواتم الرجال الذين ضاجعتهم! فالأسوار لا تمنع المخاطر والهواء الطلق لا يفرضها ..

ولعل رأى الإخوان المسلمين فى عمل المرأة واشتغالها بالسياسة يستحق النظر ليس فحسب لأنه يمثل رأى أكبر هيئة إسلامية بل ولأنه أيضا يمثل تقدما فى الفهم من الخمسينات حتى التسعينات. ففى الخمسينات اشترك الإخوان فى مؤتمر الهيئات الإسلامية الذى عقد لمعارضة حق المرأة فى العمل السياسي ودعم هذا الاتجاه فتوى طويلة من الأزهر فى حدود عشرين صفحة انتهت إلى عدم أحقية المرأة فى العمل فى الولاية العامة، وعدم حقها فى ممارسة العمل السياسي. ولكنهم فى العام التالي لاجتماع مؤتمر الهيئات الإسلامية وصدور فتوى الأزهر، أصدروا سنة 1953 كتابا عن "المرأة بين البيت والمجتمع" للأستاذ البهى الخولى وقدم له الأستاذ المستشار حسن الهضيبي المرشد العام وتحدث الفصل الأخير منه عن "حقوق المرأة السياسية". "ووضع تحت هذا العنوان كلمة للإمام حسن البنا" إن حقوق المرأة السياسية لا يجحدها أحد، ولكن الوقت لم يحن بعد لاستخدامها." وذهب المؤلف أن الآية ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ {التوبة 71} تتضمن :

أولاً: مبدأ الولاية بين المؤمنين والمؤمنات بعضهم مع بعض وهى ولاية تشمل الأخوة والصداقة والتعاون على كل خير. كما تتضمن ثانيا: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو واجب يشمل كل ضروب الإصلاح فى كل نواحى الحياة والمرأة فى ذلك كالرجل كما نرى فى الآية الكريمة" انتهى ..

ولا بد أن نعترف أن هذا يعد أفضل تفسير للآية ويمكن لكل داعية لحرية المرأة أن يصل عبره إلى مشاركة المرأة فى كل ضروب الإصلاح، فى كل نواحى الحياه بما فيها طبعا العمل السياسى.

ولهذا فإنه يقول "وليس هناك ما يمنع المرأة أو من يمنعها من ممارسة هذا الحق، فهو حق قررته الآية ومارسته المرأة المسلمة على نطاق واسع أيام الخلفاء الراشدين – أى خلال الحقبة التى قام فيها الصحابة رضوان الله عليها بوضع تقاليد الحياة الإسلامية فى الاجتماع والسياسة والآداب ونحوها."

واستشهد على ذلك بما كان يقوم به أمهات المؤمنين وموقف عائشة وحرره بحيث انتهى إلى أنه "ولا معنى لهذا كله إلا حق المرأة فى الاشتغال بالسياسة وإبداء الرأى فيمن يصلح خليفة، ومن لا يصلح" ص 140.

ولكن المؤلف – كعادة الكتاب الإسلاميين – قال "إن الظفر بحق شىء وممارسة هذا الحق شىء آخر يخضع للملابسات"، بل لعله حاف على رأيه الأول عندما خطا خطوة يمكن أن تكون بعيدة عن الملابسات لأنها تتعلق "بصلاحية المرأة نفسها لأداء هذه الأمانة والاضطلاع بأعباء هذا الحق."

على كل حال فإن هذا الموقف قد تغير تغييراً كبيراً فى سنة 1994 عندما اصدر الإخوان المسلمين "بيانا عن المرأة المسلمة فى المجتمع الإسلامى" جاء فيه حرفياً :

أولا: المرأة وحق المشاركة فى انتخاب أعضاء المجالس النيابية وما ماثلها ..

ونحن نرى أن ليس ثمة نص فى الشريعة الغراء يحجب أن تشارك المرأة فى هذا الأمر، بل إن قوله تبارك وتعالى: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ[ {التوبة 71}. ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ[ {آل عمران 104}. يتضمن تكليفا للمرأة عليها أن تؤديه بالمشاركة فى اختيار أهل الحل والعقد على وجه شرعى.

وفى بعض الظروف قد تكون هذه المشاركة واجبة وضرورية فحيث تنص قوانين الانتخابات المعمول بها فى كثير من الدول الإسلامية الأن على إطلاق حق المرأة فى الانتخابات فان إحجام المرأة المسلمة عن المشاركة فى الانتخابات يضعف من فرصة فوز المرشحين الإسلاميين.

ثانيا: تولى المرأة مهام عضوية المجالس النيابية وما يماثلها :

ترى الجماعة أن ليس فى النصوص المعتمدة ما يمنع من ذلك أيضا، وما أسلفناه من نصوص تؤيد مشاركتها فى الانتخابات ينطبق على انتخابها عضوا.

ومما قيل فى هذا الشأن لتأييد الرأى المعارض :

1. أن المرأة جاهلة وغير متمرسة بالشئون العامة، وبالتالي يسهل التغرير بها، وهذه الحجة مردودة بأن المرأة الجاهلة كالرجل الجاهل وليست كل النساء جاهلات ولا كل الرجال بالمتعلمين أو المتمرسين فى الشئون العامة أو لا يسهل التغرير بهم ..

2. أن المرأة يعتريها الحيض والنفاس والحمل مما قد يعوقها عن أداء العمل بالمجلس الذي تنتخب فيه والرد على ذلك أن الرجل أيضا يعتريه من الأمراض وغيرها مما يؤثر عليه وعلى إمكاناته فى العمل – يضاف إلى ذلك أن عضوية المجالس النيابية تحدد لها شروط منها: ألا يقل سن العضو عن حد معين، يتراوح عادة ما بين ثلاثين إلى أربعين سنة، والأغلب أن المرأة إذا بلغت الأربعين أو جاوزت ذلك فإنها تكون قد فرغت من أعباء الحمل والولادة وبلغت طور النضوج العقلي والنفسى والاستقرار العاطفى، كما أنه قلما يستطيع الشخص فى سن الحد الأدنى المقررة أن يفوز بالمنصب النيابى لما يحتاجه ذلك لممارسة طويلة لسنوات عديدة فى الأعمال العامة، والإحصاءات تقرر أن قلة صغيرة من أعضاء المجالس النيابية هم الذين يكونون فى الحد الأدنى من السن المقررة أو ما بقاربه والغالبية تكون قد جاوزت ذلك بكثير.

وعلى أى حال فنحن نتكلم عن الحق فى الترشيح للعضوية وفى توليها إذا ما تم الانتخاب ولسنا بصدد البحث فيما ينبغي أن تتضمنه شروط العضوية من مؤهلات يجب أن تتوفر فى الرجل أو المرأة كما أن الأمر متروك للناخبين فان رأوا أن المرشحة ليست فى حالة أو ظروف وأوضاع تمكنها من أداء مهامها، فالمفروض أنهم لن يؤيدوا انتخابها، كما أن الجهة التى سوف تزكيها سوف تحجم عن تزكيتها وترشيحها.

وعن تولى المرأة الوظائف العامة قال البيان :

الولاية العامة المتفق على عدم جواز أن تليها المرأة هى الإمامة الكبرى، ويقاس على ذلك رئاسة الدولة فى أوضاعنا الحالية.

أما القضاء فقد اختلف الفقهاء بشأن تولى النساء له، فمنهم من أجازه على إطلاق (الطبرى وابن حزم)، ومنهم من منعه على الإطلاق (جمهور الفقهاء) ومنهم من توسط فأجازه فى أنواع من القضايا ومنعه فى أخرى (الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه)، وما دام الأمر موضع اجتهاد فالترجيح طبقا للأصول الشرعية أمر وارد، ثم ابتغاء مصلحة المسلمين طبق ضوابطها الشرعية وطبقا لظروف المجتمع وأحواله أمر وارد أيضاً.

أما ما عداً ذلك من الوظائف فما دام أن للمرأة شرعا أن تعمل فيما هو حلال لم يرد نص بتحريمه وما دام أن الوظيفة العامة هى نوع من العمل فليس ثمة ما يمنع أن تليها.

وكذا قيام المرأة بالأعمال المهنية: طبيبة، مدرسة، ممرضة، إلى غير ذلك مما تحتاجه هى أو يحتاجه المجتمع" انتهى.

وتضمن البيان تحفظات ضد التبرج والاختلاط، وسفر المرأة العضو للخارج بغير محرم، والتفرقة بين أن يكون للإنسان حق وبين كيفية استعمال هذا الحق الخ... مما يبين أن الإخوان لم يتخلصوا تماما من أثر النصوص رغم ما توصلوا إليه من تقدم وعلى كل حال فهذا هو المنتظر ومن العسير أن نطالبهم بالخروج من الإطار السلفى الذى يؤمنون أنه الإطار الحافظ للإسلام وأن دورهم مهما كان فهو فى توسيعه، ولكن ليس فى تجاوزه.

ولعلنا لا نتجنى على التقليديين والسلفيين إذا قلنا إن موقفهم المعارض لعمل المرأة إنما يعود إلى خشيتهم ما يحققه هذا العمل من استقلالية للمرأة حيث لا تكون تحت وصاية أبيها أو أخيها أو زوجها. ولعل هذه الفكرة المستكنة فى نفوسهم هى التى تدفعهم للمبالغة فى المخاطر التى تتعرض لها المرأة عندما تقتحم مجال العمل وتتصدى لغمرات الحياة. ونحن نقول لهم إذا كنتم تشفقون على المرأة من هذا، فاطمئنوا فإنه لا أساس له.. وأما إذا كنتم تشفقون على فقد الولاية على المرأة والتحكم فى أمرها وشؤونها وإخضاعها بحكم حاجتها المالية لكم. فنحن نقول لكم كفى.. لقد مارستم هذه الوصاية أجيالاً تلو أجيال وقرونا بعد قرون. وقد آن للمرأة أن تتحرر من وصايتكم وأن تتحرر من الشعور بالضعة والهوان لأن أباها، وأخاها الذى تتملكه النزوات ويخضع لكل ما يخضع له البشر من قصور ينفق عليها. ويضيق بما تكلفه. إن لكم أن تستأثروا بأموالكم لأبنائكم وزوجاتكم، ودعوا المرأة تكسب عيشها بعرقها وتكسب استقلاليتها بعملها إنكم بهذا تريحون وتستريحون. وتضعون الأمور فى نصابها ...

0 التعليقات:

إرسال تعليق