السبت، ٢٢ أغسطس ٢٠٠٩

الفصل الخامس عشر: الحركة النقابية تنهض بمستوى الشعب البريطانى

بعد الأنبياء فى النهضة بالشعوب والجماهير تأتى الجماعات المتطوعة التى يؤسسها رجال ونساء يؤمنون بأفكار اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية معينة ويرون فيها تقدم بلادهم ويجدون أن تكتلهم فى جماعة يزيدهم قوة، ويمكنهم من التأثير على السلطة وساعدهم على ذلك أن الحرية التى هى أساس النظام الرأسمالى لم تكن لتتجزأ، وكان لابد من السماح بتكوين مثل هذه الهيئات والتجمعات ..

وهكذا ظهر فى مجال التعليم جماعات تدعو إلى تعميمه، ومجانيته وإصلاحه وتغيير مناهجه بما يتفق مع متطلبات الحياة، وإطلاق المبادءات والملكات الحرة للدارسين وعدم الاعتماد على وسيلة التلقين التقليدية.

وظهر فى مجال تحرير المرأة هيئات عديدة تضم الرجال والنساء معاً تدعو إلى تحقيق المساواة بين المرأة والرجل بما فى ذلك حق الملكية والعمل وحق التصويت وحق الترشيح.

وظهر فى مجال الصحة العامة هيئات تدعو لإصلاح نظم التمريض والعلاج فى المستشفيات، وحق الشعب فى العلاج المجانى أو المدعم من الدولة، والحق فى الإجازات المرضية الخ ...

ولم تعدم السجون من يتصدى لإصلاحها ويدعو لنبذ الوسائل الوحشية المتبعة فيها، فظهرت جمعيات عديدة تدعو لإعادة النظر فى القوانين العقابية وتكييف الجريمة ومعاملة السجين وأن المجرم فى كثير من الحالات، يكون ضحية الظروف الاجتماعية التى أدت به إلى الجريمة.

وظهرت الجمعيات السياسية والأحزاب التى طالبت بالنظم الانتخابية الشعبية وتقييد سلطة الحكم وأن تكون السيادة للشعب.. وأن يتولى الحكم الأحزاب أو الهيئات التى تنال ثقة الجمهور، وأن تحل الديمقراطية محل النظم الأتوقراطية والأرستقراطية.

أما فى مجال الدين فحدث ولا حرج عن الهيئات والجماعات والمذاهب التى ظهرت بعد أن انقطع الوحى من السماء فنهضوا بتراث الأنبياء ودعوا إلى تنقية العقيدة وتصحيح المفاهيم والتحرر من آثار الأسلاف والقضاء على الخرافات التى تلتصق بالعقائد. وقدم رجال كثيرون حياتهم ثمنا لدعواتهم الإصلاحية إذ أحرقوا أو قتلوا أو سجنوا أو عذبوا ..

وفى ميدان الفنون والآداب تعددت الجماعات والهيئات والفرق التى أنزلت الآداب والفنون من أبراجها العاجية ومن دوائرها الأرستقراطية إلى واقع الحياة ومكنت الجماهير من الاستمتاع بما لم يكن يستمتع به إلا الأرستقراطيات فتعددت الفرق المسرحية – وظهرت فنون الغناء والموسيقى وأدخلت البهجة والمتعة فى حياة الكادحين، وظهرت مع ظهور المطبعة الملايين من الطبعات الشعبية والرخيصة للآداب العالمية من فن ونظم، ونثر وشعر وقصة ورواية.

هذه الهيئات والجماعات هى التى نهجت ونظمت مشاعر وآمال الأفراد، وبلورتها فى دعوات تقوم بها هيئات لها وجود مستقل ودائم. لقد كانت هى المعبرة الحقيقية عن نبض الشعب وإرادته ورغباته وعملت بكل قوة لتحقيقها بمختلف الطرق من دعاية ونشر واتصال واتفاق مع أعضاء المجالس النيابية والمحلية والبلدية ومطالبات متكررة للحكومات واتخاذ وسائل للضغط من مظاهرات أو مسيرات أو إضرابات أو غير ذلك بحيث كبحت جماح السلطة وحيدت فسادها بل استطاعت – كما سنرى فى المثال الذى اخترناه مثال الحركة النقابية البريطانية وسعيها الدائب متعاونة مع جناحيها الجمعية الفابية وحزب العمال. أن تحقق لأول مرة سنة 1945 دولة الرعاية عندما استطاع حزب العمال أن يحكم بريطانيا بأغلبية برلمانية كاسحة.

وحقا إن هذه الجهود كثيراً ما تُصاب بنكسات، وتضطر للرجوع إلى الوراء خطوات، ولكنها تواصل المسيرة فتعوض خسائرها ..

f

من بين هذه الهيئات والجماعات التطوعية اخترنا كمثال الحركة النقابية لأنها بسعيها الدائب وبوسائلها الفنية التى سنتحدث عنها رفعت ظروف العمل من أجور، وتأمينات الخ... ونهضت بمستوى حياة الشعب البريطانى كما وضعت فى وقت مبكـر. (1838) "ميثاق الشعب لإصلاح النظام الانتخابى البريطانى فأدت مواصلتها لهذه المسيرة دون كلل وبفضل جناحيها الجمعية الفابية. وحزب العمال إلى تحقيق ثورة فى أسلوب الحكم وأن توجد لأول مرة دولة "الرعاية" ..

إن الوعى عن هذه الجماعات والهيئات والحركات ضحل وسطحى، وبوجه خاص بالحركة النقابية التى هى أشمل هذه الحركات وأهمها لأنها تضم العاملين جميعاً من رجال ونساء دون تفرقه. ولأنها هى القّوامة على مرفق العمل أى أنها هى التى تحرك عجلة الإنتاج فى المصانع والحقول والمرافق.. ولعلنا بتسطير هذه الصفحات أن نستكمل هذا النقص فى المعرفة.

f

الثورة الصناعية

__________

كانت البشرية تستخدم فى صناعتها وزراعتها وسائل توارثتها الأجيال طوال القرون الماضية وكانت هذه الوسائل تعتمد على اليد وتتميز بالمهارة المستمدة من الذكاء الفردى أو صفات القوة والمهارة والدأب التى تميز بها بعض الناس عن بعض، ولكنها بصفة عامة كانت واحدة فى الشرق والغرب، فى الشمال والجنوب ..

ونتيجة لعدد من التطورات التى لا يتسع المجال لتفصيلها هنا، ظهر فى إنجلترا فى الثلث الأول من القرن الثامن عشر حدث على أعظم جانب من الأهمية والخطورة وإن بدا أولاً أنه لا يثير الانتباه. ذلك الحدث هو اكتشاف قوة يمكن أن تقوم بالعمل غير قوة الأيدى البشرية. وبشكل أكثر اتصالاً وقوة مما يتوفر للأيدى. وكانت هذه القوة هى البخار. التى بدأت ساذجة ولكن التحسين المتوالى فى طريقة استخدامها أدّى إلى صنع آلات للغزل والنسيج تحل محل الأنوال اليدوية التى كانت تنتشر فى قرى إنجلترا وتقوم عليها صناعة غزل ونسيج الصوف التى كانت من أكبر موارد قوة بريطانيا.. وفى مرحلة لاحقة على امتداد قرن من الثلث الأول للقرن الثامن عشر حتى الثلث الأول للقرن التاسع عشر استخدمت هذه القوة لتسيير القطار البخارى. وشاهد الناس مبهورين عربات تترابط وتسير دون أن تجرها الخيول والبغال ..

وقلبت الثورة الصناعية عالم الصناعة والعمال رأساً على عقب. وتعرض عمال بريطانيا للتشرد، ولم تعد ورشهم الحرفية وآلات الغزل والنسيج اليدوية والخشبية تغنى شيئاً أمام المارد المصنوع من الحديد والذى يتغذى بالفحم والنار وظهرت طبقة الرأسماليين، وهم أصلاً من التجار الذين دخلوا مجال الصناعة كأداة للكسب فهبطوا بالأجور وأطالوا ساعات العمل. وزاد فى شقاء العمال البطالة التى شردتهم وجعلتهم ضحايا مستسلمة أمام الرأسماليين فأعدادهم تزيد عما تطلبه الآلات. وبهذا أصبح قانون العرض والطلب فى غير مصلحتهم، ولما كان العمل يعد وقتئذ سلعة ثمنها هو الأجر، فإن قانون العرض والطلب الذى يحكم أثمان السلع أصبح تلقائيا فى غير مصلحة العمال.

وكان يفترض طبقاً لاقتران قانون العرض والطلب بظاهرة زواج العمال وإنجابهم أن تبخس أجور الجيل الثانى من العمال أكثر من أجور الجيل الأول. لأن الجيل الثانى تزوج وانجب فى حين أن الوظائف قلت لزيادة استخدام الميكنة. وهكذا تنزل أجور هذا الجيل الثانى، وتتكرر المأساة مع الجيل الثالث والرابع حتى يصل الأجر إلى الكفاف الذى لو نزلت عنه لمات عدد من العمال جوعاً. ولو مات عدد من العمال جوعاً لقل عددهم، ولو قل عددهم لارتفع أجرهم، وهذا هو قانون الأجور الحديدى الذى حدد للعامل جحيما "لا يموت فيه ولا يحيا" وكان من الممكن أن يتحقق هذا، فقد تخلت الكنيسة عن العمال. وكانت الحكومة هى حكومة أصحاب الأعمال، وكان المناخ هو مناخ الأثرة الفظة "كل لنفسه.. وليأخذ الشيطان الأخير" وصارح مالتوس الفقراء أن ليس لهم أن يشكوا.. فلم يستأذنوا الطبيعة قبل أن يأتوا.. وأن على الفقراء أن يعملوا لكى لا يزدادوا فقرا. وبررت كل سوءات الرأسمالية بمبررات بدت معقولة! فالبطالة ليست نقمة، بل هى نعمة وجزء لا يتجزأ من آليات النظام. وكيف يمكن أن تفتح أو تغلق المصانع ما لم يوجد هذا الجيش الاحتياطى من العمال العاطلين، وساعات العمل الطويلة المرهقة حسنة! لأنها تعود الأطفال العمل والدأب وتقضى على نزعة الكسل، والأجور الضئيلة مطلوبة لأنها تجبر العمال على مواصلة العمل وتحول بينهم وبين التردد على الحانات !

كان من الممكن أن يتحقق هذا الجحيم الذى يعيش فيه العمال كما لو كانوا قطيعاً آدميا، مسخراً للعمل وتستبعد منه كل أثارة لإنسانيته ...

لو لم تقم النقابات ...

الفكرة الجوهرية فى النقابية: احتكار عرض العمل

______________________________

ووسيلة التطبيـق : الاتفاقيـات الجـماعيـة

____________________________

لكى يمكن للحركة النقابية مقاومة هجمة الاستغلال الرأسمالى العاتية. أبدعت تكنيكا لم يتصوره دهاقنة الصناعة والاقتصاد السياسى وقتئذ، واستطاعت بهذا التكنيك. أن "تحتكر" عرض العمل فشلّت حرية هذا القانون وانطلاقته التى تحكم على العمال بالعبودية ووجد أصحاب الأعمال أنفسهم ذات يوم وقد ظهرت هيئة اسمها نقابة تضم كل العمال. وتتقدم باسم العمال طالبة زيادةً فى الأجور وتقصيراً فى ساعات العمل الخ... فإذا رفضوا فلن يعمل لديهم عامل واحد لأن كل العمال وكلوا النقابة فى التحدث باسمهم.

لقد أسقط فى أيديهم، فمهما كانت الآلية، فالعمال هم الذين يحركون الآلات. والعمال فى النقابة، وإلى النقابة سار أصحاب الأعمال، أو أنهم قابلوها فى منتصف الطريق. ووجدوا أنفسهم يجلسون مع العمال على مائدة واحدة ويتساومون فى المطالب.. ويسلمون للعمال بما يمكن أن يحول بينهم وبين الإضراب. ويوُقعون "اتفاقية جماعية".

كان هذا انتصاراً مؤزراً. فى إبداع الأسلوب والوصول إلى النتيجة. ومن هذه اللحظة وقف نزول الأجور وامتداد ساعات العمل. والاستبداد الطليق بالعمال. فهل هناك قصة أكثر إنسانية من هذا ؟ وهل هناك انتصار فى معركة اجتماعية يماثله ؟

ولم تقف النقابة عند البداية التى أبدعتها. إذ وضعت سياسة دقيقة ومحكمة لكفالة استمرار زيادة الأجور عند تجديد كل اتفاقية، ومدتها فى العادة ما بين سنة وثلاث سنوات، وحددت هذه الزيادة بشكل يجعلها الأفضل لصاحب العمل ويحول بينه وبين أن يدخل معركة مستقتلة مع العمال.. أو يغلق المصنع الخ… بحيث يذعن فى النهاية، وبذلك فرضت النقابات علاوات دورية على الأجور، وعلاوات أخرى طبقاً للإنتاج. وعندما خدعها أصحاب الأعمال. فمنحوا العمال الزيادات المطلوبة فى الأجور، ثم رفعوا الأسعار. بما يزيد عن زيادة الأجور، ووجد العمال أنهم كمستهلكين يخسرون ما كسبوه كمنتجين، لم تستسلم النقابة، إذ توصلت إلى إدماج مادة فى الاتفاقيات الجماعية تنص على أنه إذا زادت أسعار المواد الرئيسية التى هى قوام معيشة العامل من خبز أو لحم أو سكر أو زيت الخ… بنسبة مئوية معينة. فإن الأجور تزيد بالنسبة المئوية التى زادت بها الأسعار ..

وهكذا استطاعت الحركة النقابية أن ترفع المستوى العام للأجور. وأن تكفل له زيادات دورية، وزيادات مع زيادة الإنتاج وزيادات مع زيادة الأسعار.. وكل زيادة من هذه الزيادات المادية لها ترجمتها الإنسانية: عواطف ومشاعر، واستقرار وأمن، ونور ودفء واستقرار، ورضا وقدرة على الاستمتاع بالحياة وممارسة مجالات النشاط الإنسانى من فنون وآداب.

ولم يقتصر فضل الحركة النقابية فى مجال الأجور على العمال. لأن من المعروف أنه عندما تزيد أجور فئة ما من العمال فإن هذه الزيادات تنتقل إلى أجور عمال آخرين، ثم إلى فئات أخرى غير العمال من حرفيين أو فلاحين. وفى إنجلترا يقولون "إذا زاد أجر الفحام زاد مرتب الأسقف". فعمل الحركة النقابية الذى بدأت به نقابة أو نقابتان تحول إلى ثورة سلمية أعادت توزيع الدخل فأخذت من الأغنياء وأعطت الفقراء وحققت العدالة الاجتماعية لا بالنسبة للعمال فحسب، ولكن لكل فئات المجتمع ..

وحقق العمال انتصاراتهم تلك بوسيلة المفاوضة الجماعية التى تعد وسيلة حضارية بمعنى الكلمة، لأنها تختلف عن الحروب التى تسوى بها الدول مشاكلها ما بينها. أو الضغوط التى يمكن أن تمارسها الحكومة على شعبها من سجن أو اضطهاد. وهى بالإضافة إلى أسلوبها الحضارى. فإن هذا الدور له طابعه الجماعى الذى يعمل لتحقيق المصلحة للمجموع لا للفرد ويقوم على الشورى والديمقراطية وليس باستبداد طرف واحد باتخاذ القرار.

الإضراب: وسيلة الضغط النقابى

___________________

وليس معنى هذا أن الحركة النقابية لم تجد نفسها فى حاجة إلى وسيلة للضغط لأن هذا يتنافى مع الطبيعة البشرية وما طبع عليه المميزون من حرص على مزاياهم، فأبدعت الحركة النقابية أسلوب الإضراب كوسيلة للضغط وهو أيضاً أسلوب حضارى لأنه لا يستخدم الأسلحة أو العقوبة ولكنه الامتناع الجماعى السلمى عن العمل الذى يتحمل فيه العمال من التضحية يقوم أصحاب الأعمال بتقديمه، وما قد يكون بالنسبة لظروف العمال – أقسى عليهم مما هو على أصحاب الأعمال – وكان هذا السلاح رغم طبيعته السلبية فعالاً وأرغم أصحاب الأعمال على التسليم للعمال بما هو عادل ومعقول.

ولما كان الإضراب هو وسيلة النقابات الفعالة للضغط، ولما كان من المسلم به أن النقابات هى الأداة المنظمة لحماية العمال وتحقيق مطالبهم، فإن التشريعات اعترفت بمشروعية الإضراب المهنى. كما اعترفت به المواثيق الدولية عن العمل.

إن سلاح الإضراب الذى أبدعته الحركة النقابية فى صراعها المهنى مع الرأسماليين، يمكن أن يكون سلاحاً لكل هيئات المجتمع لتحقيق المطالبة المشروعة بحيث يمكن القول أن الحركة النقابية قد أهدت إلى المجتمع أسلوبا فعالاً للضغط دون أن تكون له الآثار السلبية لوسائل الضغط الأخرى وهذا هو ما حدث فإضرابات الطلبة والأحزاب السياسية قد لا تقل عن الإضرابات العمالية.

ولم يقف إطار العمل النقابى حول زيادة الأجر فقد شمل تقصير ساعات العمل، وتطبيق وسائل الأمن الصناعى وكل ما يتعلق بصحة العمال الخ... وممارسة هذه المطالب كان يوسع إطار "الشورى" الصناعية مع أصحاب الأعمال بحيث حققت النقابات الديمقراطية بعد أن حققت العدالة دون أن تتورط فى أوزار السياسة.

ميثاق الشعب 1838 – 1848

_________________

قامت الحركة النقابية البريطانية بدور جماهيرى بارز لإصلاح النظام الانتخابى الذى كان قد طال عليه العهد وظل قرابة 400 سنة دون تغيير فى الحركة التى حملت اسم الميثاقية Chartism وأخذت الحركة هذا الاسم لأنها تبلورت فى تقديم ميثاق Charter أطلق عليه العمال "ميثاق الشعب" وكان يستهدف أن تحقق الحكومة ستة مطالب هى :

1. إعطاء حق الانتخاب لجميع الذكور. لأن هذا الحق كان مقصوراً على فئات بعينها، وفكر الميثاقيون فى أن يكون هذا الحق لجميع الشعب (رجالاً ونساءً) ولكنهم تفادوا مقاومة – أو حتى سخرية – المجتمع البريطانى لو طالبوا بحق الانتخاب للنساء فقصروه على الذكور.

2. أن يكون الانتخاب بالاقتراع السرى. لأنه كان يتم بصورة علنية كانت تجعل الناخبين تحت تأثير المرشحين الأقوياء أو الأثرياء الذين يتابعون العملية الانتخابية.

3. المساواة والعدالة فى توزيع الدوائر. لأن الدوائر كانت قد حددت منذ 400 سنة تقريباً، وفى هذا الوقت كانت إحدى المناطق مأهولة ومن حقها انتخاب نائبين، ولكن التطور الصناعى والإنتاجى أدى إلى هجرة سكانها إلى مناطق جديدة. وهذه المناطق لم يكن لها حق الانتخاب لأنها كانت وقت تحديد الدوائر أرضاً بوراً. وكانت نتيجة ذلك أن كان من حق منطقة مهجورة انتخاب نائبين بينما حرمت المناطق الصناعية حيث مناجم الفحم والحديد وتركزات العمال من حق انتخاب نواب.

4. إلغاء اشتراطات الملكية للمرشحين. لأن الفكر السياسى القديم أعتبر أن الملاك الذين يملكون الثروات هم "أصحاب المصلحة الحقيقية" أما المعدمون فليس لهم مصلحة!

5. منح النواب مرتبات. لأن النواب لم يكونوا يمنحون مرتبات من مجلس العموم – لأنه رغم اسمه – كان أرقى نادى فى أوربا كما يقولون. وكان أعضاؤه من أصحاب المصانع وكبار التجار الخ...

ولم يكن هؤلاء فى حاجة إلى مرتبات. وإنما يرشحون أنفسهم حتى لا يمكن للحكومة أن تفرض ضريبة إلا بموافقتهم. وهذا الوضع يتغير بالطبع إذا دخله عمال ليس لهم دخل خاص.

6. أن تكون مدة الدورة النيابية سنة.

وأخذ الميثاق صورة عريضة تطالب بتحقيق هذه المطالب يوقع عليه العمال فى كل مصنع. وتؤخذ هذه العرائض وتلصق على شريط عريض يلف حول بكرة ضخمة دخلت من باب مجلس العموم بصعوبة لكى ينظر فيها ..

وقدم الميثاق ثلاث مرات، وبلغت التوقيعات عليه فى المرتين الأخيرتين بضعة ملايين وقاربت الحماسة المحمومة حد للثورة، وأصبح الحديث عن السلاح والبحث عنه أمرا مألوفا، وعادت مرة أخرى فكرة الإضراب العام طوال شهر مقدس حتى ينفذ الميثاق، وحصنت الحكومة لندن ومواقعها وعبأت جنودها، وجاءت بالدوق ولنجتن العجوز قاهر نابليون وبطل وترلو قائدا ليشرف على تحصينات مدينة لندن يوم قدم الميثاق للمرة الأخيرة سنة 1848.

ولم يتحقق أى مطلب من مطالب الميثاق عندما قدم فى المرات الثلاث (1838 – 1848) لعزوف أعضاء مجلس العموم، ولكن المطالب تحققت واحدة إثر الأخرى. بفعل التطورات وضغوط النقابات والمصلحين وهيئات المجتمع. وكان آخرها تطبيقاً هو منح النواب مرتبات. ولم يتحقق إلا سنة 1913 عندما أصبح عدد من العمال المرشحين نواباً. وتعين صرف مرتبات لهم.

المطلب الوحيد الذى لم يتحقق هو أن تكون مدة الدورة الانتخابية سنة واحدة، إذ اتضح أن هذا غير عملى، وأن العمال عندما طالبوا به كانوا متأثرين بالدورة النقابية التى كانت وقتئذ لمدة عام.

ويجب أن لا ننسى أن الحركة النقابية كانت هى قاعدة تكوين حزب العمال الذى حل محل حزب الأحرار وأصبح هو وحزب المحافظين فرسى رهان ...

وأخيراً فقد كانت للحركة النقابية البريطانية الفضل فى تدعيم دعوة "الأممية الأولى" التى تكونت سنة 1864 واتخذت من لندن مقراً لها، وهى أول صورة "لعولمة" جماهيرية شعبية وكان يمكن أن تزدهر لولا تدخل ماركس وبعض المتطرفين فيها.

فهذا العمل النقابى يقدم لنا صورة فعالة ومؤثرة للنهضة بالمجتمع قام بها رجال من صميم الشعب ونجحوا فيها لأنهم توصلوا لإبداع آليات فعالة فى تطوير المجتمع والنهضة به ويمكن لكل حركة نقابية فى دول العالم الثالث أن تقوم به إذا استوعبت أصول وفنية العمل النقابى من ناحية، وأهدافه العامة والشعبية من ناحية أخرى.


0 التعليقات:

إرسال تعليق