السبت، ٢٢ أغسطس ٢٠٠٩

الفصل الرابـع عشر: الأنبياء أول الدعاة لتحرير الشعوب

أوضحنا فى الصفحات السابقة كيف أن السلطة أفسدت الأيديولوجيا وأن الدولة التى يفترض أن تكون خادمة للأمة أصبحت هى سيدة الأمة التى تتحكم فيها. وبدلاً من أن تجبى الضرائب لتقدم الخدمات من صحة، وتعليم، وأبحاث، فإنها تجبى الضرائب لتدعيم الجيش ومضاعفة البوليس وبناء السجون وإقامة نظم مخابرات وتجسس بحجة حماية الأمن الداخلى ..

ولاحظنا أن دور الدولة حتى مشارف العصر الحديث اقتصر على شن الحروب لضم المزيد من الأراضى إذا كان على رأسها ملوك أو قادة عسكريين، أو لضم الأسواق إذا سيطر عليها الرأسماليون. وفى جميع الحالات فإن الشعوب لم تجن من هذه الحروب إلا سفك دماء شبابها وتشويه جزء كبير من شعبها بالعاهات التى تحدثتها الحروب، فضلاً عن دمار البيوت وفساد المحاصيل الخ... وما أكثر ما استغلت الجماهير أسوأ استغلال واستحوزت على أموالها ولولا يقظة الشعوب فى القرنين الأخيرين فى أوربا – لما تنبهت الدولة إلى دورها الحقيقى فى خدمة الشعوب والجماهير.

وعند تحليل الوضع ووزنه نجد أن الجماهير تمكنت فى العصر الحديث وحده من كبح جماح الدولة، وألزمتها القيام بدورها كما حدث فى بريطانيا عندما حكم العمال لأول مرة بمفردهم سنة 1945 إذا بدءوا دولة الرعاية. وإن كانت هذه البداية لم تستمر طويلاً فى بريطانيا، كما أنها لم تظهر بهذه القوه فى غيرها. فلا تزال الجماهير تتخبط فى إسار النظم والأوضاع والتعقيدات التى أقامتها الدولة من العصور القديمة حتى الآن، ولا تزال عاجزة عن إلزام الدولة القيام بدورها الحقيقى.

وفى هذا الباب سنبرز أن تقدم الأمم لم يأت بفضل الحكومات والدول، ولكن جاء بفضل الأنبياء الذين نعتبرهم المُثل العليا للقيادات ونعتبر أن دعواتهم – الأديان – كانت هى التحرير الأول للجماهير فى العصور القديمة قبل أن تتقدم المجتمعات وتستطيع أن تنظم نفسها للدفاع أو لكبح جماح الحكومات ومن العجيب أن يبدو ذلك كما لو كان أمراً جديداً، مع أنه هو أقدم الظواهر فى تاريخ المجتمعات القديمة، ولكن اقتصار الكتابات عن الأديان على الجانب العبادى – الفـردى – وإغفالها للجانب الجماعى الثـورى – جعل إظهار وإبراز هذه الصفحة يبدو شيئاً جديداً.. مع أن شعوب هذه المنطقة تعيش فى عالم الدين.. تأكل وتشرب وتفكر وتقرأ الخ... كما يريد لها الدين.

فإذا انتقلنا إلى العصور الحديثة وجدنا أن توجيه الدولة إلى دورها الحقيقى إنما جاء بدفع الهيئات الشعبية والجماهيرية المتطوعة التى نظمها لفيف من الناس بوحى اهتمامهم بموضوعها وإيمانهم بالفكرة فيها سواء كان ذلك عن تعميم التعليم أو العناية بالصحة العامة والتأمين من المرض أو إصلاح القوانين – مدنية أو جنائية الخ... وقد ضربنا المثل بالحركة النقابية من بين الحركات المدنية والطوعية لأنها أعرق هذه الهيئات ولأنها استطاعت أن تحكم بوسائلها الخاصة نظماً لمعالجة الأجور وساعات العمل والتأمينات الخ... إلى آخر ما يتعلق بالعمل. ثم زحفت بحكم إيمانها الشعبى – على المجال السياسى – فقامت فى بريطانيا بأول محاولة شعبية جادة وعميقة لإصلاح النظام الانتخابى البريطانى فى الحركة التى حملت اسم حركة الميثاق أو الحركة الميثاقية فى منتصف القرن التاسع عشر والتى لا يكاد كتاب النظم الدستورية يعرفون عنها شيئاً. ثم نظمت مع حليفتها الجمعية الفابية حزب العمال.

وأخيراً نأتى للعصر الحديث الذى بدأه العلماء فى كل مجال، فهو مدين للعلم والعقل والفكر فى كل تخصص سواء كان علوم بيولوجية أو هندسية أو رياضية أو فلسفة الخ... وقد بدأ مع حقبة "الرينسانس" وظل حتى أديسن وفورد اللذين يدين إليهما العصر الحديث بالإنجازات التى تغطى أكبر مجال فى حياتنا فى العصر الحديث حتى ثورة الكومبيوتر والإنترنت التى نعايشها.

واقترنت حركة النهضة العلمية بفكرة "التقدم وإثراء الحياة" وجعل قوى الطبيعة فى خدمة حاجات المجتمع البشرى.

فالدعوات الدينية، والجماعات المدنية، والألوف وعشرات الألوف من العلماء هم سر تقدم الأمم – وليس الحكومات، ولو تركت الحكومات وحدها، لما قامت بغير الحروب واستغلال الشعوب ..

f

الفصل الرابـع عشر: الأنبياء أول الدعاة لتحرير الشعوب

إذا عدنا إلى أعماق التاريخ، إلى تلك العصور المجهولة التى لا نعلم عنها إلا القليل والتى كانت شعوبها تعيش على الزراعة أو الرعى أو الحرف اليدوية. والتى سادتها الجهالة والأمية، والخرافة، وحكمها طغاة مؤلهون وتساءلنا كيف كانت حياة هذه الشعوب ؟

إذا حكمنا بطبائع البشر، وضرورات الاجتماع فيمكننا القول إنهم كانوا يعيشون فى شقاء وبؤس وكدح يتعرضون للأمراض والأوبئة، ولا ينالون ولو بصيصاً من المعرفة التى كانت محصورة فى أيدى الكهنة، وكان الملوك والأرستقراطيات الحاكمة لا تظفر – إذا ظفرت – إلا بقسط ضئيل منها.

كان الدين هو القوة المهيمنة فى هذا المجتمع إذ ارتؤى أنه يقدم الحل الذى يقلق إنسان هذه العصور ويشغل باله من شمس بازغة إلى بحار هادرة إلى أنهار جارية إلى أمطار تنزل من السماء.. ثم ما يحدث للإنسان عندما ينام من أحلام تنقله إلى عوالم خيالية، وأخيراً الموت التى ينهى الحياة تماماً... هذه الظواهر التى كانت تكتنف الإنسان القديم لم يكن يجد لها حلاً.. إلا فى الدين الذى قام وقتئذ على مزيج من الخرافة والسحر والطلاسم والطقوس.. التى تحاط بها الأوثان المعبودة وتنسج حولها الروايات عن قدراتها. وظهرت فئة "الكهنة" الذكية التى احتكرت هذا المجال الهام ووظفته لمصلحتها وتعاونت مع السلطة بحيث قام بينهما تحالف وثيق فالكهنة يضفون على الملوك، والفراعنة، والأباطرة، الصفة الإلهية المقدسة، وهؤلاء يعترفون للكهنة باعتبارهم القوامين على هذا المجال وبهذا التحالف تُحْكَم السيطرة الروحية والفعلية على الجماهير.. بحيث استحال عليها أن تتخلص منها.

أمام هذا الطوق المحكم، أمام هذا السد المغلق استحال على الجماهير فى تخبطها وجهالتها وفاقتها وتفرقها أن تستنقذ نفسها بنفسها، وأصبحت شعوب العالم فى هذا سواء. فالوثنية القديمة جعلت العالم "أمة واحدة" بتعبير القرآن الكريم فى استخذائها للأوثان والطغاة حتى وإن اختلفت الأسماء فى مصر عنها فى روما عنها فى بابل.. كلها أوثان، كلها كهنة كلها ملوك طغاة.. كلها استبداد وتسخير للشعوب والجماهير.

وهكـذا كان الناس أمة واحدة فى غفلتها، واستخـذائها واستسلامها. )فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ( {البقرة 213} ..

لم يكن من الممكن أن تتحرك الجماهير، ولم يكن طبيعياً أن يكون منفذوها هم مستعبدوها. كانت القوة الإلهية وحدها هى التى يمكن أن تنقذ الشعوب والجماهير.

ماذا قدم الأنبياء للبشرية فى عهودها القديمة عندما كانت هذه الجماهير عاجزة مجردة من القوة ...

قامت دعوة الأنبياء أولاً قبل كل شىء بتخليص الناس من عبادة الملوك والأباطرة، أو الأوثان التى نصبوها رموزاً لبعض مظاهر قوة الطبيعة وما كان يستتبعه من طاعة عمياء للملوك على أساس أنهم آلهة. وقد كانت كل الشعوب القديمة تؤله ملوكها بدرجة أو أخرى من فراعنة مصر حتى أباطرة الرومان. وكانت هذه النقطة – تألية الأباطرة – هى التى حملت الرومان على مقاومة المسيحية واضطهاد المسيحيين الذى أشرنا إليه من قبل.

قد يقال إن الأنبياء أنقذوا البشر من عبادة الملوك والأباطرة وأوقعوهم فى عبادة الله. ولكن الله تعالى فى الحقيقة هو الكمال المطلق والعبودية له ليس فيها شبه للعبودية للملوك حتى وإن تضمنت صلواتها ركوعاً وسجوداً ما دام هذا كله للكمال والحكمة والمثل الأعلى والقوة التى خلقت السموات والأرض ووضعت النواميس والسُنن لسيرها جميعاً. فالإيمان بالله جزء من كمال الاعتقاد.

وقام الأنبياء عملياً بدور المحرر للشعوب والجماهير فى ثورات هى أعظم وأنبل الثورات، وأقلها سفكا للدماء.

هو ذا موسى يتقدم إلى فرعون ليطلق سراح قومه اليهود الذين كان المصريون قد استعبدوهم وسخروهم فى أشق الأعمال وأخضعوهم لصنوف من الاستغلال والاستعباد حتى ظهر فيهم موسى وطالب فرعون بأن يحررهم ويتركهم ينطلقون إلى بلاد أخرى لا تفرض عليهم السخرة ورفض فرعون وتمسك موسى واستطاع بتأييد من الله أن يقود بنى إسرائيل من "بيت العبودية" إلى أرض الحرية، وأن يبدأ تاريخ الشعب اليهودى بظهور هذا القائد المحرر الذى أنقذهم من الاستعباد وقادهم إلى أرض الحرية.

وأنقذت المسيحية الشعوب المستعبدة فى الرق الرومانى وشرعة روما الطبقية والقائمة على السيف إلى شعوب حرة أبيه تستعذب العذاب فى سبيل إيمانها، وتتوصل فى النهاية إلى إنهاء الحكم الرومانى بأباطرته المعبودين وشرعته الطبقية ..

وظهر خاتم الرسل محمداً وسط قبائل عربية متنازعة متحاربة يغير بعضها على بعض وتفخر بسبق جواد أو كسب الميسر وشرب الخمر.. إلى أمة تحمل الكتاب والميزان وتعِّرف الحضارة الفارسية والحضارة البيزنطية على مثل وقيم المساواة والعدل والرحمة والخير ..

واقترنت دعوة الأنبياء للإيمان بالله، بمجموعة من التوجيهات والأوامر والنواهى كلها تمثل القيم العليا التى يصلح عليها نظام المجتمع. وكان لابد لها من هذا حتى تتميز الدعوة لله التى يتقدم بها الأنبياء عن الدعوة للآلهة الوثنية التى يتقدم بها الكهنة والتى تتضمن صنوفاً من التفرقة الطبقية والتميز والتى تقر الظلم والبغى. وقد قدم كل نبى من الأنبياء رسالته فقدم موسى وصاياه العشرة التى تنص على :

أنا الرب إلهك الذى أنقذك من مصر بيت العبودية :

1. لا تعبد آلهة أخرى.

2. لا تقم صنما يصور أى شىء فى الأرض أو فى السماء أو فى أعماق الماء.

3. لا تسئ استخدام اسم الرب إلهك لأن الرب لا يغفر لمن يفعل ذلك.

4. تذكر السبت واحتفظ به مقدساً تعمل أعمالك كلها فى ستة أيام وتخصص اليوم السابع للرب. ففى هذا اليوم لا يجوز له، ولا لابنك أو ابنتك ولا لخادمك أو خادمتك ولا لحيواناتك ولا لغريب داخل بابك.

5. احترم أباك حتى تعيش طويلاً فى الأرض التى منحها الله لك.

6. لا تقتل.

7. لا تزن.

8. لا تسرق.

9. لا تشهد زوراً على جارك.

10. لا تشته بيت جارك ولا زوجته، أو خدمه، ولا ثوره ولا حماره، أو أى شىء يملكه.

بينما قدم المسيح خطبة الجبل التى أوردناها بالكامل فى الفصل السابع من هذا الكتاب.

أما محمد فقد بلور فى خطبة الوداع التى ألقاها يوم الحج الأكبر قبيل وفاته وقال فيها" "أيها الناس، إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من أتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تُظلمون. قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله، وأن كل دم كان فى الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعه بن الحارث بن عبد المطلب[73] أما بعد أيها الناس، فإن الشيطان قد يئس من أن يُعبد بأرضكم هذه أبدا، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم، أيها الناس: إن النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً، ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله أثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرم، ثلاثة متوالية ورجب مضر، الذى بين جمادى وشعبان.. أما بعد أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن فى المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولى، فإنى قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، كتاب الله وسُنة نبيه. أيها الناس، اسمعوا قولى واعقلوه، تَعَلَّمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين أخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلاَ تْظِلمُنَّ أنفسكم، اللهم هل بلغت."

f

على أن هذا ليس هو كل ما قدمه الأنبياء.. لقد قدموا أيضا النموذج الأمثل للقائد، واتصفوا بما لا يتصف به عادة القادة، كما عرفهم العالم القديم، من سيطرة وتسلط واستحواز على الثروات الخ... برؤوا من كل لوثات الضعف والانحراف والنقائص فكانت أخلاقهم كريمة لا تشوبها شائبة.

والأنبياء عادة من صميم الشعب، وهم يتقدمون بدعوتهم للجميع، ولكن قلما يؤمن بها الحكام والمترفون.. لأنهم يرون فيها ما يمس وضعهم المتميز ومزاياهم الطبقية، وإنما يؤمن بها عامة الشعب والفقراء والكادحون فى الأرض أو الحرف والفقراء المجردون من الثروات.. باختصار من كان يطلق عليهم الحكام "أراذلنا" ومن كانوا يرون أن إيمان هؤلاء يجعلهم يترفعون عن الإيمان بالرسل حتى لا تتساوى الرؤوس.

والأنبياء يجوبون الأسواق ويتحدثون إلى الناس ويقيمون دعوتهم على "الحوار" وعلى تقديم البينة والحجة وعلى إثارة ما فى نفوس الناس من عناصر خير كامنة فيه.

واقرأ مثلاً هذه الآيات التى تمثل حوار الأنبياء نبياً نبياً مع شعوبهم وجماهيرهم ..

)لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يا قوم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(59) قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ(60) قَالَ يا قوم لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ(64) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يا قوم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ(65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ(66) قَالَ يا قوم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ(68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ(71) فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ(72) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يا قوم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ(74) قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ(75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يا صالح ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ(77) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ(79) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ(80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِيـنَ(83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ(84) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يا قوم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاَ فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(87) قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شعيب وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِيـنَ(88) قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ(89) وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنْ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ(90) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ(92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ(93) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَـذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضـَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ(94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ( {الأعراف 59-95} ..

وكذلك ...

)أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ(9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ(10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(11) وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ(12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ( {إبراهيم 9-13} ..

لقد حول رفض المشركين القاطع لدعوة الأنبياء، وتهديدهم الأنبياء بمختلف صور الاضطهاد.. الحوار إلى صراع ما بين الحق والباطل، ولم يكن مناص من أن تقوم المعجزة بدور فى هذه الأزمان البائذة.. وقد يثير ذلك شيئاً من العزوف.. لدى البعض، ولكن هل كان الأفضل ترك الباطل يتحكم ويستشرى، وهل كان الأفضل أن يقود الأنبياء جيشاً يقهروا به المشركين؟ وإنى لهم هذا والقوة والمنعة فى أيدى الحكام أو هل يكون أكثر معقولية لو قضى عليهم بزلزال أو سيول الخ... إن صراع القوى فى المجتمع أمر واقع، ولا مفر منه، وعلى كل حال فإن دور المعجزة الخارقة للطبيعة قد انتفى مع ظهور الإسلام لأن معجزته كانت كتاباً ..

f

بالإضافة إلى أسلوب الحوار، فإن الأنبياء لا يطلبون أجراً ولا يريدون منصبا. وإذا قدرنا أن القيادة فى الدأب المألوف والممارسات الجارية هى السبيل إلى الثروة والجاه والمنصب والرئاسة لظهر لنا كيف أن تجرد الأنبياء يعطيهم، ويعطى قيادتهم، صفة مختلفة عما ألف الناس فى القادة.

هو ذا نوح يقول :

)وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ( {الشعراء 127} ..

وهو ذا هود :

)وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ( {الشعراء 155} ..

وهذا لوط :

)وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ( {الشعراء 180} ..

وأخيراً قول الرسول :

)قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ( {سبأ 47} ..

f

إن ...

  • إنقاذ البشرية من تأليه الحكام وسيطرة الكهنة وتعريفهم على الله تعالى.

  • القيام عمليا بقيادة ثورات التحرير الكبرى التى حررت اليهود المستعبدين، والمسيحيين المستضعفين والتى جعلت من القبائل العربية المتنازعة رسل حضارة يحملون الكتاب والميزان.

  • اقتران الإيمان بالله بمجموعة من القيم التى تكفل سلام المجتمع واستقامته بدءاً من الوصايا العشر فى اليهودية حتى خطبة الوداع فى الإسلام مروراً بخطبة الجبل من المسيح.

  • إدارة الدعوة بأسلوب الحوار دون قسر أو ضغط.

  • التجرد الكامل بحيث لا يقبل الرسول أجراً ولا يتقلد منصبا، وإنما يقوم برسالته حسبة وقربى ..

هذه كلها قدمها الأنبياء فأى قادة قاموا ببعض – لا بكل ما قاموا... ؟

إننا لا نرى ذكراً للجماهير فى هذه العصور الموغلة فى القدم إلا على لسان الأنبياء، ولا نرى عناية بهم، إلا عندهم وقبلهم كان التركيز على الطبقات المميزة والحكام والأثرياء الخ ...

إن الأنبياء مثل عليا فى الخلق الكريم من صدق وشجاعة وإخلاص الخ ...

من أجل هذا قلنا فى "إيماننا" الذى يبلور دعوة الإحياء ..

"الأنبياء هم القادة الحقيقيون للبشرية، ويجب جعلهم المُثل فى القيادة، وإطراح أحكام الطاغوت من قادة جيوش أو أباطرة أو ملوك الخ... وما وضعوه من سياسات القهر التى لوثت فكرة الحكم والقيادة وأساءت إلى البشرية.

ونحن نؤمن أن الإسلام قد قدم الصورة المُثلى لله والرسول، على أننا نفهم الصور التى قدمتها الأديان الأخرى، لأن الدين أصلاً واحد، ولكن الشرائع متعددة، ونحن نؤمن بالرسل جميعا، وأن الله تعالى أراد التعدد والتنوع ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة. وأن الفصل فى هذا التعدد هو إلى الله تعالى يوم القيامة". ولا ينفى هذه الحقيقة أن تكون الفلسفة والآداب والفنون قد حلت محل الدين فى المجتمع الأوربى فلكل مجتمع طبيعته الخاصة وقدَره الذى لا يمكن التمرد عليه أو التنكر له، وفى الوقت نفسه – فإنه لا يحول دون تلاقح الأفكار وتحاور الحضارات، وتقارب الديانات لأن الحكمة ضالة المؤمن، ولا ينفى هذا أن تَعَرُفْ الجماهير الأوربية على سيرة السيد المسيح أضفى قدراً من المحبة والخدمة التطوعية فى المجتمع الأوربى، ولكن هذا لم يؤثر على السياسات، ولا على القادة الذين استحوزت عليهم ضراوة الربح أو السلطة.

وفى نظرنا أن أعظم خسارة خسرتها أوربا هى أنها لم تطلع تماماً – وبالصورة السليمة – على هذا السجل الخالد النبيل فى تاريخ تحرير الشعوب ونموذج القيادة الذى جاء به الأنبياء، وبالتالى اتسمت قياداتها بالجبروت والانتهازية واقتصرت على القيم الذاتية التى ليس لها كمال أو موضوعية أو حصانة القيم الدينية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق