الثلاثاء، ١٨ أغسطس ٢٠٠٩

جناية «قبيلة حدّثنا» (٣ ــ ٣)

ما جناية «قبيلة حدثنا» على وجه التحديد ؟

جناية «قبيلة حدثنا» جاءت من أنها طبقت على العقيدة ، وعلى القرآن ، وعلى الفرد المسلم ، وعلى المجتمع المسلم كل ما جاءت به من أحاديث ضعيفة ، وموضوعة ، والفهم السلفى لهذه الأحاديث .

وإذا قلنا إن جناية «قبيلة حدثنا» كانت من أكبر أسباب تخلف المسلمين ، لما كان فى هذا تجن ، لأن الأحاديث التى جاءت بها هى مادة الفقه الإسلامى ، ولأن حب المسلمين لنـبِّـيهم العظيم جعل للأحاديث منزلة خاصة ، وجعلها تتغلغل فى صميم نفوسهم وعميق قلوبهم بحيث أثرت عليهم أكثر من أى شيء آخر ، وكانت هى التى طبعت المسلم النمطى والتى فرضت على المجتمع الإسلامى مفاهيم اجتماعية وسياسية متخلفة .

الجناية الأولى على العقيدة ، والعقيدة كما عرفها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هى : «الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر»، وفى روايات : «والقدر خيره وشره» .

جاءت «قبيلة حدثنا» فأضافت إلى هذا التعريف كل ما جاءت به الأحاديث عن :

أولاً : رؤية الله تعالى يوم القيامة لا تضارون فيه كما لا تضارون فى الشمس فى رائعة النهار .

ثانيًا : جعلوا لكل ما جاء فى القرآن عن صفات الله مثل العلو والعرش والعين واليد والفم .. الخ ، وجودًا حقيقيًا ، وإن كانت الكيفية مجهولة ، فقالوا مثلاً إن الله له يدان حقيقيتان تليقان بجلال الله ولا تماثلان يدى المخلوقين ، وأغرب ما فى هذا أنهم رفضوا «التفويض» أى القول «أننا نفوض أمرها إلى الله» ، وأصروا على إثبات المعنى وإن جهلت الكيفية ، وفى نظرنا أنهم بهذا : قاربوا الشرك وأفسدوا العقيدة .

ثالثاً : أوجبوا الإيمان بعذاب القبر وبالشجاع «الثعبان» الأقرع الذى يضرب من لا يعرف الرد على الملكين ضربة يسمعها الثقلان، باستثناء الإنسان، ولو سمعها لصعق .

رابعًا : أوجبوا الإيمان بالميزان ذى الكفتين واللسان وصفته فى العِظمْ أنه مثل طبقات السموات والأرض

خامسًا : أوجبت الإيمان بحوض الرسول صلى الله عليه وسلم الذى يمتد من المدينة إلى حيفا .

سادسًا : أوجبت الإيمان بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وبمعجزاته الحسية .

سابعًا : أوجبت الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت .

ثامناً : أن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد فى نار جهنم أبدًا ، وأن أصحاب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة، ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم، ولا شفاعة فإنهم إن دخلوا النار لا يخلدون فيها .

أما جنايتهم على القرآن فإنها تتطلب كتبًا ، فأولاً أوردوا أحاديث لا حصر لها ــ ولا أصل لها ــ تفسر آيات القرآن ، ووضعوا مبدأ النسخ وأن هناك آية واحدة يطلقون عليها آية السيف نسخت كل آيات الصفح والسماح ، كما أوردوا أسبابًا هزيلة ركيكة تثير التقزز لأسباب النزول ، وأقحمت فى التفسير إسرائيليات لا حصر لها أساءت إليه ، وهبطت بمستواه إلى مستوى «القص» والوعظ .

وشوهوا صورة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما زعموا أنه كان يطوف على نسائه التسع كل ليلة ، وأنه أتى قوة ثلاثين رجلاً ، وأنه سحر حتى كان يرى أنه يأتى النساء ولا يأتيهن ، وأن الذى قام بذلك يهودى.

هناك جانب هام من جناية قبيلة «حدّثنا» لم يُعن به الكتاب والمؤرخون ، ذلك هو أن قبيلة «حدثنا» هى التى فرضت الشخصية النمطية للمسلم بصورة تجعلها الأسوأ ، وأنها تجعله الذى ينظر دائمًا إلى الوراء .. إلى الماضى ، ولا ينظر أبدًا إلى الأمام ..

إلى المستقبل وهو الذى يسير مطرقاً منكسرًا حتى لا يتهم بخيلاء، أو ينظر إلى نساء ، وهو يبدأ حياته اليومية بمجرد الاستيقاظ من النوم بتلاوة دعاء الصباح ثم يسير إلى الحمام فيدخله بقدمه اليسرى ليقضى حاجته ثم ليتوضأ ليصلى ركعتى الضحى ، إن كان قد صلى الصبح فى الفجر ، ثم يسير إلى الشارع فيتلو دعاء الخروج ، ويركب تاكسى فيتلو دعاء الركوب حتى يصل إلى مكان عمله ، فإذا أذن الظهر وأقيمت الصلاة ترك كل شيء فى يديه ، ولو كان أمامه طابور طويل ينتظر إنهاء مسائله ، ويهرع إلى المسجد ليصلى الظهر ،

وما توصى به قبيلة «حدثنا» من نفل ، ويعود متثاقلاً إلى الجمهور ليستكمل عمله، حتى ينتهى وقت العمل ليعود مكررًا الطقوس والأدعية نفسها، ليجد زوجة قد أعدت الغذاء فيغسل يديه ، وقد يفضل أن يأكل بأصابعه وليس بالشوكة والسكين ، وعليه قبل بدء الطعام تلاوة دعاء ويختم بدعاء آخر ، وهو لا يفتح التليفزيون ليسمع غناء أو يرى تمثيلية ، وإنما ليسمع مواعظ الوعاظ وأقاصيص القصاص عن عذاب القبر والجحيم حتى ينتهى اليوم ليتلو دعاء النوم وينام على شقه الأيمن ، وبهذا ينتهى اليوم ليبدأ يوماً آخر ويكرر ما أداه فى يومه السابق .

ولا يجد فيما تقدمه قبيلة «حدثنا» حثاً على تعلم مهارات جديدة أو استدراكاً لنقص فى المعرفة أو حثاً على معونة المحتاجين من جيرانه

ولا يسمع شيئاً عن دوره كمواطن ، بل حتى كيف يعامل زوجته، ويدرب أبناءه على الاعتماد على النفس والإقدام وتحمل االمسؤولية .

إن كل بضاعة قبيلة «حدثنا» ضد الحياة ، ضد الحاضر. إنها تعيش الماضى وتجهل المستقبل، إنها ضد الاعتماد على النفس ، أو الحرية فى الإرادة ، أو القدرة على تحمل المسئولية ، أو الرغبة فى التقدم ، أو أى شيء يثير الذهن أو يُعمل العقل ، أو ما يثبت وجوده فى هذا العصر ، فإذا تعرض لأحد تحدياته وقف كطفل مسكين أعزل لا يعرف حلاً ولا يهتدى سبيلاً .

إن قبيلة «حدثنا» جعلت الطابع الرئيسى للمسلم النمطى السلبية والماضوية ، ومعنى هذا أنها حكمت عليه بالإعدام الأدبى والمهنى والاجتماعى لفقده كل المقومات التى يمكن بها أن يساهم فى حياة العصر .

وكان لقبيلة «حدثنا» أثر سيئ على المجتمع ، لا يكون من المبالغة أن نقول إنه «خرَّب» المجتمع الإسلامى وأخر تقدمه ، وذلك بما قدمه من أحاديث تفسد الفكر.. وتفسد الحكم.. وتفسد المجتمع ، ولسنا بحاجة لأن نعدد هذه الأحاديث ، وحسبنا أن نشير إلى أربعة أو خمسة منها.

هناك حديث «من بدل دينه فاقتلوه«، وهو الحديث الذى رفضه الإمام مسلم ، لأن شبهات كانت تحوط راويه عكرمة، جعلته لا يدخل له حديثاً فى صحيحه ، وقد كانت هذه شبهة كبيرة تؤدى إلى استبعاده، خاصة أنه يقضى بالكفر وبالإعدام على من يرتد ، ولكن لم يكن المطلوب عقاب المرتد ، لأن هذا بعد أن تدعم بنيان الإسلام كان أمرًا مستبعدًا ،

وقد يكون هناك العديد من الذين لا يؤمنون بأحد مقدسات الإسلام، سواء كانت عن الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهما أصلا الإسلام ولكن هؤلاء ما كانوا يرون أى مبرر لكى يعلنوا هذا على الملأ ، وكانوا يحتفظون برؤيتهم لأنفسهم ،

أما الذى جعل قبيــلة «حدثنا» تتمســك بهذا الحديث ، فهـو أنه يمكن أن يكون حماية للعهد والنظام القائم من أى ناقد أو معارض ، خاصة بعد أن أبدعوا صيغة «من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة»، فهنا ينفتح الباب لوصم كل معارض بأنه جحد معلومًا من الدين بالضرورة ، وقضى هذا الحديث على حرية الفكر أو قل إنه أغلق الباب أمامها ، وإذا انتفت حرية الفكر من مجتمع : «فعليه السلام».

أو خذ مثلاً حديث «الأئمة من قريش» هذا الحديث الذى حصر الخلافة فى قريش ، كأن قريش ستدوم أبد الدهر ، فضلاً عن منافاته لأصول الإسلام التى لا تمالى جنسًا ولا قبيلة ولا أسرة وتقول : «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ«، و «لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى» فجاء هذا الحديث ليحصر الحكم فى قبيلة كانت أولاً الأسرة الأموية، ثم كانت الأسرة العباسية التى انتهى الانتماء إليها ملوك الترك !

ومع الخلاف الكبير بين السُـنة والشيعة ، فإن الشيعة تؤمن بأن الحكم هو فى أبناء عليِّ بن أبى طالب من فاطمة وهو صورة من تركيز وبلورة فكرة الأئمة من قريش

وجاءت «قبيلة حدثنا» بحديث «لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، فاستبعد وجود المرأة فى العمل العام، وقضى عليها بأن تحبس داخل جدران منزلها ، وأن راوى هذا الحديث اتهم بالقذف، وأوقع عليه عمر بن الخطاب حده ، ورفض التوبة فاستحق أن ينطبق عليه قول الله: «وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا» «النور : ٤» ، وأن الله تعالى أثنى على ملكة سبأ وأنه قال : «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» «التوبة : ١٧» .

0 التعليقات:

إرسال تعليق