الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية.. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ كتب جمال البنا

هذا جزء من آية تقول «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» (البقرة : ٢٥١).
هذه الآية تضع أساس قانون اجتماعى عظيم، أطلق عليه القرآن «التدافع»، ومادة «الدفع» تضم المعنى الرئيسى، دون أن تتعرض لما تتضمنه تعبيرات أخرى مثل الصدام أو التناقص أو الصراع فتعطى المعنى طابعًا لا يتطلبه، بل يسىء إليه.
المهم.. الانبعاث بنشـاط نحو الهدف، هذه إحدى وصفات القرآن للمجتمع الناهض.. الحى.. المتحرك والمندفع نحو هدفه.
وقد أعاد القرآن استخدام هذا التعبير فى آية ضرب بها المثال لهذا التدافع هى «الآية ٤٠» من سورة «الحج» «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ»، فلولا أن يندفع أناس ليحموا الكنائس والصوامع والصلوات لاستطاع آخرون أن يندفعوا إليها ويدمروها.
إن من أكبر سوءات المجتمع ــ كما يرى القرآن ــ الغفلة، أى أن يُغفـِـل أفراده الملكات التى وهبها الله لهم «وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ» (الأعراف : ١٧٩).
فالقرآن يرى أن هؤلاء الغافلين أسوأ من الأنعام، لأن الله تعالى أعطاهم ملكات فعالة أغفلوا استخدامها، كأنها لا توجد.
وتعطينا الآية مؤشرًا أن الدفع المطلوب هو استخدام هذه الملكات استخدامًا رشيدًا لا يمكن أن يحيف على مصلحة آخر، لأن الآيات التى تضبط المجتمع البشرى عديدة، وكلها تحقق تكاملاً، وهو التكامل الذى لم يفهمه المستشرقون أو الناقدون للقرآن، ورأوا أن بعض الآيات تتناقض مع الأخرى وأنه متضارب، لأن فكرة التكامل التى تؤدى إليها الآيات كلها كانت غائبة عنهم،
وهذه الآيات تحققه، فهناك آيات توجب القتال عندما يكون القتال دفاعًا عن النفس أو الكرامة أو حرية المعتقد، وهناك آيات توصى المسلم بالرحمة والسماحة ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، أى أن يُعْمل الإنسان ملكاته كلها لتحقيق الخير ولاكتساب الحسنات وللنهضة بالمجتمع، ولكنها لا تتضمن بالضرورة تحيفاً على الحقوق، وهناك آيات تفرض التزامًا على الحواس بحيث لا تتجاوز حدها «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً»، وهناك آيات تحض الإنسان على ألا ينسى حظه من الحياة الدنيا، وآيات تمنح الذين يريدون حرث الدنيا ما يريدون، وفى الوقت نفسه فإنه يحض على احتساب الآخرة وابتغاء رضوان الله، بحيث لا يكون فى سلوكه شطط ولا إفراط أو تفريط.
والمسلم القرآنى، ذلك المسلم الذى يلتمس الهداية والأدب والسلوك من القرآن، يلم بهذا كله ويحاول أن يأخذ نفسه به، ثم هو بعد هذا كله يعلم أن الله تعالى رحيم وأن رحمته تسع كل شىء لأنه يضاعف الحسنة، وأنه تعامل مع الضعف البشرى بما يطهره ويكفره بإعمال الحسنات ، وبهذا يحيا فى سلام ورضا نفسى، لا يحزن لما يقع فيه من فشل، ولا يغتر بما وصل إليه من نجاح، يحاول أن يحقق «القصد»، وبالطبع فإنه فى معظم الحالات قد لا يحقق هذا تمامًا، ولكن يكفيه أن يحاول وأن يخلص فى محاولته بحيث إنه يحصل على قسط من التوفيق يحول دون تخبطه فى الضلال «فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ» (فاطر : ٣٢).

0 التعليقات:

إرسال تعليق