الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية .. «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» بقلم جمال البنا

هذا جزء من آية وردت عن بعض أحكام المرأة، وهى تقرر مبدأ عظيم الأهمية فى العلاقة ما بين الرجال والنساء، هذا المبدأ هو أن لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ، أى أن لهن من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات، وقد أعطت كلمة «بِالْمَعْرُوفِ» قسمة مهمة يبرزها القرآن عادة عندما يتحدث عن العلاقات ما بين الرجل والمرأة هى أن يكون ذلك «بِالْمَعْرُوفِ»، وتعطى الكلمة مزيجًا من الخير ومن العرف، ولم يقل عن الحرام والحلال، إذ توجد درجات ترتفق على الحرام والحلال من مكروه أو مندوب، ولأن العلاقة بين الرجل والمرأة لها حساسية خاصة، وقد أراد الله تعالى أن تقترن «بِالْمَعْرُوفِ»، ومن ثم يستبعد الصخب والضغط والإكراه والانتقاص و«الخناق» فهذه ليست من المعروف فى شىء، فالعلاقة ما بين الرجل والمرأة فى الرضا والغضب، فى الزواج والطلاق يجب أن تتم «بِالْمَعْرُوفِ».
على أن الآية تقدم إضافة «وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ»، وقد حارت الأفهام فى هذه الدرجة، والقرآن ــ على عادته ــ يعطينا المعنى العام وليس القصد المحدد، وليس هذا بالطبع عجزاً، فالقرآن وهو أصل الإعجاز لا يمكن أن يقربه عجز، وإنما هى الحكمة الإلهية التى تسمح للفكر الإنسانى أن يعمل قواه فى فهمها فى ضوء الأوضاع المختلفة والمتفاوتة، وقد غفل الناس أن القرآن قد نزل من ألف وأربعمائة سنة، وما يقرره لم يأت ليعطل ما وضعه الله تعالى من سنن يسير عليها المجتمع، ولكن ليدعم هذه السنن التى فيها حرية الفكر والتسليم بالتطور وما يعنيه هذا من اختلاف فى الأفهام.. إلخ.
لهذا اكتفى بأن يقول إن هناك درجة يفضل بها الرجال النساء، قد تكون فى زمن معين القوة العضلية، قد تكون فى مجتمع أوروبى أن المرأة حتى الآن عندما تتزوج تحمل اسم زوجها وتنسى اسمها واسم أبيها وتصبح «مسز» أو «مدام» لزوجها، وقد يكون الإنفاق وشواهد الحال تنطق بذلك، لست أرى غضاضة فى أن يتميز الرجل على المرأة بدرجة واحدة، وقد فضل الله تعالى الأنبياء بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وفضل المؤمنين بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مما يوحى بأن التفاضل من ضرورات المجتمع وأنها عملية تنظيمية، وواقع المرأة فى أمريكا مثلاً حيث نالت المرأة أعظم قسط من الحرية، يوحى بأن الرجال لهم على النساء «دَرَجَةٌ».
والقرآن واقعى وعملى، وهو لا يحابى أحدًا، لا الرجل ولا المرأة، ولكن يحكم بالواقع، كما أن هذا الحكم لا ينفى وجود اسـتثناءات تفـوق فيها المرأة الرجل، وقد تكثر هذه الاستثناءات، ولكنها تظل مع هذا استثناءً، علمًا بأن القرآن استبعد التفاضل ما بين الرجل والمرأة، ولم ينص على فضل للرجل على المرأة، فقال: «وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا» (النساء: ٣٢).
وأعتقد أن المرأة لا ترفض أن يكون للرجل درجة، ففى كل عمل يتعاون فيه اثنان يفترض أن يتوفر لأحدهما درجة على الآخر ليمكن الانتهاء إلى قرار عند الاختلاف، ودون ذلك تظل القرارات دون حسم، وفى الوقت نفسه فإن النص على أن تتم العملية كلها «بِالْمَعْرُوفِ» تستبعد الاستئثار والتحكم، ولو كانت القضية تسوية ما بين ثلاثة لقلنا إن أغلبية الاثنين تفصل فى اتخاذ القرار، أما عندما تكون التسوية بين اثنين، فإن «الدَرَجَةٌ» هى التى يمكن أن تفصل عند الاختلاف، وبهذا يصدر القرار.

0 التعليقات:

إرسال تعليق