الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٠٩

إلهامات قرآنية .. كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ بقلم جمال البنا

تبرز بعض الكتابات الإسلامية القتال كما لو كان أمرًا محبوبًا ومرغوبًا، يُسعى إليه ويُرحب به، ولكن الآية تصارحنا بأن القتال كان «كُرْهٌ لَكُمْ»، والآية هنا تلمس أمرًا طبيعيًا، أن القتال ليس هو الدأب العادى المألوف للحياة، إن الدأب العادى هو الحياة لا القتال.. والعيش لا الموت، وكل واحد يدخل معركة يعلم أنه من المحتمل أن يموت فيها أو يخرج مبتور اليد أو مجروح القدم، ولم يكن الذين أنزل عليهم القرآن بعيدين عن هذه الاحتمالات فهو «كُرْهٌ لهم».
ولكن الآية تمضى وتوضح «وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (البقرة: ٢١٦).
إن القرآن هنا يكرر مبدأ ذكره مرارًا، أن الأمور ليست بالحب أو الكره أو الأمانى، وقد نحب أمرًا دون أن يكون الأفضل أو الأمثل، وقد نكره أمرًا وفيه الخير لنا، فالحياة طويلة ومعقدة، ويمكن أن يحدث فيها كل شىء.
فالقتال وإن لم يكن هو الدأب العـام، إلا أنه حقيقة واقعة فى المجتمع، بمعنى أنها تحدث بين الفينة والفينة، وعندما تحدث فإنها بالطبع يمكن أن تحقق النصر أو الهزيمة.
فلا يمكن لأى مجتمع أن ينفصل عن بقية المجتمعات، ولو أراد أن ينفصل فلن تقبل المجتمعات الأخرى هذا، فلابد من وجود علاقات خارجية قد تكون ما بين بلد وآخر أو قبيلة وقبيلة ثانية أو دولة ودولة مجاورة، وهذه العلاقات عادة ما تقوم على المصالح، وهذه المصالح متأرجحة وقد تحكمها الضرورة التى تحكمت فى العربى حتى جعلته يقول:
وأحياناً نكر على أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا
فضرورات الحياة وتوازن القوى توجب على المؤمنين أن يكونوا أقوياء حتى لا يهزموا إذا فوجئوا بهجوم من آخر، ومن ثم فعليهم أن يتزودوا بالسلاح، وعليهم أن يقفوا موقف القتال عندما يتطلب الأمر ذلك.
دون ذلك يمكن أن يتعرضوا لهجوم ولهزيمة تقضى عليهم أو تؤخرهم عشرات السنين.
هناك إذن ضرورات، وضرورات مؤلمة، لابد من التسليم بها والانصياع لها، ومن هذه الضرورات «كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ»، والصياغة لا تدعو إلى قتال، ولكنها تؤكد أن القتال هو مما لا يمكن دفعه فى المجتمع البشرى لما أشرنا إليه من عوامل.
وهناك لفتة مهمة هى أن معظم الآيات التى جاءت عن القتال إنما جاءت لأن المؤمنين إنما هم فريق من العرب ترك ديانته الوثنية وآمن بالإسلام، وتريد القبائل «فتنة» هؤلاء المؤمنين عن دينهم، أى ردهم عن دينهم بالقوة وإعادتهم إلى الوثنية، ولكن المؤمنين يرفضون، ويكون عليهم وقتئذ أن يصدوا القتال بقتال، ومن هنا فإن القتال المذكور فى القرآن هو فى حقيقته دفاع عن حرية العقيدة حتى لو اتسم بطابع الشدة التى هى جزء من طبيعة الحرب، وهذا هو السر فى أن كثيرًا من آيات القتال تذكر أن مبررها «حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ»، أى لكى لا يفتن أحد من دينه، وأن يترك أمر الدين لله تعالى يحكم فيه يوم القيامة، كما تؤكد ذلك آيات أخرى عديدة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق