الخميس، ٢٠ أغسطس ٢٠٠٩

دستور المرأة المسلمة

المرأة المسلمة انسان أولا، وأنثى ثانياً وصفتها كإنسان هى الصفة الأصلية، شأنها فى هذا شأن الرجل. وهى تعطيها حقوق وواجبات الرجل سواء بسواء.

وفى الوقت نفسه فان الصفة الثانية – صفتها كأنثى تعطيها طابع التميز والخصوصية الذي يرتفق على الأصل، فيقدم إضافة، ويضخم ناحية. ويضائل ناحية أخرى – دون أن يأتي هذا على دورها كإنسان. لأن ما قد يحدث من نقصان فى جانب يقابله زيادة فى جانب آخر ..

ونجد مصداق هذا عند تأمل الآيات القرآنية عن المرأة، والنظر فيها مجتمعة، فانها تتحدث عن الرجال والنساء باعتبار بعضهم من بعض وبعضهم أولياء بعض كما يتحدث الرسول عن النساء باعتبارهن شقائق الرجال. ثم تأتي الآيات الأخرى التي تتحدث عما يميز المرأة عن الرجال باعتبارها أنثى وهى وإن أعطت الرجال درجة فإنها جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات، ونهت أن يتمنى الرجـال والنساء ما فضل الله به بعضهم على بعض.

أولا: صفة المرأة كانسان

_______________

وصفة المرأة كانسان تعطيها الحقوق التالية :

  • الحرية الشخصية: وحرية الممارسات العادية واليومية من أكل وشرب أو لبس أو دخول أو خروج. وقد آن للمسلمين أن يعلموا أن قضية الزي تدخل فى هذا، وهى بحكم هذا حق من الحقوق الأساسية للمرأة يعود اليها نفسها وهى التي تفهم النصوص الواردة بهذا الخصوص وتقيمها وتحدد موقفها منها.. شأنها فى هذا شأن الرجل فى تصرفاته الشخصية وانه قد يخطئ أو يصيب.

  • حق التعليم: فلا يجوز أن تحرم المرأة أصلا منه، وان كان يجوز أن توضع محفزات أو مثبطات داخل إطار الارتفاق بحيث تشجع أو تثبط دراسة مهن وفروع معينة من المعرفة.. دون أن يصل إلى المنع أو التمييز لأن من الممكن أن تتوفر لدى امرأة موهبة فى هندسة أو علوم أو لغة الخ... ويجب بالتالي فتح المجال أمامها، ولا يجوز وضع حد لدراسة أمام المرأة لأنها امرأة.

  • حق العمل: بحيث يكون المعيار هو الكفاية. فاذا وجدت فى المرأة درجة كفاية أكثر مما لدى الرجل . تكون المرأة هى الأحق. ولا يتنافى مع هذه المساواة أن تمنح المرأة اجازات أكثر عند الحمل أو الولادة أو العناية الصحية، لأن هذه مما يتطلبه مبدأ الارتفاق على أن لها جانبا إنسانيا، وأخيرا فإنها لا تعود إلى المرأة وحدها. بل إن الرجل شريك فيها فهو يضع البذرة بينما تحملها، وتضعها المرأة.

  • المشاركة فى الحقوق السياسية: فشأن المرأة هنا شأن الرجل لأنها مواطنة، وليس فى كونها أنثى ما يمس هذا الجانب الذي يجب أن يبدأ من حق التصويت حتى يصل إلى الترشيح لرئاسة الجمهورية.

  • المشاركة فى الخدمة العسكرية: فما دامت المرأة مواطنا فيفترض أن تشترك فى هذا الحق / الواجب. وإن وصل الارتفاق على الأصل إلى غايته بحيث يكون التركيز على التمريض والخدمات المساعدة. وأن لم يخل من التدريب الخفيف. كما يلحظ أن تكون المدة مناسبة (ستة شهور مثلا) وان يلحظ فيها، ظروف المرأة.

والمرأة المسلمة ترفض النقاب كما ترفض التبرج وترى إنهما وجهين لعمله واحدة وأنهما يسيئان إلى شخصية المرأة المسلمة كإنسان.

أولا: صفة المرأة كأنثى

______________

– المرأة المسلمة تفخر بصفتها كأنثى وتعتبر أنها من المزايا التى تفضل بها المرأة الرجل. والتى أشارت إليها الآية: ]وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا[ {النساء 32}.. فلا يستطيع الرجال بقضهم وقضيضهم أن يحملوا، أو يلدوا كما تحمل وتلد أى امرأة عادية من غمار النساء، ولا يستطيعون أن يعطوا الحياة لهذا الوليد من صدورهم كما تفعل المرأة وهذه ميزة رائعة كافأها الله عليها بأن جعل الجنة تحت أقدامها. وأي فخر أعظم من هذا.

لهذا فان المرأة ترى أن إنسانيتها تصل إلى القمة عندما تقدم الحياة لانسان ضعيف – عاجز – لا يستطيع لولا عنايتها أن ينمو ويكبر. وهى ترى أن الأمومة، وان كانت السمة العظمى للأنوثة، الا أنها أعلى قمة إنسانية المرأة.

من أجل هذا فان المرأة المسلمة لا تعدل بالأمومة وظيفة أخرى، وترى أن قيامها بنفسها بتربية الوليد حتى الثانية أو الثالثة من العمر هى المهمة الأولى التي يجب أن تفرغ لها، فتأخذ إجازة من عملها سواء كانت بنصف أجر أو بدون أجر حتى تقوم بهذه المهمة المقدسة وترى المرأة المسلمة أن الأم – والأم وحدها – هى التي يمكن أن تقوم بهذه المهمة بالصورة المثلى، وأن المحاضن لا يمكن أن تقوم بهذا الدور، وإن جاز إدخال الأطفال بعد سن الثالثة دور الحضانة. تحت اشراف ومتابعة الأم.

والأم بعد هى العالم الوحيد للطفل فاذا حرمه فقد الحنان والحب والرقة والتواصل مع الآخرين وتعمقت فى نفسه الأثره والفردية وهذه كلها وخيمة العاقبة على المجتمع.[84]

– تؤمن المرأة المسلمة أن الأنوثة ترتبط كذلك بخاصيتين هما الجمال والحنان وأن هذين هما مما خصها الله بهما وميزها بهما على الرجال. وتؤمن المرأة المسلمة أن كل امرأة لديها قدر من هذين – قل أو كثر – وان من واجبها أن تسهم بقدر فى اشاعة هذين وتعميقهما فى المجتمع بحيث لا يحرم المجتمع من لمسة الجمال والحنان الأنثوية ولا تستأثر به خشونة وقسوة ونفعية الرجال أما إلى أى مدى وكيف يمكن ذلك. فهذا ما يترك لكل امرأة تقديره طبقا لظروفها وامكانيتها ومواهبها. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. ولكن المهم أن تعلم المرأة المسلمة أن لها بهذين صلة وأن عليها أن تدعم هذه الصلة وتعملها وتشيعها بقدر ما تستطيع.

– تؤمن المرأة المسلمة أن تعييرات من نوع الفتنة، والعورة إلخ... التى تمتلئ بها كتب التراث والتى تنسبب إلى بعض الأحاديث، إنما أريد بها عصر انتهى وانقضى وأصبحت هذه التعييرات مفردات غير ذات موضوع فى العصر الحديث، ولهذا فهى تطوى صفحتها ولا تدعها تلوث مجتمعنا وقد يشفع لنا أن نقول ان هاتين الكلمتين – الفتنة والعورة لم يردا فى القرآن الكريم بمعنى الاشتهاء الجنسى، وليعودوا إلى القرآن الكريم وليحكموا بسياق الآيات على مضمون كل كلمة من هذين وقد أمتدح القرآن الزينة، والجمال. ]قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[ {الأعراف 32} ..

ووجه الله تعالى أنظارنا للجمال فى الأنعام فقال ]وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ[ فكيف يكون الأمر فى المرأة وهى رمز الجمال الإنسانى.

لما كان الزواج بالنسبة للمرأة قضية حيوية بكل معنى الكلمة. فلا بد أن يتم بناء على رغبة واقتناع تام منها وبعد تفكير طويل من كل من المرشحين واتفاق ما بينهما. وتعد هذه هى الخطوة الأولى وليس للأب أو الأم الا رأى استشارى، لأنهما ليسا هما اللذان سيتزوجان …

ويجب أن تتولى المرشحة للزواج كل هذا بنفسها وإن كان لها أن تستعين بأهلها. ويجب أن تحضر عقد الزواج وتوقعه بنفسها وتستبعد تماماً فكرة الولى.

ومن حقها أن تعقد اتفاقاً مع زوجها يكون جزءاً من عقد الزواج يتناول الإجراءات والحلول والقرارات للقضايا التي تطرأ للحياة الزوجية. مثل السكن، والنفقة، والعمل أو الدراسة.

وهذا أقرب إلى توجيه القرآن الذى يشترط الكتابة فى الالتزامات المؤجلة "ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً."

ويمكن أيضا أن ينص فى عقد الزواج على تسوية الطلاق وأن هذا يمكن أن يتم بناء على طلب أحد الفريقين بعد فشل محاولة التوفيق والتحكيم. وآثار انعكاسات ذلك على الطرف الآخر وكيفية تسويتها.

وتلحظ فى تقرير ذلك مقتضيات العدالة ومصلحة الأبناء.

ويقع لاغيا كل طلاق يمارسه الرجل منفردا أو خارج إطار هذه الشروط.

فاذا لم توضع شروط الطلاق فى وثيقة الزواج يكون من المبادئ المقررة أن لكل من الزوجين طلب الطلاق، على أن يتم بالتسوية والتراضي بين الطرفين. ولا يجوز اجراء طلاق من طرف منفرد فلا يجوز التحلل من اتفاق غليظ ، الا بمثل الوسائل التي عقد بها هذا الاتفاق. وأبرزها التراضي والشهود والعلانية الخ …

إن هذه الجوانب العديدة لخصوصية المرأة كانثى (أعنى الأمومة والزواج والطلاق وتربية الأبناء الخ...) يجب فى جميع الحالات أن لا تنسيها صفتها الأساسية الأولى وهى صفتها كإنسان، وأن الأنوثة – بقدر ما فى خصوصيتها من روعة وتميز، فيجب أن لا تطغى على الانسان فى المرأة.

f

قد يقول قائل هذا ليس دستورا للمرأة المسلمة. أنه دستور للمرأة الحديثة فى أرقى الدول. وليس فيه ما يميز المرأة المسلمة بوجه خاص.

ونقول …

أولا: ليس مما يؤخذ على الباحث أو المفكر المسلم أن يقتبس من المعارف والعلوم والخبرات والتجارب من دول أو نظم أخرى. لأن الحكمة أصل اسلامي كالكتاب، وهى طلبة المسلم وعليه أن ينشدها أنى وجدها. فاذا وجدها فى أوربا أو أمريكا أو الصين، فلا غضاضة عليه أن يأخذ بها ولا يجرمننا شنآن بيننا وبينهم أن نعدل ونفيد منهم …

ثانيا: أن الأصول التي بنى عليها الدستور لها اسانيد من القرآن الكريم، إما صراحة. وإما ضمنا وما زدناه يدخل فى ما أورده القرآن ضمنا عندما وضع المبادئ العامة وقرر المساواة بين الرجل والمرأة. وجعل العدل أساسا وحكما فى العلاقات الاجتماعية. وليس فيما جاء فى الدستور إلا إعمال لذلك، والخلاف فيما قلناه ليس مع القرآن الكريم لأنه يفسح لنا السبيل أو الصحيح الثابت من السُنة، ولكن مع الفقهاء، ونحن لا نرى الالتزام ضرورة بآرائهم.

على أنه لو فرض أن كان هناك خلاف فليسعنا ما وسع عمر بن الخطاب عندما أوقف مصرف المؤلفة قلوبهم المنصوص عليه فى القرآن الكريم لانتفاء العلة وهناك من الفقهاء الاقدمين من رأى أن المصلحة هى المقصد الأسمى للشارع ويجب الأخذ بها حتى لو تعارضت مع النص.

ثالثا: أن ما يميز المرأة المسلمة عن غيرها هو إيمانها الإسلامى أى الإيمان بالله واليوم الآخر والثواب والحساب يوم القيامة واتخاذها الرسول أسوة وقدوة، فهذا هو الذى يغرس فيها بذرة الضمير الاسلامي ويعطيها حاسة الالتزام، ويبعدها عن الابتذال وهو ما يهديها إلى الأمانة والاستقامة، ويحميها من الانزلاق وهو ما يكفل لها التوبة والإنصلاح إذا حادت بها ظروف إلى إنحراف فى حين أن غيرها ممن لم ترزق هذا الايمان كالمرأة الاوربية لا ترى حدا يقفها، ولا قيما تلزمها جادة القصد والاعتدال، وإنما يخضع هذا كله لإرادتها الخاصة.

فهذا هو ما يميز المرأة المسلمة، وهو ما يحميها ويرعاها.. ويهديها سواء السبيل، وليس الزى، وليس القوانين، وليس التقاليد …

z

الحمد لله..

أحمد الله تعالى أن أتاح لى إصدار هذا الكتاب قبل أن أموت لأقدم به اعتذارى للمرأة المسلمة عما جناه عليها الأسلاف ولأسجل فيه اعترافى بجميل السيدات اللاتى ارتبطت بهن: الأم، والزوجة، والشقيقة، اللائى وإن كن أسعد حظاً من غيرهن، فإن قبضة التقاليد حالت دون انطلاقتهن وحافت على مواهبهن. ولعلهن متن وفى النفس غصة ..

ويطيب لى أن أتصور أن هذا الكتاب سيكون له دور فى تجنيب المرأة المسلمة المعاصرة صنوف الحرمان والويلات التى عانت منها الأجيال الماضية.

وأحمد الله تعالى مرة أخرى لأنى قدمت رؤية للإسلام نصيراً ومحرراً للمرأة مستبعداً كل ما يسئ إليها مما كان أمراً مقرراً موثنا "ومعلوماً من الدين بالضرورة."

فاللهم استجب وتقبل ...

جمال البنّـا

0 التعليقات:

إرسال تعليق