الاثنين، ١٧ أغسطس ٢٠٠٩

الإمام البخارى ليس ملاكًا (٣ - ٣)

نستكمل إيراد الأحاديث التى استبعدها كتاب «تجريد البخارى ومسلم من الأحاديث التى لا تـُلزم».

جاءت أحاديث تناقض ما جاء فى القرآن الكريم عن حرية الفكر والاعتقاد، وتناقض كذلك عمل الرسول الذى ارتد على عهده عدد كبير فما تعقبهم بعقوبة أو أمرهم باستتابة، ومن هنا استبعدنا حديث عكرمة «من بدل دينه»، وهذا الحديث لم يأت فى مسلم وانفرد به البخارى لأن مسلم لم يدخل حديث عكرمة فى صحيحه، أما أحاديث «أمرت أن أقاتل الناس» .. الخ،

فإنها تتناقض مع ما أمر الله به الرسول من أن يبلغ «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، والآيات العديدة التى تحصر مسؤوليته فى البلاغ، وليس فى الإيمان، بل لقد قال الله «إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ»، كما أن تحقيقاً لرواة هذا الحديث جاء به أحد المتخصصين فى هذا الفن وتقدم فى المقدمة الثانية لهذا الكتاب أظهر أن فى رواته جميعًا كلامًا.

هناك أحاديث لا تتناسب فيها العقوبة أو المثوبة مع العمل مثل (لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه) حديث رقم [٤٥٨] أو (أما يخشى أحدكم، أو ألا يخشى أحدكم، إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار) حديث رقم [٦٢٠].

وفى المقابل (إذا قال أحدكم آمين قالت الملائكة فى السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه) حديث رقم [٧٠٣]، و(من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرّمه الله على النار)، وكذلك (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) حديث رقم [١٣٧٥]، وتكرر هذا الحديث برقم [١٦٣٧ و١٦٣٨].

ومثل (إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة) حديث رقم [٢٤٥٥]، وكذلك (من اقتنى كلبًا، إلا كلبًا ضاريًا لصيد أو كلب ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط)، وفى حديث آخر قيراطان [٤٨١٠] و[٤٨١١]، وكذلك (ليس من رجل ادعى لغير أبيه - وهو يعلمه - إلا كفر، ومن ادعى قومًا ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار) حديث رقم [٣٢٣٦]، ومثل (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، فى يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب،

وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان، يومه ذلك حتى يمسى، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك) حديث رقم [٢٩٤٤] وتكرر برقم [٥٦٩٤]. وكذلك (إن رسول الله قال: من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد الأرض) .

ويدخل فى هذا تحريم التصوير وأن من صور شيئاً كـُلِف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح أو كما فى أحاديث عديدة أن يخلقوا ما صوروا. وقد استبعدنا أحاديث جاءت بما لم يأت به القرآن مثل رجم الزانى المحصن، ومثل كل ما يرتب عقوبة على الردة، ومثل تحريم الرسول للرضاعة بجعلها تحرم ما يحرم من النسب فى حين أن الله تعالى قصرها على الأخوة عندما قال «وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ»، والأساس الذى بنينا عليه هذا الاجتهاد هو المبدأ الرئيسى أن القرآن وحده هو الذى يحلل ويحرم،

وأن الرسول وإن كان قد يدخل فى اختصاصه باعتباره رحمة للمؤمنين «عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ»، أن يبيح شيئاً، ويشفع له فى هذا أن التيسير من أصول التشريع - فليس من سلطته أن يسن عقوبة، خاصة إذا كانت العقوبة الرجم، لأنه يخالف طبيعته الرحيمة «وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ».

وتضمن البخارى ١٨ حديثاً من الأحاديث القدسية، ونحن وإن كنا نؤمن بأن للسُـنة وحيًا، ولكن وحى السُـنة يختلف عن وحى القرآن، ولا يتوافر فيه ما يتوافر للوحى القرآنى ويغلب أن يبدأ الوحى السُـنى بتعبيرات مثل: نفث فى روعى أتانى آتٍ أُمرت.

ونرى من الخطأ الجسيم أن تكون أحاديث «قدسية»، بمعنى أن تصدر من الله تعالى، وبالتالى تكون ملزمة ومماثلة للقرآن.

كذلك لم نر مجالاً لمعجزات حسية للرسول بعد آيات القرآن فى سورة الإسراء، والنص الصريح فى سورة العنكبوت (٥١، ٥٢)، ولأننا لم نر عربيًا آمن بحكم معجزة حسية، ومن الناحية الإيجابية فكل الذين آمنوا، إنما آمنوا بفضل القرآن وعند سماعهم له، هذا علمًا بأننا لا نرفض مبدأ المعجزة بالنسبة للأنبياء، ولا نرى فيها ما يخالف قوانين الطبيعة لأنها إنما تكون نوعًا من الاستثناء الذى يثبت القاعدة، ولكننا بالنسبة لنبى الإسلام نرى أن معجزته هى القرآن.

وهذه الأحاديث عن المعجزات مما لا تكسب الرسول فخرًا لأنها تجعله رسولاً كبقية الرسل فى حين أنه الوحيد الذى كانت معجزته كتابًا، وما فى هذا من دلالات تتفق مع طبيعة الإسلام، وأنه دين الإنسان، ودين الفكر، واستمرارية هذه المعجزة على مر العصور، ولهذا استبعدنا هذه الأحاديث وهى ٢٦ وكلها حول نبع الماء من بين أصابعه، أو كفاية القدر الواحد عشرات من الآكلين.

وجاء فى أحد هذه الأحاديث [٣٢٠٣] ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، كما جاء من المعجزات انشقاق القمر التى تكررت فى الأحاديث [٣٢٥٢ و٣٢٥١ و٣٤٢٧ و٣٤٢٨ و٣٤٢٩ و٤٢٢١ و٤٢٢ و٤٢٢٤ و٤٢٢٥].

واستبعد الكتاب أحاديث تخل بعصمة الرسول، وأولها أن البخارى أثبت الجزء الأخير من حديث مؤتفك، هو أن الرسول (سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس) حديث رقم ١٢١٩] وتكرر فى [٤٢١٩]، وكان ذلك لأن الرسول عندما كان يصلى بسورة النجم فإنه تلا بعد «اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى» «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى»، فلما سمع منه المشركون ذلك اشتركوا فى الصلاة،

وقد قام المحدثون بالطعن فى رواته، وكان هذا يكفى لكى يستبعد البخارى الحديث كله، ولكنه أورد الجزء الأخير، وهو الذى يدل على أن الرسول قال تلك الكلمات لأنها هى مبرر سجود المشركين، وتكرر ذلك فى الأحاديث أرقام [١٢١٩ و٣٤١٩ و٤٢١٩ و٤٢٢٠]، وكان له مندوحة عن ذلك.

كما استبعدنا حديث سحر الرسول حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشىء ولا يفعله، لأن يهوديًا سحره، وقد تكرر حديث السحر هذا فى [٢٩٢٢ و٥٣٦٧ و٥٠٨٢].

وأورد البخارى تحت عنوان باب نسيان القرآن حديثاً يقول (سمع النبى- صلى الله عليه وسلم ــ رجلاً يقرأ فى المسجد، فقال: رحمه الله لقد ذكّرنى كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا)، وتكرر الحديث بأرقام [٢٣٩٠ و٤٣٩٢ و٤٣٩٣ و٤٣٩٤]، فهذا حديث يخالف آية «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى»، كما يمس عصمة الرسول.

واستبعدنا حديث «كان النبى - ص ــ يدور على نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قال: قلت لأنس أو كان يطيقه ؟ قال: كنا نتحدث أنه أُعطى قوة ثلاثين» وقال سعيد عن قتادة: إن أنسًا حدثهم: تسع نسوة، حديث رقم [٢٥٤] وتكرر برقم [٤٤٢٥]، والحديث غير معقول وغير مقبول.

واستبعدنا حديث عكل وعرينة الذين جاءوا المدينة، ولكنهم اجتووا جوها فأمر لهم النبى بلقاح وأن ينطلقوا خارجها، فانطلقوا وشربوا من ألبان اللقاح وأبوالها حتى صحوا فقتلوا الراعى واستاقوا اللقاح وكفروا بعد إسلامهم، فطلبهم الرسول فجاءوا بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها وطرحهم بالحرة حتى ماتوا. لأن الرسول نهى عن المثلة ولو بالكلب العقور، فلا يمكن أن يفعل هذا، وهذا الحديث جاء برقم [٢٢٠] وتكرر بأرقام [ ٢٧٠٣، ٥٠٤٤ ].

ووردت فى البخارى بضعة أحاديث تقنن دونية المرأة بالمخالفة للمنهج القرآنى الذى يقرر مساواتها، على أننا نشكر للبخارى أنه فى هذا الموضوع لم يدرج فى كتابه عشرات أو حتى مئات الأحاديث التى تسىء إلى المرأة إساءة بالغة.

وهناك تشديد يتنافى مع رفع الحرج الذى هو سمة للشريعة فى «وصل الشعر» حتى عندما يتمعط شعر المرأة، لأن الله تعالى قد لعن الموصلات كما فى حديث [٤٥٥٤]، وكذلك حديث (جاءت امرأة إلى رسول الله ــ ص ــ فقالت إن ابنتى توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟

فقال رسول الله ــ ص ــ لا (مرتين أو ثلاثاً) حديث رقم [٤٦٧١]، وتكررت الأحاديث عن نساء أصبن فى شعرهن فأردن وصله فرفض الرسول حديث رقم [٥٢٤٠]، وفى حديث آخر [٥٢٤١] لما قالت المرأة إن زوج ابنتها يستحثها على وصل شعر زوجته، أفأصل شعرها، لعن الرسول الواصلة والمستوصلة.

وهذا أيضًا ما يقال عن لعن الرسول الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، حديث رقم [٥٢٤٥]، وتكرر ذلك فى الأحاديث أرقام [٥٢٤٨ و ٥٢٤٩].

ويختم الكتاب بفصل عن «أحاديث فى متونها مشكلة» لا يمكن أن توضع فى الأبواب السابقة، ولهذا فلا يمكن إيرادها، خاصة أن عدد الأحاديث المشكلة ١٠٩ أحاديث، مثل حديث أن الرسول قال لما اشتد به وحيه أراد أن يكتب لهم كتابًا لا يضلون بعده فاختلفوا،

فقال قولوا عنى، على أساس أن هذا غير عملى، فما من كتاب يحول دون التنازع والخلاف ولو وجد مثل هذا الكتاب لكان القرآن. ومنه حديث استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس «قائلين إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون»، لأن عمر بن الخطاب ما كان يمكن أن يتوسل بأحد غير الرسول،

دع عنك العباس الذى لم تذكر له سابقة أو نصرة، وأنه كان تاجرًا ومرابيًا، وكذلك حديث أن الرسول رأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال سمعت النبى يقول: (لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل)، فهو لا يتفق مع أن الرسول كان يحب الرجل المحترف ويقبل اليد التى مجلتها المسحاة، حديث رقم [٢٠٨٥].

وهناك أحاديث عديدة عن أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب.

وهناك أحاديث عن طاعة الأمير مثل الحديث رقم [٢٦٤٨] «من أطاعنى فقد أطاع الله، ومن عصانى فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعنى، ومن يعص الأمير فقد عصانى»، والحديث رقم [٣٢٢٣] «ستكون بعدى أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذى عليكم، وتسألون الله الذى لكم»، فهذه لا تستقيم مع النهى عن المنكر، ولكن تستغل فى طاعة الحكام الظلمة والصبر على ظلمهم.

وجملة ما نحّاه الكتاب من أحاديث باعتبارها لا تـُلزم ٦٣٥، ولو حسبنا المكرر لبلغت الألف، ومع هذا فقد تجاوزنا عن أحاديث كان يمكن أن تضاف.

0 التعليقات:

إرسال تعليق