السبت، ٢٩ أغسطس ٢٠٠٩

إلهامات قرأنية .. وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبـِقُوا الْخَيْرَاتِ بقلم جمال البنا

الآية ١٤٨ من سورة البقرة التى تقول «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» ترسى عددًا من المبادئ والأسس، فعندما يقول «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا» فإنها تقرر حرية الاختيار وحرية الإرادة واعتراف القرآن بذلك، وأن هذا من حق كل فرد، فلا يقولن أحد ما هى مؤهلاته حتى يتخذ وجهة ويوليها؟ القرآن لا يسأل عن المؤهلات،
فهذه أساليب «برجوازية» تقليدية يعود أصلها إلى أن كل واحد له وضع ومستوى يجب ألا يتعداه، وأن عليه أن يسأل «أهل الذكر» ويقلد الأئمة الأعلام، وهذا ما ترفضه الآية، فهى دعوة صريحة مطلقة للاجتهاد،
فلا يقال إن غير المؤهل سيقع فى أغلاط، فليكن.. فإنه سيتعلم من أغلاطه، وإقدامه على التجربة وثقته فى نفسه فى حد ذاتها تستحق «الحسنة» حتى لو لم يصادفه التوفيق.
لا تصل أى كلمة إلى ما تصل إليه «لكل» فى الاعتراف بالفرد ومنحه حريته وإرادته وفتحه الباب على مصراعيه للانطلاق.
وينبنى على هذا وجود التعـددية وأنها لا تتنافى مع فكرة «الوحدة» الإسلامية، لأن التعددية إنما تكشف عن بعد من أبعاد الوحدة الإسلامية لا يمكن أن يعرف إلا بالتعددية، وقضية مثل الوحدة الإسلامية لابد وأن تكون لها أبعاد عديدة متفاوتة، بل إن القرآن ليس فحسب يتقبل ذلك، بل إنه يأمر به، بل ويعطيه طابع «الاستباق».
وهذا الاستحسان والأمر به يعود إلى أن القرآن يكره الغافلين الذين لا تحركهم آيات الله فى الآفاق، وفى أنفسهم مثارات العجب والدهشة والإعجاب والتفكير الذى يدفع للعمل وللانطلاق.
هناك إذن اعتراف بحرية المنطلق للأفراد، بل هناك حث عليها، ومهما كانت اختلافاتكم فإن مصيركم إلى الله الذى يأتى بكم جميعًا.
إن هذه الآيــة يجب أن يضعها كل واحد على صدره أو يضعها نـُصب عينيه، لأنها تمثل الانطلاق، والحرية، والمبادرات الفردية، وأن يتم هذا كله فى صورة سباق، وما فى السباق من بذل أقصى الجهد للفوز بالأولوية.
وعندما يتحقق هذا فإن الأمة لابد أن تتقدم وأن كل واحد يبذل غاية جهده، وهذا هو أكبر فلاق بين أمم متقدمة، وأخرى متخلفة تعيش فى سبات عميق، وإذا تحركت لم تعمل، وإذا عملت لم تـُحسن أو تبذل الجهد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق