السبت، ٢٩ أغسطس ٢٠٠٩

أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ بقلم جمال البنا

إذا ذُكر رمضان، تبادر إلى أذهان الناس أنه شهر «الصيام» لأنه فيما تصوروا أن هذا هو أبرز ما فى هذا الشهر، وما يميزه عن غيره من الشهور، فالناس ابتداء من فجره، يمتنعون عن الطعام والشراب والمخالطة الجنسية، ويفطرون عند الغروب فيما يشبه «الزفـة»، ويتلو ذلك ما ابتدعوه من مسلسلات وأفلام، تجهد الإذاعة والتليفزيون نفسها قبل الشهر «الفضيل» بستة أشهر تقريبًا فى الإعداد له وتحشد كل إمكانياتها.
كلا.. أيها السادة.. إن رمضان هو شهر «القرآن»، لقد قالها القرآن نفسه:
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» (البقرة: ١٨٥).
ونفهم من سياق الآية أننا إنما نصوم رمضان لأن فيه نزل القرآن، وهذا هو سبب تميزه عن الشهور قاطبة سواء فى الإسلام أو غير الإسلام، فالصيام موجود فى كل الأديان، وله أشهره وأوقاته، ولكن رمضان وحده هو الذى أنزل فيه القرآن،
ومن ثم أراد الله منا صيامه، فكأن الصيام احتفال وتقدير للقرآن، وأن شهر رمضان هو شهر القرآن خاصة، كل شىء فيه كان يجب أن يكون للقرآن، وما نسلكه اليوم من حشد المسلسلات والأفلام والأغانى التى تملأ اليوم كله نهاره وليله ولا تدع لغيره وقتاً أو مجالاً هو النقيض الذى أراده الله من أن تقضى هذا السهر فى تدبر القرآن.
والقرآن هو الأساس الأصيل للإسلام، وإذا كان للرسول من دور كبير وهام فهو أنه حمله وبلغه للناس، وإذا كان له حق على الناس فذلك لأن القرآن قد نص على ذلك وحدده، فالأمر كله إلى القرآن، ومن يلتمس الهداية فى غيره أضله الله، وأول من يقرر ذلك هو الرسول نفسه، فقد قال: «الحلال ما أحله الله فى كتابه، والحرام ما حرمه الله فى كتابه»،
وقال: «لا يأخذن على أحد بشىء فإنى لا أحلل إلا ما أحله القرآن ولا أحرم إلا ما حرم القرآن»، واعتبر أن الخوض فى الأحاديث فتنة، وأن المخرج منها هو «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفيصل ليس بالهزل من تركه من جبار فخصمه الله، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله».
وقد «عشنا» و «شفنا» أناسًا يتهمون بأنهم «قرآنيون».. فهل يعقل هذا ؟ هل يتهم أحد بأنه «قرآنى»، وهذا هو فخر كل مسلم، فإذا كانوا يريدون أن يقولوا إن هؤلاء ينكرون «السُـنة» فإن التعبير الذى اصطنعوه لا يقدم اتهامًا، بل يقلدهم فخارًا، وكان يجب أن يقولوا منكرى السُـنة، على أن هؤلاء لا ينكرون السُـنة التى لابد أن تكون بحكم تكوينها اللغوى عملية، وإنما هم ينكرون الأحاديث، أما السُـنة العملية التى نقلنا عنها أداء الصلاة وإيتاء الزكاة ومناسك الحج فهم لا ينكرونها، فالوصف الصحيح لمن يقولون عنهم منكرى السُـنة هو أنهم منكروا الأحاديث.
ومعظم الناس يتصورون أنهم لا يفهمون القرآن إلا إذا رجعوا إلى التفاسير المعتمدة كالطبرى وابن كثير والقرطبى حتى سيد قطب، فحذار.. ثم حذار لا تشرك بالقرآن أحدًا، ولا تبتغى بينك وبينه ترجماناً، فقد قال الله «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ»، فإذا أردت القرآن هداية ونورًا وشفاء قلب، وسكينة نفس، فسيعطيك القرآن كل هذا، أما إذا أردت «المعلومة» فستأتيك التفاسير بألوف منها، وهى تمثل اجتهادات وفهم المفسرين، ولكنها ليست بالضرورة هى القرآن،
ولكنها تضل وتشتت وتميع بدلاً من أن تهدى وتلهم، إن عليك أن تقرأ القرآن فما فهمته ورضيته فخذ به، وما جهلته فدعه إلى خالقه، فإنك لست مأمورًا بأن تعرف كل كلمة جاءت فى القرآن، وقد تحير عمر بن الخطاب حيناً فى لفظة «وَأَبّاً»، فقال هذه الفاكهة عرفناها، فما هى الــ «الأَبّاً» ثم عادت إليه سكينته وقال «هذا والله هو التكلف»، وما يضيره أن يجهل «الأَبّاً»، وما يقدمه أو يؤخره التعرف عليها أو الجهل بها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق