الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٠٩

جمال البنا يكتب: تحقيق حديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله»

رأى كثيرون أن هذا الحديث يتناقض مع المبادئ التى أرساها القرآن الكريم عن حرية الفكر والاعتقاد، وأن الرسول لم يؤمر بالقتال ولكن بالتبليغ، وأنه ليس إلا مبشرًا ونذيرًا، داعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا، وأنه ليس مسيطرًا، ولا جبارًا.
■ «وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِىءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ» (يونس: ٤١).
■ «فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ» (النحل: ٨٢).
■ «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ» (الغاشية: ٢١ـ٢٢).
ولكن الحديث مذكور فى الصحيحين (البخارى ومسلم)، ومن ثم انصب كفاح الذين أرادوا الرد على أنه يخالف ما جاء فى القرآن الكريم عن حرية الاعتقاد على تأويل الحديث، أنه ليس موجهًا إلى كل الناس، ولكن إلى مشركى الجزيرة العربية، ولا يتوجه إلى أهل الكتاب (اليهود والمسيحيين)، ويستشهدون على ذلك باستخدام القرآن الكريم لتعبير الناس فى مواقع كثيرة على أنهم مشركى الجزيرة.
على أن هذا لو صح، فإنه لا يمنع أن يكون مخالفاً لحرية الاعتقاد، لأن الشرك اعتقاد بطريقة ما، ولأن المشركين أنفسهم قالوا عن أصنامهم «مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ» (الزمر: ٣).
ولم يتطرق الشيوخ إلى نقد السند لأنه كما قلنا فى الصحيحين، ومادام الحديث فى الصحيحين، فلا كلام.
ولكن باحثاً شابًا مجهولاً، وما أكثر المجهولين المبدعين الذين لا يعرفهم الناس لأنهم لا يشغلون وظيفة، أو منصبًا مسؤولاً.. إلخ، عُنى بتحقيق السند، ولم يثنه أنه فى الصحيحين.
هذا الباحث الدؤوب، المتمكن، والمجهول رغم ذلك هو الأستاذ متولى إبراهيم الذى عُنى بتحقيق السند عن طريق استخدام الحاسوب.
فتبين له من جهة السند بطلانه حسب القواعد المعتمدة عند جمهور المتقدمين من علماء الحديث.
ولندع الأستاذ متولى إبراهيم يتحدث بنفسه.
خلاصة بحث عن حديث
(أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)
من خلال موسوعة خاصة على حاسوب به نحو ٢٦٥٠٠٠ طريق فضلا عن المستقى من أمهات مطبوعة تم استخلاص بحث، ومن هذا البحث، ومن قواعدِ تحقق من صحة الأسانيد مبيَّنةٍ فى مقدمته تم استخلاص ٢٣٤ طريقا لهذا الحديث:
■ منها ٤٠ تـدور كلها على الزهرى، و٢٤ على الأعمش، و٢٠ على حميد الطويل، و١٦ على شعيب بن أبى حمزة، و١٢ على سفيان الثورى، و٦ على الحسن البصرى، و٤ على شريك النخعى.
وكل من هؤلاء مدلس، ولم يصرح هنا بسماعه، فالمدارات كلها مظلمة، فباطلة، فلا اعتبار بها.
هذا فضلاً عن عورات أخرى بالأسانيد.
■ ومنها ٢٣ تدور كلها على سماك بن حــرب عمن فوقه عمن فوقه و٨ على كثير بن عبيـد، و٤ على ســفيان بن عامر الترمذى، و٣ على زياد بن قيس و١ على حاتم بن يوسف الجلاب عن عبد المؤمن بن خالد، و١ على عبد الرحمن بن عبيد الله، و١ على عجلان مولى فاطمة، و١ على أبى عبيدة مسلم بن أبى كريمة و٢ مرسلتان.
وسـماك ضعيف وسائر هؤلاء مجهـولون، فالمدارات كلها مظلمـة، فباطلة، فلا اعتبار بها، هذا فضلا عن عورات أخرى بالأسانيد.
■ ومنها ٧ تـدور على العلاء بن عبد الرحمن، و٢ على سليمان بن أبـى داوود و١ على عمرَ بن أبى بكر الموصلى عن زكريا بن عيسى، و١ على يحيى بن أيوب الغافقى، و١ على سليمان بن أحمد الواسطى، و١ على أبى عبد الرحمن الوكيعى عن إبراهيم بن عيينة.
وكل من هؤلاء ليس بمحل للحجة مطلقاً، لا مفردًا ولا مقروناً بغيره، فالمدارات كلها مظلمة، فباطلة فلا اعتبار بها، هذا فضلاً عن عورات أخرى بالأسانيد.
■ ومنها ٨ تدور على يونس بن يزيد الأيلى، و٥ على ابن المذهب عن القطيعـى و٥ على عبد الحميد بن بهــرام عن شهر بن حوشـب، و٣ على سهيل بن أبى صالح، و٣ على عبد العزيز الدراورى عن محمد بن عمرو بن علقمة، و١ على أبى بكر بن عياش عن عاصم بن بهدلة، و١ على مصعب بن ثابت.
■ وكل من هؤلاء ضعيف، هذا فضلاً عن عورات أخرى بالأسانيد تحيل اعتبار بعضها ببعض.
■ ومنها ٣ على يحيى بن بكيـر عن الليث بن سعد ويحيى ضعيف والليث مدلس ولم يصرح بالسماع.
■ ومنها ١١ على قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد والليث مدلس ولم يصرح بالسمـاع، وهنا شذوذ لعله مما أدخله خالد المدائنى على الليث.
■ ومنها ١٠ على شعبة عن واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر، وهنا شذوذ وجهالة متنًا وإسنادًا.
■ ومنها ٢ على أحمد بن عمرو البزار عمن فوقه عن القاسم بن مالك عن أبى مالك الأشجعى سـعد بن طارق بن أشـيم عن أبيه. والبزار ضعيف يخطئ فى المتـن والإسناد، والقاسم ضعيف وفى سعد ريبة، وفى دعوى صحبة أبيه ريبة أيضًا، فالإسناد مظلم، فباطل، فلا اعتبار به.
■ ومنها ١ على نعيم بن حماد عمن فوقه عن أبى مالك الأشجعى سعد بن طارق عن أبيه ونعيم ليس بثقة، وفى سعد ريبة، وفى دعوى صحبة أبيه ريبة أيضًا، فالإسناد مظلم، فباطل، فلا اعتبار به.
■ ومنها ١ على أحمد بن يوسف السلمى عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق مدلس ولم يصرح بسماعه وقد اختلط بآخره، ولا يدرى أسمع السلمى منه قبل اختلاطه أم بعده ؟ فالإسناد مظلم، فباطل، فلا اعتبار به.
■ ومنها ١ على إسحاقَ بن إبراهيمََ الدبرى، عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق مدلس ولم يصرح بسماعه، وقد اختلط بآخره، ومات وعمْر الدبرى ستٌّ أو سبعُ سنوات فاستصغر فيه، فالإسناد مظلم فباطل فلا اعتبار به.
■ هذا فضلاً عن عورات أخـرى بالأسانيد تحيل اعتبار بعضها ببعض وتقوية بعضها بعضًا.
هذا ولا اعتبار بين المجرحين فى عدالتهم، ولا بين الضعفاء فى حفظهم ضعفاً شديدًا، كما أنه لا اعتبار فى جهالة، لأن الجهالة مظنة جرح، ولا فى تدليس لأن التدليس مظنة جهالة، إنما يكون الاعتبار بين الضعفاء حين لا يكون ضعفهم شديدًا.
أما مدخل دراسة الباحث لهذا الحديث ومنطلقاته الأصولية ومنهجه فى التحقق من صحة الأخبار ومنهجه فى فهم القرآن، فهو مما يستحق النظر ويدعو إلى الإعجاب، ولكنه آثر ألا يعلن عن كل ما لديه ــ ولديه الكثير ــ بعد أن مر بتجربة مريرة من جراء محاولة إعلانها فى وقت سابق، ونرجو أن تتهيأ له ظروف تشجعه على إنجاز ما يريد والإعلان عن نتائج بحوثه ودراساته فى وقت قريب إن شاء الله.
إن الكاتب يتمنى أن تتوفر له موسوعتان هما:
(١) موســـوعة رواة تميز من وثقهم معاصروهم توثيقا حقيقيًا بالشهادة، عمن وثقهم غير معاصريهم توثيقا مجازيا بالسبر.
(٢) وموسوعة آثار بشواهد المتون ومتابعات الأسانيد، وبترتيب يسهل كشف الطرق والسماعات والشواهد والمتابعات.
إن كل موسوعة آثار صنفت لا تروى غلة ولا تشفى علة، لا تحفة أشراف المزى ولا إتحاف مهرة ابن حجر، ولا جامع مسانيد ابن كثير، ولا جامع أصول ابن الأثير، ولا كنز عمال الهندى ولا أصله، ولا غيرها، فهى إما متابعات فقط وبلا شواهد، أو شواهد فقط وبلا متابعات، والمتقن منها ضيق، والواسع منها غير جامع ولا متقن.

0 التعليقات:

إرسال تعليق