الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٠٩

القرآن.. أولي وأهدي فاتبعوه بقلم جمال البنا

بدأت القصة في مستهل رمضان الماضي عندما نشرت جريدة «الدستور» في الصفحة الأولي، فتوي للشيخ القرضاوي تجيز للمسلم أن يقتل الرجل الذي إذا رآه يزني بامرأته، ومع أنه قال في أولها إن الإسلام لا يعرف ما يسمي جرائم الشرف، فإنه نفي ذلك تواً بقوله: «أن يجد رجل مع زوجته في فراشه رجلاً أجنبياً يرتكب معها الفاحشة، فتأخذه الغيرة فيقتله دفاعاً عن عرضه، فهذا قد وجد متلبساً بالجريمة الكبري في قلب بيته ومع زوجته، ولكن لابد أن يثبت ذلك بالبينة، أو باعتراف ولي المقتول الذي له حق القصاص من القاتل، وإلا استحق العقوبة الشرعية اللازمة لمثله».
كلام الشيخ القرضاوي مراوغ، فهو يقول إن الإسلام لا يعترف بجرائم الشرف، ثم ينفي هذا بقوله: «إلا أن يجد مع زوجته رجلاً يرتكب معها الفاحشة»، فهل جرائم الشرف إلا هذه، ثم بعد أن يبيح للزوج قتل العشيق «دفاعاً» عن عرضه، فإنه يستدرك، ولكن لابد أن يثبت ذلك بالبينة أو يحصل علي اعتراف ولي الزوجة وأني له هذا، وقد نفذ القتل بالفعل، ثم ينقل لنا عن شيخ حنبلي ينقل عن «المغني» لابن قدامة آراء بعض المفكرين وآراء المجوزين ويستشهد بقصة عن عمر بن الخطاب.
في هذه المناسبة كتبت - في «المصري اليوم» ٤/١٠/٢٠٠٦، مقالاً بعنوان «يا فقهاء الإسلام أين أنتم من القرآن»، وقد وجهتهم إلي آيات الملاعنة التي نزلت في شأن صحابي قال للرسول: «رأيت بعيني وسمعت بأذني»، فلم يقبل منه الرسول حتي أنزل الله آيات الملاعنة «والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين» (النور ٦-٩).
وعادت القصة مرة أخري إلي الظهور عندما نشرت جريدة «نهضة مصر» ٢٠/٤/٢٠٠٧، «مانشيت» عريضاً «تلبس الزوجة بالزني.. هل يجيز قتلها؟»، جاء فيها: رسالة المفتي الدكتور علي جمعة إلي لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب حول رأيه في مشروع يساوي بين الزوج والزوجة في حالة تلبسهما بارتكاب جريمة الزني، حيث أكد أنه لا يحق للرجل قتل زوجته إذا وجدها متلبسة بجريمة «الزني». الفتوي فجرت خلافاً وجدلاً واسعاً بين علماء الدين، فمنهم من أيده، ومنهم من اختلف معه وعارضه.
وسألت الجريدة عدداً من الفقهاء:
فقال د. أحمد السايح الذي أيد موقف المفتي واشترط أن يحضر أربعة شهود يشهدون شهادة قاطعة، وإن لم يستطع إحضار الشهود، فله أن يلجأ إلي الملاعنة.
أيد المفتي أيضاً الدكتور محمد الدسوقي الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وأشار إلي نقطة مهمة لم يجرؤ غيره علي الإشارة إليها، هي أن الستر أولي من القتل أو رفع الأمر للقضاء حرصاً علي سلامة الأولاد الذين سيفقدون مستقبلهم إناثاً وذكوراً.
أما الشيخ يوسف بدري، فمع أنه أعاد رواية سعد بن عبادة مع الرسول، فقد استدرك أن الرسول تقبل غيرة سعد، وإن قرر أن إثبات الزني يكون بالملاعنة، ولكنه عاد فقال: لكن المفتي إذا رفض التماس العذر للرجل الذي يفاجأ بزوجته حال ارتكابها الزني فإنه يكون مخالفاً للمنطق باعتبار أن طبائع الحوادث تتحكم في تصرفات الأفراد، كما أن عنصر المفاجأة له نصيب كبير في إصدار الأحكام من حيث الشدة أو التخفيف، فهذا وإن وافق المفتي إلا أنه التمس للقاتل العذر عند تقرير العقاب.
أما الدكتور عبدالحي عزب، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، فبعد أن قال إن هذه الجريمة «الزني» إذا وقعت ورآها الزوج فلا يجوز للرجل بأي حال قتل زوجته أو قتل شريكها، وإنما عليه التمسك بأعصابه حتي لا تنفلت منه عاقبة الأمور،
 وأن يرفع ما يثبت من وقائع للقضاء، وأشار د. عزب إلي أننا نتخذ في ردود أفعالنا تجاه جريمة القتل المترتب علي ضبط الزوج زوجته متلبسة بالزني موقفاً وسطاً فلا نميل مع القائلين بأنه لا يجب أن يقترب منها أو أن يمس شعرة واحدة منها، ولا نميل مع القائلين بأن الحق معه في تقطيع أوصالها،
بل نرتكن علي مدي قوة الزوج وتحكمه في مشاعره، وعلي الظروف المحيطة بالتلبس، فالإسلام دين يقوم في أحكامه علي الموضوعية ومراعاة المؤثرات الخارجية التي يمكن أن تسهم في زيادة حدة الانفعال، وانفلات المشاعر لدرجة فقدان العقل والسيطرة علي تصرفاته، وبالتالي يكون الإعفاء من العقاب أو العقاب المخفف أو اللجوء إلي القضاء طريقاً رسمياً، إذا انتفت المؤثرات الخارجية.
أما المعارضون لفتوي د. علي جمعة، فإنهم اعتمدوا علي منطق شرعي مقبول بدرجة كبيرة وقارنوا الأشياء ببعضها ووصلوا بها درجة الإقناع.
فهذا وإن حرم علي الزوج قتل زوجته، فإنه التمس له الأعذار كما رأي أن المعارضين لرأي المفتي «اعتمدوا علي رأي شرعي مقبول».
أما الدكتور عبداللطيف عامر، أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة المنوفية، فقد قال: قتل الزوج زوجته أثناء ضبطها متلبسة بجريمة الزني، يكون ناشئاً عن ثورة غضب لا يمكن خلالها التحكم في أفعاله، وهذه الحالة لون من ألوان الغضب علي العرض والمحافظة علي البناء الأسري،
 وبالتالي لا يعاقب الزوج ولا يعد في نظر التشريع قاتلاً، وإن كنا نطالبه بالتحكم في تصرفاته قدر الإمكان، وأضاف أن الرسول أثبت الحق في استعمال القتل كرخصة لمن يدافع عن ماله تجاه من يحاول سرقته، فقد ثبت أن رجلاً سأل الرسول قائلاً: يا رسول الله، أرأيت إن وجدت رجلاً يريد أن يجتاح مالي، قال له الرسول ما معناه «لا تعطه»، قال إرأيت إن قتلني،
قال «أنت شهيد»، قال الرجل أرأيت إن قتلته، قال الرسول فهو في النار، ويقول الرسول في موطن آخر: «من قتل دون عرضه فهو شهيد»، وبالتالي يثبت لنا قداسة الأعراض في نظر الإسلام وحرصه علي المحافظة عليها حتي لو كلف ذلك الإنسان القتل، ويتضح ذلك من خلال الأحكام والحدود التي وضعها التشريع الإسلامي للحفاظ علي العرض من جلد ورجم وتعزير للسب والقذف وفعل الفاحشة وغير ذلك.
ويؤكد د. عامر أننا إذا طلبنا من الرجل ألا يقترب من زوجته ولا يمسها، فقد طلبنا منه التجرد من رجولته، وإذا كان التشريع قد وضع وسائل للجوء للقضاء والدفاع عن العرض بالطرق القانونية، إلا أنه لم يجعل عقوبة تجاه من يحاول أخذ حقه بنفسه.
وقال د. محمود كريمة، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، من المفروض شرعاً أن حماية العرض من الواجبات الشرعية، يتأكد هذا وجوباً للزوج علي زوجته، قال رسول الله: «من قتل دون عرضه فهو شهيد»، وبالتالي فإننا نكون جاوزنا الصواب إذا أنكرنا علي الرجل استعماله هذا الحق وقتل زوجته أثناء مشاهدته إياها ترتكب الفاحشة داخل بيته أو خارجه،
ثم أضاف: إن التعديلات التشريعية لها الحق في صياغة المواد التي ترضيها والمفتي له الحق في بعث رسائل كيفما شاء، وإننا نملك الحق في الكشف عن تشريعات الإسلام الصحيحة للأخذ بها ومراعاتها عند صياغة نصوص تلك التعديلات بصفة نهائية.
وقال د. إسماعيل حسن، رئيس اللجنة الدينية بمجلس محلي القاهرة: أختلف مع كلام المفتي تماماً، وكرر رفضه لكل ما جاء به ودلل علي صحة قوله بما حدث أيام سيدنا عمر بن الخطاب عندما جاءه رجل قتل زوجته ومن يزني معها وطلبته عائلة القتيل رغبة في الانتقام منه، ففر منهم واحتمي بسيدنا عمر وحكي له ما حدث، فقال له سيدنا عمر خذ سيفي هذا وإن عادوا فعد، أي إن رغبوا قتلك اقتلهم، ثم أضاف: وكلام سيدنا عمر يؤخذ به كسُنة عن صحابي استناداً لأمر الرسول الذي يقول: «عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي».
إلا أننا نحتاط لأنفسنا بأن يكون فعل الزني ثابتاً علي الزوجة من خلال أدلة مشاهدة أو قرائن تقطع بذلك تماماً حتي لا يكون الأمر مرسلاً، وكل من غضب من زوجته يقتلها بدعوي أنها زانية، فيكون الإفساد أكثر من المحافظة.
ويتضح من هذا أن ردود معظم الشيوخ جاءت مراوغة، لأنهم بالطبع يعلمون ما في القتل من إثم عظيم، ويعلمون طريقة العقاب في الزني كما حددها الإسلام، ولكنهم يسلمون القياد للمشاعر العامة التي تري القتل أمراً من أمور الرجولة والشهامة،
 فهم يقرون قتل الزوجة أو قتل العشيق ويدرأون عن القاتل العقوبة أو يرون حقه في تخفيف العقاب بحجة العاطفة النبيلة التي ولابد أن تشتعل لهذا المنظر، ومنهم من برره بحيث «من مات دون عرضه فهو شهيد»، وياله من تبرير، فمفهوم الحديث لو أن أن رجلاً أراد المساس بزوجة آخر، فقاومه هذا الآخر، وقتل في سبيل ذلك فهو شهيد، فكيف نضع القاتل مكان المقتول.
ومنهم من بررها بقصة عمر وهي رواية تحتمل الصحة والخطأ، علي أنها حتي لو كانت صحيحة فهل ينسخ تصرف فردي لعمر آيات الكتاب.
أقول لكل هؤلاء إن كل من يقتل زوجته أو شريكها يعد في الإسلام قاتلاً، لأن الإسلام لا يبيح القتل إلا للقتل العمد، بل يضع مندوحات عنه بالصفح أو بالدية.
وأقول للذين يحكمون بعواطفهم أو بحمية الجاهلية، إن القرآن لم يعتد بما زعموه من عواطف نبيلة... إلخ، لأن القتل أغلظ من العرض، ولأن حالة الغضب قد تدفع صاحبها للخطأ، خاصة أنه بالطبع لن يحقق الفعل التحقيقي الشرعي، فالاعتداد به خطأ، ولا جدال أن القرآن أولي وأهدي من كل مزاعمهم، وقد وضع الوسيلة الحضارية للخلاص من هذا المأزق دون السماح بالتورط في الدم،
 كما خلص الزوج من زوجته، ولحظ أيضاً مصلحة الأبناء الأبرياء، بل إن المرأة التي اتهمها زوجها أيام الرسول ونزلت بسببها آيات اللعان عندما ولدت طفلاً يشبه من اتهمت به لم يمسسه أحد، وجاء في بعض التفاسير أنه شب وعاش حتي عين حاكماً علي مصر حيناً ما.
فيا حضرات الشيوخ طبقوا ما أمر به القرآن ولا تتطفلوا عليه، ولا تحاولوا تطبيق حمية الجاهلية بدلاً من رؤية القرآن، وأعجب والله أنكم شيوخ الأزهر ورؤساء أقسام تفعلون هذا، وتخالفون القرآن، ماذا تركتم لرجل الشارع الذي لا يري وسيلة «لغسل شرفه» المزعوم إلا القتل، وإلا الدم.
القرآن.. أولي وأهدي.. فاتبعوه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق